الاثنين، مارس 01، 2021

إن تقاعس الشارع الثوري عن "المليونيات" .. ضاعت الثورة

 إن تقاعس الشارع الثوري عن "المليونيات" .. ضاعت الثورة

نداء التغيير

تذيّل الساسة قائمة إستفتاء عالمي عن الشخصيات العامة الذين يتمتعون بثقة المواطن، وتربّع الأطباء على هرم قائمة الثقة، تلاهم المعلمين، بينما خاب أمل رجالات الدين الذين يظنون أنهم أطهار، وشملت القائمة رجال الأعمال والصحفيين، والقضاة والمحامين والقادة العسكرين والبرلمانيين، عليه لا يحق لنا نحن السودانيون، الإعتقاد أنّ ظاهرة "حسن طرحة" من متلازمات النظام البائد حصرياً.

وما تميزت به ثورة 19 ديسمبر المجيدة، على سابقاتها أبريل 85 وأكتوبر 64 هو إستمرار الزخم الثوري لعدة أشهر بعد سقوط نظام الإنقاذ المشؤوم، ولو لا مليونية ال 30 من يونيو 2019م المفاصلة، لما إنصاع فلول العسكر مكرهين لحتمية مشاركة "المَلَكية" لهم صولجان السلطة، ولكن بكل أسف من ذلك الحين، ركن الشارع الثوري على عناصره في الحكومة الإنتقالية، بشقيه في المجلس السيادي، ومجلس الوزراء، ظانين ظن العشم، أنهم سيكونون حماة أمناء للثورة، من داخل "كابينة" القيادة الإنتقالية، ولكن بكل أسف، سحر المناصب الدستورية، جعل الكثيرين منهم، يمشون جنب الحيط، وسط دهاليز القصر الرئاسي، وردهات الوزارات وسرايا ولاة الولايات، والبعض الآخر "جابوه فزعة وبقى وجعة"، إلاّ من رحم ربه.

توقفت المليونيات التصحيحية، فيما نظن ركوناً على الرموز الثورية، في دفتيّ سفينة الحكومة الإنتقالية، فتطاول الأقزام على شعارات الثورة، وتبختر الخاطفون فوق ركام المتاريس، وداسوا "بالبوت" على مرتكزاتها، بينما "الثورجي" الأمين، ينافح من أجل الحفاظ على موقعه في صف رغيف الخبز! أو يبيت متلهفاً في محطة وقود من أجل الحصول على بضعِ لترات من بنزين أو ديزل أو أسطوانة غاز! ورغم الخيبات الكثيرة والبائنة، لم نجد رمز من رموز الثورة، ممن "تسيّدوا أو إستوّزروا"، من يقف "ألف أحمرا" في وجه صلف المكون العسكري، ومحالات جبروتهم، منحازاً للمبادئ، وفياً للشهداء الثورة الأبرار!

ما أكثر المخازي التي تطلب المليونيات الثورية؟ وما أعظم المواقف والإنحرافات التي يتوجب الخروج للشارع الثوري من أجل تصحيح مساراتها؟ العدالة العرجاء، المماطلة في تحقيقات مجزرة فض الإعتصام، المراوغة في تسليم المطلوبين دولياً لل ICC، إصرار العسكر على الهيمنة على مفاصل إقتصاد البلد، وإنتهاكات قوات الدعم السريع، عرقلة المكون العسكري لإحلال السلام الشامل، "تطنيش" حكومتيّ حمدوك المبهم عن الصراخ العالي بضرورة تغيير العملة، وتغيير النائب العام، لدرجة تقّربه من أسوار التخوين التواطؤ.

ما أكثر الخيبات التي لا سبيل لتصحيحها إلا بدوي هتافات الشارع الثوري، هو الشيء الوحيد الذي يخيف الساسة في مكاتبهم الفخمة، ويرعب العسكر في ثكناتهم المتربصة بالثورة، ويردع كل من تسول له نفسه العبث بمكتسبات الثورة، التي نجحت بأرواح الشهداء، ودماء الأبطال، ولا يليق بالشارع الثوري أن يخونهم، بالخمول أو الركون إلى حسن النوايا، أو الإعتماد على الساسة، فالساسة يتلونون كما تتلون الحرباء، إستناداً إلى فلسلة فن الممكن.

الأمل كل الأمل ألاّ تستكين لجان المقاومة، وقد تمددت إنبثاقاتها إلى كافة المدن والأحياء والفُرقان، وألاّ تتقاعس عن تسير المليونيات الثورية، هذه هي الضمانة الوحيدة لصون مبادي الثورة، والسبيل الوحيد للوفاء لشهدائها الأبرار، عليها أن تعد العدة لمليونيات متتالية لتشكيل المجلس التشريعي، وإقالة النائب العام، والكشف عن مرتكبي جريمة فض الإعتصام، وتحرير الإقتصاد الوطني من العسكر والمؤسسات الأمنية، وكذلك تحرير ملف السلام، وسند لجان إزالة التمكين، فالثقة المطلقة والعمياء في الساسة وحدها، مضيعة للوقت، وتفريط في مكتسبات الثورة.

صحيفة الحراك السياسي

//إبراهيم سليمان//

28 فبرايل 2021م

ebraheemsu@gmail.com

ليس من العدالة تجريم تظاهرات الجياع

 ليس من العدالة تجريم تظاهرات الجياع

نداء التغيير

للكوكب الذي نعيش عليه، قوانين ونظم، لا يأبق عنها كائن من كان، نواميس غريزية، تتكفل الطبيعة بتعليمها للجميع، دون إن تترك لأحد خيار الهروب من دروسها، منها من فقد والديه، أحدهما أو كليهما، لا يحتاج لمن يحّرضه على البكاء عليهما، شفقةً، ورهبةً من المجهول، كذلك من يجوع، يفكر تلقائياً فيما سيد به رمقه، دون التفكير في الكيفية أو العواقب، لذا أيّدت الشريعة السمحاء، حق المضطر في أكل النبيلة "الفطيس" وتجاوز المحرم شرعاً من أجل الحفاظ على الحياة، وهو أمر مقدم على مراعاة المحرمات شرعياً وإجتماعياً، ولنا في الخليفة الفاروق قدوة حسنة بتعطيله حد السرقة عام الرمادة، فقد أوقف حد السرقة علي من إمتدت أيديهم إلي أموال الغير، إستيعاباً عبقرياً لمقاصد وروح الشرع الحنيف، وقال قولته المشهودة، كيف أقطع يدا إمتدت لرغيف خبز يمنع صاحبها من الهلاك؟ الخليفة الفاروق كحاكم هنا نظر إلي النفس البشرية بضعفها ولا يحسبها ملاك مطهر يحيا في السماء، لذا مع الفارق، نرى أنّ تجريم ثوار الجوع غير منصف.

لم يستغرب ذوو الفطرة السليمة، إندلاع المظاهرات الغاضبة في الكثير من مدن السودان الأسابيع الماضة، ولن يندهش أحد من تكرارها في أية لحظة، بسبب التردي المعيشي نتيجة الغلاء والندرة في السلع الأساسية، من طعامٍ ووقود ودواء منقذ للحياة، بل كان متوقعاً، تماهياً مع الطبيعة البشرية، وإمتثالاً للنواميس الكونية، فلا يظنّ إلاّ غافلاً، أن يقبع المواطن الصالح يتضور جوعاً في بيته، وهم يعلم كعلمه بجوع بطنه، أنّ هناك من يحتكر معاشه، ويسمسر في قوت يومه، لخنق الحكومة وقتلها، ثم قتلهم من بعدها.

الفاشلون من الساسة لا غيرهم، والعاجزون من التنفيذيين وحدهم، من يحاولون إيهام السذّج، أنّ الناس بخير، وأنّ فلول النظام البائد هم من يدغدغون رؤوسهم، ويحرضونهم للخرج إلى الشارع، وإقتحام المتاجر، وإضرام النيران فيها، والخائبين وحدهم من يفترضون إن خرج الناس للشوارع، أن تظل الفلول وأنصار النظام البائد قابعين في منازلهم، يراقبون المشهد من نوافذ أبراجهم العاجية! هذه مثالية لا تناسب عالم اليوم، والواقعيون وحدهم، من يرون طبعياً، أنّ تستغل الفلول الفاسدة، أية سانحة مواتية، لتشويه سمعة الشارع الثوري، وأن تلّطخ ثوب الحكومة الإنتقالية، بالكيفية التي تناسب أخلاقياتها السياسية، وتتماهى مع أساليب منظومتهم البراغماتية غير الأخلاقية، وتتسق مع تاريخهم الأسود في هذا الشأن.

والعاقلون وحدهم، يرون، أنّ على الحكومة الإنتقالية لا غيرها، سد ذرائع الثوران على سياساتها، بدلاً عن الإكتفاء بتجريم الفلول، ولعن قياداتهم، وإعتقالهم خبط عشواء، ذلك أنّ العاقل يميّز بين الحق وبالباطل، ويعرف الواجب والمستحيل.

ومن سابع المستحيلات، أن تمتلئ "القِربة المقدودة"، وإن إستمر النفخ في جوفها بأفواه كافة دستوريّ الجهاز التنفيذي أبد الدهر. وهذه "القِربة" هي المنظومة الإقتصادية لحكومة ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة، منظمة مستسلمة للإبقاء على عصب الموارد المالية في أيدي العسكر وبإمرة المؤسسات الأمنية، والتي يعرف القاصي والداني منبتها ومراميها، وما من ناصح أمين، إلاّ أكد إستحالة معافاة الواقع المعيشي والمالي للبلاد قبل، الولاية التامة لوزارة المالية على المال العام، وعودة العسكر إلى ثكناتهم قبل إنقلابهم المشئوم في 30 يونيو 1989م، وأي  حديث عن الإصلاح الإقتصادي غير هذا لهو النفخ في "قربةٍ مقدودة"، بل مفتوحة من الطرف الآخر.

بعد عملية التسليم والتسّلم للمؤسسات الإقتصادية من العسكر والأجهزة الأمنية، والكف عن الإقتراب مطلقا من هذا الشأن المالي، حينها قد تفيد القروض الدولية، في إعادة تأهيل البنى التحتية، وتحريك الماكينات للإنتاج الوفير والتصدير المركز، وليس من أجل سد العجز في الميزانية غير الواقعية. أي أن يكون الشعار، "أقرض، أنتج، صدر". يقيننا أنّ هذه المسألة، لا تحتاج لدوس عَصر.

صحيفة الحراك السياسي

//إبراهيم سليمان//

19 فبراير 2021م

ebraheemsu@gmail.com

قوات الكفاح المسلح .. المطلوبات التأهيلية

 قوات الكفاح المسلح .. المطلوبات التأهيلية

مع الفوارق الأخلاقية، مثلما تقّبل المواطن قوات الدعم السريع، ما من شك أنه سيتقبل قوات حركات الكفاح المسلح، بعد توقيع إتفاق سلام جوبا، والبدء في تنفيذ بنودها الأمنية،  سيما في معاقل حواضنها الإجتماعية، والتي لا تزال أوضاعها الأمنية مضطربة، وقلقة بسبب خروج قوات اليوناميد، وبعيداً عن إجراءات الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في إتفاق جوبا للسلام، بالضرورة هنالك خطوات مهنية ونفسية لا مناص من إتخاذها لضمان إضطلاع هذه القوات بدور فعال وإيجابي في تحقيق الأمن في ربوع البلاد بصفة عامة ومناطق النزاع المسلح خاصة.

دفن المرارات الثورية

طيلة سنوات الكفاح السلح، تراكمت مرارات، وتكدست رواسب نفسية، نتيجة تقاطعات ثورية، ومشاحنات ميدانية، بين مكونات هذه القوات، وما أدّل على هذه الرواسب، أكثر من وتائر التشظي التي نتجت عنها فصائل تصعب حصرها، ونعتقد أنّ التسامح سيكون أسهل بين مكونات قوات الكفاح المسلح التي ستشارك ضمن قوات حفظ الأمن في إقليم دارفور على وجه التحديد، ستكون فيما بينها، بيد أنّ هواجسها النفسية، وتوجساتها تجاه القوات النظامية وشبه النظامية الأخرى، والتي ستشاركها ذات المهام تحت قيادة موحدة، نعتقد إنّ هذه الهواجس، ستصعّب مهامها، ما لم تخضع كافة مكونات قوات حفظ الأمن في دارفور إلى دورات تأهيلية مكثفة، وتستوعب مضامين ورش عملياتية ميدانية مرّكزة على التسامح والتعايش السلمي، وكيفية تجاوز المرارات الثورية، والتجاوزات الأخلاقية من قبل كافة الأطراف في حق بعضها البعض، وفي حق حواضنها الإجتماعية.

كيف يتحول الثائر إلى رجل بوليس محترف؟

بكل تأكيد أن قوات الكفاح المسلح، وكذلك قوات الدعم السريع، تحتاج إلى ورش تؤهلها للإلمام بأسس المهام الشرطية الروتينية، وأساسيات الحقوق المدنية وأبجديات القانون الجنائي، ناهيك عن بديهيات ضبط النفس، والقدرة على رباطة الجأش، والصمود أمام محاولات الإستفزاز المدني، قادر على المشاركة الفاعلة في بناء السلام، والحفاظ على مكتسباته،  وهي سمات تميز رجل البوليس المحترف عن سواه من القوات النظامية،

المزيد من الإنضباط

بلا شك أنّ طبيعة العمل الثوري الميداني، تترك مساحات واسعة من حيز التصرف للثائر المسلح، وبما أنّ ذاك العهد قد ولى دستورياً بالتوقيع على إتفاق جوبا للسلام، وإنتهى عملياً بإنضمام ثائر الكفاح المسلح إلى القوة المنوط بها حفظ أمن العباد والبلاد، تحت قيادة نظامية، هذا التحول يتطلب بالضرورة إن يتحلى الثائر المسلح، بالمزيد من الإنضباط، والإنصياع للتعليمات حرفياً، وأن يتقّمص شخصية رجل الدولة، المحايد والمنضبط، والحريص على إتباع القانون، وأن يستبسل في سبيل تنفيذه دون تجاوزات أو محاباة، وبعيداً عن إستغلاله، أو الركون إلى التشفي الشخصي، أو الإنتصار للحواضن الإجتماعية، وممارسة التكتم، وصون أسرار الأسر، ومراعاة خصوصية المتهمين ..إلخ.

لا بد من معايير إستثنائية للإختيار

بديهياً أن يتم إنتقاء عناصر قوات الكفاح المسلح وفق معايير لتشكيل قوة حفظ الأمن في دارفور، والبالغ عددهم 6,000  عنصر حسب بروتكول الترتيبات الأمنية، أي نصف عدد القوة، هذه المعاير يجب أن تكون استثنائية لمهام استثنائي، بحيث يتجاوز التنوع، ليشمل السمات الشخصية من زكاء إجتماعي،  ورزانة وحس أمني، وسرعة البديهة، والتنّزه عن العصبية الإثنية، بالإضافة إلى مهارات الإقناع، وملكة الإستماع، والفراسة الأمنية والفضول الإيجابي.

يقننا، أنّ قوات الكفاح المسلح، إذا أُحسن إختيارها، وأُحسن تدريبها وتأهليها، سيضلعون بالمهام الأمني التي توكل إليهم على أكمل وأفضل وجه، وأن تحول طاقاتها الثورية، إلى طاقة إيجابية مثمرة، ترضي أنفسهم الطوّاقة للسلام، وترضي مجتمعاتها والمتعّطشة للإستقرار، والمتطلعة للتعايش السلمي، وستكون هذه العناصر خير معينة على القضاء على التفلتات الأمنية، ووضع حدٍ للتجاوزات العشائرية المتكررة.

//إبراهيم سليمان//

أقلام متحدة

 

 

من يحمي حمدوك من "تنّمر" جنرالات السيادي؟

من يحمي حمدوك من "تنّمر" جنرالات السيادي؟

غافل من يظن يوماً أنّ جنرالات الحرب، صادقين في تشدقهم بالسلام، ومخطئ من يظن يوماً أنّ عسكر العالم الثالث، يزهدون في الحكم بقناعاتهم، وواهم من يعتقد أن "الجيّاشة" يفهون معنىً للسلطة بغير سلاح، وما فلحت أمة أوكلت أمرها للعقلية العسكرية، عقلية القمع والحرب والدمار، ومن الفارقات أنّ يستشهد آلاف الشبان فداءً لثورة ديسمبر، ثم يؤل الأمر من بعدهم رويداً رويداً إلى جنرالات الحرب، أعداء السلام، وكلاء تجار الدين، وبقايا نظام الإبادة الجماعية، حماة الفاسدين المطلوبين دولياً، الذين تفّجرت الثورة من رحم عذاباتهم وطغيانهم.

لا ندرِ من نلوم؟ الذين تقاعسوا عن الاضطلاع بمهامهم الدستورية، وسمحو لجنرال متنطع، أن يختطف ملف السلام، وينّظر من غير هدى، وبلا معرفة في الايدلوجيا، ليؤطر ثوابت الأمة، ويهندس هوية الشعب؟ أم نلوم الشارع الثوري الذي تقاعس عن الإستمرار في تقديم السند الشعبي لرئيس الوزراء، ليستقوي عليه العسكر، الطامحين في السلطة بالفطرة المهنية؟ أنّ أم علينا أنّ نذّكر الجنرال المتورم، أننا شبعنا من عنتريات أمثاله، من لدن، يونس محمود، ويوسف عبد الفتاح، وود إبراهيم، ومشيرهم القابع في سجن كوبر؟ ونفقع "قوة عينه" بسؤاله عما يفقه عن مفهوم "الإسلام هو الحل"؟ وليوضح لنا متى إلتحق بالمدرسة الإخوانية؟ وعلي يد من تتلمذ؟ وفي حضور من أقسم على حماية هذه الايدلوجيا؟ كبضاعة سياسة كاسدة.

وعلينا أن نتساءل من الذي وضع فصل الدين عن الدولة، كجزء من عربون السلام المستحق؟، هذه المسألة لم تكون شيئا مذكورا قبل الثلاثين من يونيو 1989م، فكيف تكون جزءاً من المعادلة، بعد إسقاط دولة تجار الدين، المزايدون باسم الإسلام؟ هذه المسألة كان ينبغي أن تكون مفروغ منها، لولا هوان الحكومة الإنتقالية وضعفها عند العسكر، وإنفصامها عن الشارع.

لقد بات واضحاً وضوح الشمس، أنّ عسكر الإنتقالي، معنيون بحماية رأس مال الحركة الإسلامية "المزيف" وليسوا معنين بالسلام، وأنّ مئات الآلاف من الأرواح التي أزحقت، وأبديت باسم الدين، ومن أجل التمكين "الكيزاني" لا تعنى لهم شيئاً، وبات أكثر وضوحا، أنّ عسكر الإنتقالي يتوجسون خيفة من إحلال السلام الشامل، ويخشون إختلال موازين القوى، إن إتسعت البلاد للجميع، لذا لم يجدوا سبيلا لعرقلة مساعي السلام الشامل، سوى التشبث بوهن ايدلوجيا الإخوان المسلمين، المفضوح عالمياً.

من الملاحظ أن الشارع الثوري، يعاني من فراغ تنظيري، وأنّ الكفاءات المتشربة بشعارات الثورة قد توارت أو أحبطت، وأن الثورة آلت إلى اليتم التنظيري، لذا فقد وجد الجنرال المتورم سانحة مواتية لملء الفراغ المفاهيمي وهو بكامل بزته العسكرية، ولا شك عندنا أن تسربل السيد رئيس الوزراء الموقر، بوشاح الرزانة وعباءة الوقار، سيكلفه فقد ثقة الشارع الثوري، ويقننا أنّ هذه "المسكنة" السياسية لا تناسب المرحلة التي يتربص بها بقايا جنرالات النظام البائد من كل حدب وصوب.

لابد للسيد رئيس الوزراء، أن يدافع بشراسة عن صلاحياته، ويذب عن قناعاته الراسخة للإبحار بالحكومة الإنتقالية إلى بر السلام، عبر الوقف الأبدي للحرب، وإنقاذ إقتصاد البلاد من الإنهيار، بعيداً عن إملاءات البنك الدولي، والإنتقال السلس للنظام الديمقراطي، والتبادل السلمي للسلطة، هذه المهام العظام، لا يمكن تحقيقها، بالسماح لمن يستفز أسر الشهداء، ويتحدى الشارع الثوري، ويشوّش على تطلعات الناس، ويفرض الوصاية على الجميع بقوة السلاح، وبريق النياشين، إن لم يرغب السيد رئيس الوزراء، في الاضطلاع بهذه المهام، أو أن يراها لا تناسبه، فليترجل أرحم له، وأرحم للأمة، التي صبرت لثلاثة عقود عجاف على عنجهية العسكر، ولا يزالون في طغيانهم يعمهون باسم ثورة ديسمبر المجيدة.

لقد خسر السيد رئيس الوزراء الحاضنة السياسية لحكومته، وخسر الإمام على ربكته وتردده وأطماعه، وعلى حافة خسارة الشارع الثوري، بالتمادي في تبني "روشتة" البنك الدولي للمعالجة الإقتصادية المُرة بصورة مخاتلة، رغم إقالته الدكتور إبراهيم البدوي، فهل ينتظر السيد حمدوك فتوى دستورية من وزير العدل، يفّند له صلاحياته، ويثبت  له تفويضه الشعبي الذي خوله توقيع إتفاقه المشترك مع القائد عبد العزيز الحلو؟ بصراحة بتنا نشفق على السيد حمدوك من تنّمر جنرالات السيادي، في ظل صمت الشق المدني داخل القصر الجمهوري، وتهديد مخرجات إتفاق السلام على المستقبل الوظيفي لوزرائه. ولا نتوقع أن رقته ونبله يحتمل هتاف الشارع الثوري ضده، لذا الأرحم له أن يخسر نفسه، من أنّ يخسر الشارع الذي ربط آماله العراض على سمعته وعلمه وخبرته.

هل للحاضنة السياسية المرتقبة أن تتبوأ مقعدها بقدوم قيادات حركات الكفاح المسلح، حزام شعبي معتبر، وبإمكانها أن توفر غطاء سياسي آمن، للسيد رئيس الوزراء من الهجوم السافر، والإستهداف المنّظم من قبل جنرالات المجلس السياسي، والقوات الأمنية التي تسعي لإفشال حكومته بكافة السبل؟ الإيام كفيلة بالكشف عن إمكانية هذه الفرضية.

أقلام متحدة

15 نوفمبر 2020م

//إبراهيم سليمان//

 


مآل ثور 19 ديسمبر في عيدها الثاني

مآل ثور 19 ديسمبر في عيدها الثاني

قال تعالى "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" الآية 110 سورة يوسف.

كان الشعب السوداني على موعد مع القدر يوم الأربعاء الموافق 19 ديسمبر 2018م ليكون يوماً فاصلا في تاريخ السودان الحديث، قدر سياسي جاءت بشرياته ببزوغ تجمع المهنيين السودانيين من رماد الحركة النقابية المعّتقة، كطائر الفينيق الأسطوري، الذي يجدد نفسه تلقائياً وبشكل متكرر من رماد إحتراقه، نفش التجمع ريشه، ونفض فرائسه، ليثر الرعب في وجه جبروت نظام الإنقاذ المقبور، رهن الشعب السوداني آماله وأحلامه المشروعة على هذا المبعوث الجبّار، وكسب الرهان، في ملحمة نضالية أبهرت العالم في بسالتها وصمودها وسلميتها، بصورة أجبرت الشعوب الحرة على الإعتراف بجسارة الشعب السوداني، وتميزه وإستعداده الفطري للمساهمة الفاعلة في التطور والنهضة الإنسانية.

بعد صمود إستمر بالتمام والكمال ل 113 يوماً، تكللت ملحمة 19 ديسمبر في وضع حدٍ لصلف وغرور نظام الإنقاذ يوم الخميس الموافق 11 إبريل 2019م، قدّم الشباب السوداني الباسل، أعظم التضحيات بالأرواح الطاهرة والدماء الزكية لكتابة هذا التاريخ في سجل نضالات الشعوب المتعطشة للحرية والديمقراطية والعيش الكريم، بعده إستمر قطار الثورة بزخمة "الأتبراوي" في التقدم بثبات سالكاً دروباً وعرة لتحقيق شعاراتها الواضحة المعالم، المحددة الأهداف، فما حصيلة هذه المسيرة القصيرة نسبياً؟، وفي أي الإتجاهات يسير قطار الثورة؟، ومن الذي يضبط سرعته، ويتحكم في منعرجات سكته خلال هذه المرحلة الحرجة؟

بلا شك أنّ إزالة كابوس الإنقاذ الدموي والمرعب من ليالي الشعب السوداني الأبي، في حد ذاته، يعتبر إنجاز لا يضاهيه إنجاز، دهس هذا القطار الفولاذي بكلكله على كبرياء نظام، توهم أنه يسّلم راية الحكم للمسيح الدجال، نجح تجمع المهنيين السودانيين في إنتزاع نصراً مؤزرا، بعد أن إستيأس رسل الخلاص من إستجابة الشارع السياسي لنداءاتهم الملحة والمتكررة، وظنوا أنهم أنبياء كذبة، قدّم لهم التجمع الأدلة والبراهين على جديته وإصراره على التحدي والصمود، أجبر الشارع على إستعادة تاريخ الحركة النقابية الفينيقي فلتف حوله.

ما تحقق للشعب السوداني من حريات بفضل الثورة، لا بأس بها، ولكن دون الطموح، والعافية درجات، فلا يزال التظاهر السلمي محفوف بمخاطر الرصاص الغادر من فلول النظام، وسط الأجهزة الأمنية، وغير مرحب به عملياً حتى من قبل الشق المدني للحكومة الإنتقالية، والشعب السوداني ليس حراً تماماً في خيارات سياساته الخارجية، وليس بيده زمام وجهة علاقاته الدولية، وليس حراً في تأطير علاقة الدين بالدولة وشأن الحكم، ولا يزال هنالك من يحاول إرعابه بالشعارات الإسلاموية البائرة، كما ليس حراً في توقيت التحرك لإستعادة أراضيه المغتصبة من دول الجوار، وبإستثناء الحريات الدينية الشكلية، فإنّ كيس الحريات العامة، شبه خاوي، رغم توقف مصادرة الصحف، وملاحقة الصحفيين أمنياً وقضائياً، فقد نكّلت الأجهزة الأمنية بالكثيرين بنشطاء السوشل ميديا، من رموز الثورة، وزج  بالكثرين منهم في غياهب السجون، ولا يزال حملات الإستهداف الممنهج المفضي إلى إغتيال الشخصيات مستمرة، وبلا هوادة.

جهود الحكومة الإنتقالية الصادقة لتحقيق السلام، ووضع حدٍ للإحتراب، أثمرت إتفاق جوبا للسلام في أكتوبر الماضي، وهي بذلك قد قطعت شوطاً مقدراً في هذا المضمار، وعليها بذل المزيد لإقناع عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو، ليكون السلام شاملاً ومستداماً، وقبل ذلك عليها رعاية إتفاق جوبا للسلام، قبل أنّ يتجاوزه الزمن، من خلال تبخر الجداول الزمنية، وتبدأ قيادات الكفاح المسلح، الجأر بالشكوى من الخذلان، وعدم الجدية.

أما حصيلة العدالة، في عربات قطار الثورة، فهي بلا جدال عبارة عن صفر كبير، لولا الجهود المقدرة للجنة إزالة التمكين، فملف مجزرة القيادة العامة، محلك سر، وملف تسليم المطلوبين دولياً، لا يزال يراح مكانه، واللعب بالمصطلحات سيد الموقف، وملف محاكمة الفاسدين والمجرمين من رموز النظام، يبدو كعروض مسرح اللامعقول، وقتلة سيد شهداء الثورة، الشهيد أحمد خير، لا يزالون على بعد فراسخ من المقصلة.

والمدهش أنّ الحكومة الإنتقالية، قد إستنجدت بالمجتمع الدولي، للمساعدة في الوصول إلى مرتكبي مجزرة فض إعتصام القيادة العامة، في محاولة مفضوحة، لتفادي الحرج الجنائي من رموز الشق العسكري من المجلس السيادي، ليعلم الشعب السوداني، أنّ العدالة الإنتقالية رعديدة، إذا أضفنا هذا الطلب المدهش، إلى طلبات المساعدة في حماية التحول الديمقراطي من المجتمع الدولي، والذي صدر بموجبه قانون تشكيل بعثة يوناميس، وعقد المؤتمر الدولي الإقتصادي الفاشل، يمكننا القول أن حكومة السيد حمدوك، حكومة مزاجها دولي بإمتياز، وهي أسهل الحلول، لكنها أكثر كفلة وخطورة على مستقبل القرار السيادي مستقبلا.

في الآونة الأخيرة، يبدو للمتابع أنّ هنالك تنازع في قيادة قطار الثورة، وأنه يترنح، أو يكاد يفقد الإتزان، وهناك من يشفق على مصيرها، إذ لا يزال الكثيرون من رموز النظام البائد، طليقو السراح، يسرحون ويمرحون، إلاّ أنّ آمال عودتهم إلى سدّة الحكم مرة أخرى، قد تبددت وتلاشت إلى غير رجعة، رغم المحاولات الخائبة واليائسة، فإنّها فرفرة مذبوح، ذلك أنّ النَفَس الثوري لا يزال متّقداً و"الموود" لا يزال حاميا، ومزاج المتاريس ما برح يغلي في صدور الجيل "الراكب راسو"، هذا المزاج الثوري النبيل، ما فتئ واعياً وحامياً لكافة صنوف التآمر والتخاذل، مدركا لكافة أساليب الإنتهازية من وكلاء النظام المقبور البائسين، وكذلك حيل النخبة السياسية الفاشلة، هذا الصحو الثوري «الفينيقي» المتجدد، هو الضامن الثبت والموثوق لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في العيش الكريم، تحت مظلة شعارات ثورة 19 ديسمبر، المرتكزة على الحرية والسلام والعدالة.

الرحمة والمغفرة لشهداء الثورة، وعاجل الشفاء للمصابين،  واللهم يسّر عودة المفقودين سالمين إلى أهاليهم.

أقلام متّحدة ـــ 15 ديسمبر 2020م

// إبراهيم سليمان//