الأحد، مارس 03، 2019

متى تتعظ السعودية من فشل تدخلاتها الخارجية المتكررة؟


متى تتعظ السعودية من فشل تدخلاتها الخارجية المتكررة؟

 في صراعها الطائفي والسياسي المحموم، مع نظام الملالي الحاكم في إيران، يبدو أنّ السلطات السعودية، فقدت المنطق، وانتهجت البراغماتية المبررة لمواقفها وتحالفاتها مع الشعوب ضد الأنظمة تارةً، وتارة مع الأنظمة القمعية ضد الشعوب، كما هو الحال في تدخلها الحالي في الشأن السوداني المأزوم، وتقديم الدعم المالي السخي لنظام البشير الفاسد والدموي، ومساعدته في التنكيل بالمتظاهرين السلميين، نقول رغم احترامنا للمقدسات الدينية، ومراعاتنا لسماحة الشعب السعودي، وطيب معشرهم مع المغتربين السودانيين بصفة خاصة، إلاّ أننا نرى أنّ القيادة السياسية غير مؤهلة للقيام بأي دور فاعل وإيجابي فيما يدور في المنطقة، لفشلها المتكرر في تجارب سابقة نتطرق لها في هذا المقال، والذي دفعني لكتابته افادات الباحث السعودي أحمد الشهري عبر قناة الحرة الفضائية قبل عدة أسابيع، تعليقاً على هرولة الوفد الملكي السعودي رفيع المستوى إلي الخرطوم بُعيد اندلاع ثورة 19 ديسمبر 2019 لتقديم طوق النجاة لنظام البشير، وتبجح الأخير ومنّته بأنّ بلاده قدمت 23 مليار ريال سعودي للنظام الحاكم في السودان، والدافع الثاني لهذا التناول، الفضيحة التي سُربت مؤخراً، والمتعلقة بمقابلة صلاح قوش برئيس الموساد الإسرائيلي يوسي  كوهين على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن فبراير/شباط 2019  بدعم من السعودية والإمارات، رغم تكذيب الخبر من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، متهماً قناة الجزيرة التي أوردت التقرير بالتلفيق وعدم المهنية، ونحن لا نستبعد وقوع الحدث، لأن النظام إلى وقت قريب كان يستعين بتقارير ذات القناة "الإخوانية" ضد معارضيه، و"الشينة" بالطبع "منكورة". في هذا المقال نتناول التدخل السعودي الرسمي فقط، في شأن دول الجوار، ونؤجل النتائج السالبة لجهود العمل الطوعي الإغاثي التي ورّث الفكر الوهابي المتطرف في كافة الدول التي وصلتها المساعدات السعودية مثل أفغانستان والصومال وغرب أفريقيا.
أولى تجارب المملكة العربية السعودية في التدخل في شئون دول المنطقة بحسن النوايا، كانت في لبنان في 30 سبتمبر 1989م فيما عرف باتفاق الطائف، والذي أنهى الحرب الأهلية بين الطوائف اللبنانية، ولكنه شرعن لهيمنة حزب الله الجناح السياسي والذراع الديني لنظام الملالي في إيران على المشهد السياسي اللبناني، وبسبب الكسل وعدم المتابعة، استمرت الاستخبارات السورية تحكم لبنان إلي يومنا هذا، رغم أنّ الاتفاق حدد إطاراً زمنياً للانسحاب السوري من لبنان في غضون عامين، ونتيجة للقصور الاستخباراتي السعودي، والمثالية السياسية، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بتلك الطريقة البشعة 14 فبراير 2005، مع 21 شخصًا. وقد تم العثور على أدلة دامغة تثبت تورط ميليشيا حزب الله في عملية الاغتيال. التدخل السعودي المنحاز للتيار السني بقيادة الراحل رفيق الحريري ونجله رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري، ردة فعل مباشر للتكالب الإيراني السوري على لبنان، والذي أفقدها الإستقرار السياسي المزمن، رغم وقف الحرب الأهلية لأكثر من ثلاثة عقود، وتعتبر لبنان أكثر دول العالم مديونية خارجية، حيث بلغت مديونيتها حتى عام 2018م ما قيمته 74.5 مليار دولار، والسعودية شريكة بطريقة أو باخرى في هذا الفشل بتدخلها الهش والمتردد في الشأن السياسي اللبناني.
ثاني تدخل سعودي خارجي، تمثّل في دور المملكة المحوري في تحرير الكويت من الغزو العراقي في أغسطس عام 1990م، رغم هذا الفضل، خاب أملهم في استمالة الكويتيين إلي صفهم خلال تدخلهم الحالي في اليمن، وكذلك خلافهم المستمر مع قطر، مما يؤكد أنّ هنالك ثمّة خطأ دبلوماسي من الجانب السعودي، لأن فضلهم  في تحرير الكويت ليس باليسير.
ورغم الدعم السعودي الكبير للقوات الأمريكية في احتلال العراق عام 2003م غابت دبلوماسيتها عن المشهد السياسي، بعد القضاء على نظام صدام حسين، وفشلت في منافسة إيران التي استولت على العراق سياسياً وهيمنت عليها أمنياً واقتصادياً، بدهاء وحنكة سياسية متراكمة.
أكبر خيبات القيادة السعودية، كدولة محورية في مجلس التعاون الخليجي، كانت في الشأن اليمني، والتي عرفت بالمبادرة الخليجية وهي اتفاقية سياسية أعلنتها دول الخليج في 3 أبريل 2011م لإجهاض ثورة الشباب اليمني، التي تمثل تهديد سياسي للمنظومات الملكية، عن طريق ترتيب نظام نقل السلطة في البلاد. الكسل السياسي السعودي الخليجي، تأخر كثيراً لتقديم الدعم العسكري والمالي للرئيس المنتخب منصور هادي، إلي أن غدر به الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بتحالفه مع الحوثيين وكلاء الملالي في ايران، حينها، أدركت القيادة السعودية بعد فوات الأوان، أنّ التحول الديمقراطي، الذين تخوفوا منه، هو أرحم لهم من الخطر الشيعي الإيراني، وعضّوا بنان الندم، من عرقلتهم الانتفاضة الشعبية اليمنية. مدوا حبل الجناة لعلي عبد الله صالح، ليغدر بهم ويطعنهم بخنجر يمنيّ مسموم من الخلف، وسوء تقديرات القيادة السعودية، وتجاهلها للتفاصيل كالعادة، كلفتهم ثمناً باهظاً أفقدهم توازنهم حتى هذه اللحظة.
النجاح النسبيّ الوحيد الذي حققته السلطات السعودية، تمثّل في التدخل المباشر لقواتها لإخماد إنتفاضة شعب البحرين ابان ثورة الربيع العربي، ومرد هذا النجاح المؤقت، محدودية عدد سكان الجزيرة البحرينية، والتداخل الأسري بين الأسرتين المالكتين في البلدين.
اصرّت السعودية على رحيل الأسد، وقدمت دعم عسكري سخي للجيش السوري الحر وفصائله، حيث أكدت صحيفة فاينانشال تايمز في مايو 2013م أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت أكبر مزود أسلحة للجيش السوري الحر، ويرى مراقبون، أنّ شحنات الأسلحة السعودية أتت لمواجهة شحنات الأسلحة الإيرانية لمساعدة النظام السوري، وليست كردة فعل أصيل لقساوة بشار الأسد ضد المتظاهرين. الدعم السعودي للفصائل السلفية مثل جبهة النُصرة (الجيش السوري الحر) فيما بعد، جعل بشار الأسد محظوظاً في معارضيه. خسرت القيادة السعودية الرهان على ذهاب بشار الأسد، وكسبت إيران الرهان، وازدادت كيل بعير (لبنان)، الحديقة الخلفية لسوريا، وغالباً ما تعيد السعودية علاقتها الدبلوماسية مع نظام الأسد مرغما لا بطل، بعد تبديد مليارات الريالات في مغامرات فاشلة، تعزز من إنتكاساتها الخارجية المتكررة.
وليتهم يتعلمون من تجاربهم الخائبة، الآن يحاولون تكرار سيناريو علي عبد الله صالح مع نظام البشير الآيل للسقوط، بزعم مفضوح أنهم يدعمون الشعب السوداني، وأنّ هذه الزيارة  المحمومة جاءت من باب الواجب، كما ادعى مستشارهم السياسي أحمد الشهري، وهم الذين صمتوا صمت القبور، على إبادة ما يزيد عن النصف مليون مواطن سوداني من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ومئات الشباب قتلوا بدم بارد في شوارع المدن السودانية، هؤلاء الضحايا الأبرياء لا يعنون النظام السعودي في شيء!
بصرف النظر عن المشاركة العسكرية لنظام الخرطوم في حرب اليمن، يمكننا النظر على المساعدات السعودية للبشير، كجزرة لصرفه عن التفكير مجددا في  العبور عبر أراضيها إلى إيران، والكل يعلم أنّ المليارات السعودية بدأت تتدفق إلي جيوب النظام، كعملة سائلة وليست كمشاريع ملموسة للشعب السوداني، بعد تحوله من الحلف الإيراني إلي عاصفة الحزم، وليس قبله، مما يؤكد أنّ الفوبيا الإيرانية، هي المحرك الرئيس لتصرفات الأسرة المالكة السعودية، وإلاّ لما وقعت في هذا التناقض بمناهضتها لبشار الأسد ومساندتها لنظام البشير الأكثر دموية والأشد فساداً.
المليارات السعودية المهدرة في محاولة يائسة لإنقاذ نظام البشير المحتضر، أولى بها أطفال اليمن وأراملها، ناهيك عن الأقليات من المواطنين السعوديين في جده وحواري مكة وأرياف الشيعة في القطيف، والأوفق لهم ألاّ يحولوا بين البشير والشباب السوداني الثائر، أبناء معلمي الشعوب وأحفاد أستاذة الأمم في الثورات على الدكتاتوريات القمعية، لأن المعركة قد حسمت لصالح الإرادة الشبابية السودانية.
الرحمة والمغفرة لشهداء الثورة.
وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين.
والحرية للسجناء والمعتقلين.
# تسقط بس.
//إبراهيم سليمان//


ليست هناك تعليقات: