الاثنين، مارس 01، 2021

مآل ثور 19 ديسمبر في عيدها الثاني

مآل ثور 19 ديسمبر في عيدها الثاني

قال تعالى "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" الآية 110 سورة يوسف.

كان الشعب السوداني على موعد مع القدر يوم الأربعاء الموافق 19 ديسمبر 2018م ليكون يوماً فاصلا في تاريخ السودان الحديث، قدر سياسي جاءت بشرياته ببزوغ تجمع المهنيين السودانيين من رماد الحركة النقابية المعّتقة، كطائر الفينيق الأسطوري، الذي يجدد نفسه تلقائياً وبشكل متكرر من رماد إحتراقه، نفش التجمع ريشه، ونفض فرائسه، ليثر الرعب في وجه جبروت نظام الإنقاذ المقبور، رهن الشعب السوداني آماله وأحلامه المشروعة على هذا المبعوث الجبّار، وكسب الرهان، في ملحمة نضالية أبهرت العالم في بسالتها وصمودها وسلميتها، بصورة أجبرت الشعوب الحرة على الإعتراف بجسارة الشعب السوداني، وتميزه وإستعداده الفطري للمساهمة الفاعلة في التطور والنهضة الإنسانية.

بعد صمود إستمر بالتمام والكمال ل 113 يوماً، تكللت ملحمة 19 ديسمبر في وضع حدٍ لصلف وغرور نظام الإنقاذ يوم الخميس الموافق 11 إبريل 2019م، قدّم الشباب السوداني الباسل، أعظم التضحيات بالأرواح الطاهرة والدماء الزكية لكتابة هذا التاريخ في سجل نضالات الشعوب المتعطشة للحرية والديمقراطية والعيش الكريم، بعده إستمر قطار الثورة بزخمة "الأتبراوي" في التقدم بثبات سالكاً دروباً وعرة لتحقيق شعاراتها الواضحة المعالم، المحددة الأهداف، فما حصيلة هذه المسيرة القصيرة نسبياً؟، وفي أي الإتجاهات يسير قطار الثورة؟، ومن الذي يضبط سرعته، ويتحكم في منعرجات سكته خلال هذه المرحلة الحرجة؟

بلا شك أنّ إزالة كابوس الإنقاذ الدموي والمرعب من ليالي الشعب السوداني الأبي، في حد ذاته، يعتبر إنجاز لا يضاهيه إنجاز، دهس هذا القطار الفولاذي بكلكله على كبرياء نظام، توهم أنه يسّلم راية الحكم للمسيح الدجال، نجح تجمع المهنيين السودانيين في إنتزاع نصراً مؤزرا، بعد أن إستيأس رسل الخلاص من إستجابة الشارع السياسي لنداءاتهم الملحة والمتكررة، وظنوا أنهم أنبياء كذبة، قدّم لهم التجمع الأدلة والبراهين على جديته وإصراره على التحدي والصمود، أجبر الشارع على إستعادة تاريخ الحركة النقابية الفينيقي فلتف حوله.

ما تحقق للشعب السوداني من حريات بفضل الثورة، لا بأس بها، ولكن دون الطموح، والعافية درجات، فلا يزال التظاهر السلمي محفوف بمخاطر الرصاص الغادر من فلول النظام، وسط الأجهزة الأمنية، وغير مرحب به عملياً حتى من قبل الشق المدني للحكومة الإنتقالية، والشعب السوداني ليس حراً تماماً في خيارات سياساته الخارجية، وليس بيده زمام وجهة علاقاته الدولية، وليس حراً في تأطير علاقة الدين بالدولة وشأن الحكم، ولا يزال هنالك من يحاول إرعابه بالشعارات الإسلاموية البائرة، كما ليس حراً في توقيت التحرك لإستعادة أراضيه المغتصبة من دول الجوار، وبإستثناء الحريات الدينية الشكلية، فإنّ كيس الحريات العامة، شبه خاوي، رغم توقف مصادرة الصحف، وملاحقة الصحفيين أمنياً وقضائياً، فقد نكّلت الأجهزة الأمنية بالكثيرين بنشطاء السوشل ميديا، من رموز الثورة، وزج  بالكثرين منهم في غياهب السجون، ولا يزال حملات الإستهداف الممنهج المفضي إلى إغتيال الشخصيات مستمرة، وبلا هوادة.

جهود الحكومة الإنتقالية الصادقة لتحقيق السلام، ووضع حدٍ للإحتراب، أثمرت إتفاق جوبا للسلام في أكتوبر الماضي، وهي بذلك قد قطعت شوطاً مقدراً في هذا المضمار، وعليها بذل المزيد لإقناع عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو، ليكون السلام شاملاً ومستداماً، وقبل ذلك عليها رعاية إتفاق جوبا للسلام، قبل أنّ يتجاوزه الزمن، من خلال تبخر الجداول الزمنية، وتبدأ قيادات الكفاح المسلح، الجأر بالشكوى من الخذلان، وعدم الجدية.

أما حصيلة العدالة، في عربات قطار الثورة، فهي بلا جدال عبارة عن صفر كبير، لولا الجهود المقدرة للجنة إزالة التمكين، فملف مجزرة القيادة العامة، محلك سر، وملف تسليم المطلوبين دولياً، لا يزال يراح مكانه، واللعب بالمصطلحات سيد الموقف، وملف محاكمة الفاسدين والمجرمين من رموز النظام، يبدو كعروض مسرح اللامعقول، وقتلة سيد شهداء الثورة، الشهيد أحمد خير، لا يزالون على بعد فراسخ من المقصلة.

والمدهش أنّ الحكومة الإنتقالية، قد إستنجدت بالمجتمع الدولي، للمساعدة في الوصول إلى مرتكبي مجزرة فض إعتصام القيادة العامة، في محاولة مفضوحة، لتفادي الحرج الجنائي من رموز الشق العسكري من المجلس السيادي، ليعلم الشعب السوداني، أنّ العدالة الإنتقالية رعديدة، إذا أضفنا هذا الطلب المدهش، إلى طلبات المساعدة في حماية التحول الديمقراطي من المجتمع الدولي، والذي صدر بموجبه قانون تشكيل بعثة يوناميس، وعقد المؤتمر الدولي الإقتصادي الفاشل، يمكننا القول أن حكومة السيد حمدوك، حكومة مزاجها دولي بإمتياز، وهي أسهل الحلول، لكنها أكثر كفلة وخطورة على مستقبل القرار السيادي مستقبلا.

في الآونة الأخيرة، يبدو للمتابع أنّ هنالك تنازع في قيادة قطار الثورة، وأنه يترنح، أو يكاد يفقد الإتزان، وهناك من يشفق على مصيرها، إذ لا يزال الكثيرون من رموز النظام البائد، طليقو السراح، يسرحون ويمرحون، إلاّ أنّ آمال عودتهم إلى سدّة الحكم مرة أخرى، قد تبددت وتلاشت إلى غير رجعة، رغم المحاولات الخائبة واليائسة، فإنّها فرفرة مذبوح، ذلك أنّ النَفَس الثوري لا يزال متّقداً و"الموود" لا يزال حاميا، ومزاج المتاريس ما برح يغلي في صدور الجيل "الراكب راسو"، هذا المزاج الثوري النبيل، ما فتئ واعياً وحامياً لكافة صنوف التآمر والتخاذل، مدركا لكافة أساليب الإنتهازية من وكلاء النظام المقبور البائسين، وكذلك حيل النخبة السياسية الفاشلة، هذا الصحو الثوري «الفينيقي» المتجدد، هو الضامن الثبت والموثوق لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في العيش الكريم، تحت مظلة شعارات ثورة 19 ديسمبر، المرتكزة على الحرية والسلام والعدالة.

الرحمة والمغفرة لشهداء الثورة، وعاجل الشفاء للمصابين،  واللهم يسّر عودة المفقودين سالمين إلى أهاليهم.

أقلام متّحدة ـــ 15 ديسمبر 2020م

// إبراهيم سليمان//

 


ليست هناك تعليقات: