الأحد، يوليو 29، 2018

فاسدو النظام .. الغريق قدام



فاسدو النظام .. الغريق قدام
ضعاف النفوس، الذين وقعوا في فخاخ المال العام السائب، الذي نثره عُرّاب النظام لاستقطاب المؤلفة قلوبهم، وخدعوا أنفسهم بأنه مالٌ ساقه الله إليهم، فتكالبوا عليه بالأيادي "المتوضئة" والأفواه "الذاكرة" بتلذذ وشراهة، ظانين أنه فيئ اُحلّ لهم كمكافأة لانتصارهم في معركة إذلال الشعب، واستحلال دمائهم واموالهم بغير حق. هؤلاء الدجّالون لا يدرون ايُ منقلبٍ سينقلبون؟ فيما تبقى لهم من نهارات نظامهم الفاسد، قبل افول شمسهم المائلة للغروب الوشيك.
نحن ندري أن الذي يتراءى للناس مؤخراً، بعد أن طفح الكيل، لا يساوي نقطة في بحر فسادهم الآسن، ولكن بلا شك، في اللحظة الحاسمة، فإن هذا الفساد سيجر بتلابيب بعضها البعض، إلى أن يعود إلى منابعه في القصر الجمهوري وكافوري والمنشية، وعلى كل فاسد شرِه، إن يعد العدة لذلك اليوم العصيب، والذي يرونه بعيدا، ونراه قريبا، يومئذ، لا نظن إن شواهد القبور الرخامية، سيعصم حتى الذين وافتهم المنية، من اللعنة وكشف الحال لأهاليهم وذويهم وكافة خلق الله.
هنالك دور اخلاقي يقع على عاتق المواطن، يتجاوز فضح هؤلاء المفسدون، والتعاون مع الجهات "العدلية" رغم تشكيك الكثيرون في جدِّية هذه الجهات، يمتد هذا الدور إلى المقاطعة الاجتماعية الشاملة، والنفور الاستنكاري لاستباحتهم المال والحق العام. بكل اسف واسى لقد تراجع المجتمع تراجعاً مريعاً عن هذا الدور الضروري والفعّال في ردع ضعاف النفوس من موظفيّ الخدمة المدنية. فما كان من السهل على فاسد أن يتقدم لخطبة بنات الناس، أو يتجرأ على تقديم الدعوات لكرام القوم في مناسباتهم الاجتماعية، وليس بمقدور هؤلاء أن يرفعوا نواصيهم أو ان يعلوا اصواتهم في المناسبات العامة، إن حضروها تطفلا، ناهيك عن اعتلاء منابر المساجد، والخوض في "الله قال والرسول قال".
هذا الدور المجتمعي الرادع، ينبغي أن يفعّل، رغم أن أول درس تعلمه هؤلاء الفاسدون من المدرسة الإنقاذية، هي قوة العين، و"تخانة" الحسّ الأخلاقي، وتشربوا من مدرسة الترابي، المراوغة الفقهية لصبغ الباطل بلون الحق، لذلك تجدهم يضعون من يخالفونهم في المذهب والمنهج، في مرتبة واحدة مع الذميين واهل الكتاب، يستحلون دمائهم واموالهم ووظائفهم بكل بساطة.
تراجع المجتمع السوداني، عن هذا الدور الأخلاقي، وسّع من مسرح الجريمة لهؤلاء الفاسدون، وجعلت الممتلكات العامة أكثر عرضة للاعتداءات السافرة، فالاغتناء من الوظيفة العامة، في نظر بعض الناس، اصبح نوع من الجسارة، والتهرّب الضريبي والاعفاء الجمركي، ما هو إلا نوع من "الفهلوة" والشطارة التجارية، ومن يلتزم بسداد الأقساط البنكية، ما هو الاّ اهبل وعبيط.
كلما ضاق رفاق الإنقاذ ببعضهم البعض، وسعَّت دائرة الأضواء على بؤر فسادهم المحميّ، فابراهيم احمد عمر، الذي يظهر نفسه كأطهر من الطهارة، سلطّ الله عليه من بنى جلدته، من يطعن في ذمته واخلاقه ودينه، ويكشف سر مبلغ قيل انه مئتي مليون دولار، الذي تم ايداعه في حساب نجله اسماعيل باسم حكومة الإنقاذ الوطني، حينما كان يدرس الهندسة بلندن، وعند وفاته في ابريل 2002م، وجِد في حسابه ببنك لويدز مبلغ 25 مليون دولار فقط، أي انه تصرّف في مبلغ 175 مليون دولار، وحتى هذا المبلغ المتبقي الضخم، من اموال الشعب السوداني، اعتصمت به زوجة المرحوم. هذا السر ظن ابراهيم احمد عمر، انه سيدفن مع نجله في قبره، وقد اكدت صحيفة هرالد تربيون الدولية، رصيد الحساب البنكي لنجله الراحل فيما بعد. هذه القضية، تضع جميع ابناء رموز النظام الذين درسوا في الخارج في بدايات سنيّ عهده تحت دائرة الاتهام.
وقطبي المهدي، بينما هو يطّوف بالبيت الحرام، سلطّ الله عليه لص "مُقرم" ليكشف حاله على الناس، أنه من كبار تجار العملة، ومن رموز مخربيّ الاقتصاد الوطني، ولص آخر، فضح صابر محمد الحسن بذات السيناريو، ومن نفس جنس الفساد.
ويبدو أن المليادير الفاسد عكاشه، قضى نحبه، على ايدي من كان يطعمهم من المال الحرام.
يبدو أن هؤلاء الفاسدون، شككوا في أنّ الله يمهل ولا يهمل، وارتابوا أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
يقول المثل: إن لم يجد اللص فرصة للسرقة، ظنّ أنه شريف، وما اتضح خلال الثلاثة عقود من حكم الإسلامويين، ان عدد مقدر منهم ما هم إلا لصوص، وسرّاق في ثياب الواعظين، لم يصدقوا انفسهم، أن النظام قد شرعن لهم السفاد فقهياً، وابتدع لهم فقه السترة، المشوهة للشريعة السمحاء.
قبل عدة سنوات قدّم المحامي الضليع، والمعارض الصلب، علي محمود حسنين مقترحات لعدد من المشروعات القانونية، غاية في الأهمية، منها قانون معاقبة الفساد، وهو مشروع شامل ومفصل لقانون الفساد السياسي، والاقتصادي والصحفي والإعلامي. وكذلك مشروع قانون الاحزاب، حيث انه مكمل لقانون معاقبة الفساد، فاحدهما ينظف الحياة السياسية والاخر يضبطها. إن قُدّر لتلك المشروعات القانونية ان تجاز بعد كنس النظام، بلا شك سيكون باطن الأرض ارحم لهؤلاء الفاسدون من ظاهره.

// ابراهيم سليمان//

ليست هناك تعليقات: