السبت، سبتمبر 14، 2019

د. عائشة موسى .. لماذا تنكر وتكره التهميش؟


د. عائشة موسى .. لماذا تنكر وتكره التهميش؟

خلال حوارها مع توفيق مجيد عبر قناة فرانس 24 وعندما سألها مقدم البرنامج: "تقصدين المهمشين، قالت الدكتورة عائشة موسى، عضو المجلس السيادي، قالت: وأكره هذه الكلمة، الناس بستخدموها  كتير، وحتى هم صاروا بقولوا نحن من المناطق المهمشة، مهمشة جغرافياً أنا بالنسبة لي على الأقل، على حد قولها، وأضافت لكن ما  في إنسان مهمش، طالما هو قاعد في الدنيا دي، يبقى هو ما مهمش ولا أي شيء، كانت الحكومة أو الحكم لم يكن عادل أو لم يكن صحيح، سقط عنها أو ما إنتبه لبعض الأشياء"، متمنية أن يكون تهميش الأجزاء المعيّنة من السودان لم يكن عن قصد.
بالجد هذا الكلام كان صادما جداً من د. عائشة، والتي لم يعرف الشارع السياسي السوداني عنها الكثير، قبل توليها عضوية المجلس السيادي، وقد فقدت الحياد بقولها هم أي المهمشين، مقابل نحن (المركز) وكان الأجدر بها أن تقول إخواننا أو أبنائنا أو أهلنا، علاوة على أنها تقر بالجرم المتراكم مضموناً، وتكره مصطلح التهميش، والذي أصبح ضمن نسيج القاموس السياسي المرحلي شاء من شاء وأبى من أبى، فقد صدرت عدة مطبوعات، وعُقدت عدة مؤتمرات وورش تنويرية باسم التهميش والمهمشين، وأُسست عدة منظمات مجتمع مدني، وصدرت صحف إلكترونية ومواقع أسفيرية للتصدي لهموم ذات الشريحة التي تمثل الغالبية العظمى من مكونات الشعب السوداني، فلماذا تكره هذه الكلمة، وهي كراهية لا تشئ بحب الواقعين تحت يافطته بلا شك، وهم الثوار المدنيين، وحاملي السلاح، والذين لم يخرجوا على الدولة إعتباطا ولم يحملوا السلاح بحثاً عن الموت العبثي.
ومن العجب أن تقر بالظلم، وتجتهد في إيجاد المبرر للحكومات المركزية المتعاقبة منذ الإستقلال، وهو مبرر أوهى من حبل العنكبوت، إذ تردّه إلى عدم الإنتباه من الجهات المجرمة، والتي ظلت تمارس الظلم والتهميش، وتسّخر مقدرات البلاد لجهات بعينها، وتمّكن إثنيات محددة على الثروة والسلطة بصورة ممنهجة وفجّة، مع سبق الإصرار والترصد، أقّر بها وتقزز منها كل صاحب ضمير حيّ، ووجدان سليم.
لقد فقدت الدكتورة عائشة الحياد، من حيث أرادت، وتمادت في الإنحياز حين نصّبت نفسها محامية وإجتهدت في إيجاد مبرر للظلم، ووقعت في التناقض حين أنكرت وأقرّت، وخيّبت الآمال لحسبانها من فئة المهمشين جغرافياً وإثنيا، شاءت ذلك أم تنكرت، وزادت الخيبات برفضها العودة إلى "سنار"، والغريبة في الأمر ذكرت أكثر من مرة خلال حوارات إعلامية معها في السابق، أنّها تعيش على هامش زوجها الراحل الأديب الكبير محمد عبد الحي، وشهدت كريمتها بذلك، فكيف تكرر المفردة أو المصطلح، وتكرهها في ذات الوقت؟
فالتهميش الذي تكرهه عضو المجلس السيادي، جريمة كاملة الأركان، ووقائعها ظلت تتكرر منذ الإستقلال، وأدوات الجريمة لا تزال ملقاة على طرقات ربوع الهامش، وأسماء ضحايا الحقبة الأخيرة ضاقت بهم سجلات محكمة الجنايات الدولية،، ولن تتسع ردهات محاكم الضمير الإنساني مهما وسعت لشهود الجريمة من شعوب العالم، وأحدث وأدمغ شاهد على القصد الجنائي من النخبة المركزية على ممارسة التهميش، هو الضحك على "دقون" قادة الجبهة الثورية في أديس أبابا مؤخرا، وشهدت شهود قحت على نفسها على تلكم السلوك السياسي مجافي التقدير وعديم والإحترام.
أشك أن دكتورة عائشة موسى قد أنصتت إلى الرسالة الخامسة من خطاب دكتور محمد الأصم التاريخي في يوم العرس الوطني في 17 أغسطس الماضي، حيث قال:
"إلى غرب السودان – دارفور – إلى شرقه إلى جنوب كرفان والنيل الأزرق إلى شماله ووسطه إلى الريف السوداني إلى كل مواطنة ومواطن سوداني فقير، مريض، غير آمن، مهمش، هذه الثورة ثورتكم وأنتم يجب أن تكونوا أول من يقطف ثمارها، المواطنة المتساوية والخدمات الحكومية المتساوية والتمثيل المتساوي مع التمييز الإيجابي المستحق هو ما يجب أن نعمل جميعاً من أجل تحقيقه وبناءه."
بهذا الإنكار المشين، شرعت دكتورة عائشة في نقض غزل ثورة 19 ديسمبر المجيدة، فلولا التهميش والظلم الإجتماعي، والإيثار الإثني والجهوي والتمكين الآيدلوجي، لما كانت العدالة ثالث الأثافي لشعار هذه الثورة الفتية، والفاحص لعضوية المجلس السيادي، وتشكيلة وزارة حمدوك، يدرك بسهولة أنها جاءت كمحاولة لتكفير آثام التهميش السلطوي، دون إحتجاج أو إعتراض من الضالعين في الجرم بالإصالة أو بالوكالة. لقد إنتهى عهد "مباراة" الحقائق مهما كانت فجّة، وأقبل عهد الصراحة والوضوح وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية بلا أقنعة.
الإعتراف بوجود الهامش الجهوي، وإنكار وجود المهمشين، لا يساعد في إدارة التنوع بفاعلية، لتحقيق العدالة الإجتماعية المنشودة، وهي الضامنة الوحيدة لتحقيق تطلعات الشعب السوداني، في الإستقرار والترقي والرفاة، ذلك أنّ الكراهية المعلنة للمهمشين، والتبرير الواهي لمصوغاته، بلا شك ستخلق حواجز نفسية سالبة، ونأمل أن تعيد د. عائشة موسى حساباتها لتقبل هذا المصطلح الراسخ في وجدان عشرات الملايين من الضحايا، والبحث الجديّ لمعرفة دوافعه الحقيقية وعدم الإكتفاء بالظنون، وبصفتها عضو المجلس السيادي، نأمل أن يعد ببذل الجهد للقضاء عليه، بدلاً عن الإكتفاء بالتمني، ونأمل أن تعود إلى "سنار" وأن تحذر الإقتراب من نسق تصريحات أخوات نسيبة.
يبدو لنا أن الدافع لحالة الإنكار هذه، ومبعث المجاهرة بالكراهية، هما مسعى لإرضاء القيادة المركزية لقحت، صانعة القرار السياسي في الوقت الراهن، والمتحكمة في مصير البلد والعباد من وراء الحجايل (الكواليس)، وهي قيادة مركزية قلبا وقالبا بإمتياز.
من حق عضو المجلس السيادي الموقرة، أن تتحفظ على مصطلح التهميش، إما أن تكرهه فنظن أنّ هذا الموقف غير موفق، ذلك أنّ المهمشين هم أكثر ضحايا النظام البائد، وأكثر من دفع ثمن ميلاد هذا العهد الجديد الذي هيأ للدكتورة عائشة موسى الجلوس على أحدى المقاعد السيادية، وبكل تأكيد، في مخيلة وحسابات الذين رشحوها أنها منهم، بيد أنها تقول هم، ونظن في مخيلتها، الآخرون هم الجحيم.
ebraheemsu@gmail.com
//ابراهيم سليمان//


ليست هناك تعليقات: