الثلاثاء، يناير 26، 2016

دار أندوكه ... تستجير من الرمضاء بالنار

دار أندوكه ... تستجير من الرمضاء بالنار


يحذرنا أهل الحكمة، من ضربة الجبناء، ذلك لأنها غالباً ما تجئ غدراً وغيلة، ولأنهم لا يحتملون المواجهة، يضربون بعنف مفرط وكثافة، هذا ما حصل بالضبط بالجنينة، انهمرت زخات الرصاص الحي على الأهالي الفارين من أنياب مصاصي الدماء من حيث لا يحتسبون،  فقد ظنوا أنهم بلغوا مأمنهم عند قصر الوالي الهمام، فإذا بالناجين منهم يدرك أنهم استجاروا من رمضاء المرتزقة بنيران زبانية الوالي الرعديد.
من منطق الأشياء، ألا يتصرف والي الجنينة بغير ما فعل، أي الغدر بضيوفه المرعوبين، فقد اتضح انه وُلى على الجنينة لإنعاش مخطط بني جلدته الوالي الأسبق محمد أحمد الفضل والذي فتت دار المساليت في ليلة واحدة إلى 32 حاكورة في يناير عام 1999، لتعيش دار اندوكة في دوامة من المواجهات إلى يومنا هذا، تمهيداً لجلب المرتزقة من دول الجوار، بغية تغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة. تسببت تلك الإجراءات التعسفية، في تأجيج احداث مؤسفة نتجت عنها سقوط 108 قتلى وعدد لم يحص من الجرحى والمعاقين، وحرق (100) قرية، ونزوح الآلاف ونهب الثروات والأموال، وتخريب الجنائن والمزارع. تصرف الوالي الحالي د. خليل، طبيعي، تماهياً مع مخطط سلفه ود الفضل، وكذلك مع المثل القائل: "الجلد الما جلدك جُر فيه الشوك"
المرتزقة متعطشون للدماء، واليوناميد عاجزة عن حماية نفسها، والسلطات الولائية غادرة، ومصممة على مواصلة الإبادة الجماعية لأهالي دارفور رغم أنف الـ ICC، والحركات المسلحة تعتصم بالجبال، وجرائم نظام الإنقاذ اصبحت تثير تثاؤب المجتمع الدولي، في هكذا وضع، علينا أن نترحم مسبقا على من تبقى من اهالي دارفور. إذ ان طلب اللطف والرحمة لأناس مسالمين، لا حول لهم ولا قوة إلا بالله، قد يكون اجدى من بيانات الشجب والإدانة الرتيبة، والتي ما قتلت ذبابة.
فليعلم النظام أن الثورة الشعبية ليس لها ميعاد، ولا احد يستطيع التنبؤ بمنطلق شرارتها، وان الساحة الآن مشبعة بوقود الانفجار أكثر من أي وقت مضى، فقد تحول الإنقاذ إلى حكم الفرد المطلق، وهو ابن انثى، ومهما طال حكمه وسلم عمره فمصيره الفناء، ثم ماذا بعد ذلك؟ الويل والثبور وعظائم الامور لأعوانه، حينها أي منقلب سينقلبون؟ وعندئذ جوقة "عفا الله عما سلف" ايضاً سيلقون في مزبلة التاريخ، وسيأتي والي الجنينة الرعديد امام القضاء وينكر أنه امر بإطلاق الرصاص على النازحين العزل امام قصره، وقد يزعم أن النازحين من النساء والأطفال، قد هددوا حياته الشخصية، وعرضوا الأمن القومي للخطر، وقد يدعي أن أغنام أهالي بلدة مولي قد أبادت شتائل زهور شقائق النعمان والتوليب النادرة لذا لم يجد بداً من أبادتهم، او ان بول حميرهم قد دنست باحة القصر الولائي الفاره مما اثار اشمئزازه، وجعله يفقد صوابه، وليس مستبعدا أن يدعي أن تعليمات اطلاق الرصاص على الاهالي  العزل صدرت له من المركز، وما هو الا عبدٌ مأمور، وقد "يتفلسف" ويقول أن زبانيته من اهل النيجر اساءوا فهم تعليماته، كما فعل بني كنانة حراس خالد بن الوليد مع مالك بن نويره حين نادى مناديه: أن أدفئوا أسراكم، فظنوا أنه أراد القتل فقتلوه مع بعض قومه، بالطبع مثل هذه "الورجغة" ستكون محل تندر وسخرية امام القضاء، وحينها لا ندري أي منقلب سينقلب امثاله من القتلة المأجورين.
فليعلم والي الجنية وأعوانه، أن العدالة، لا تتعاطف مع المغفلين، ولا تحمي المأجورين، ولا تأبه للمؤدلجين وأن جنس افعاله يجرده وأمثاله من حق اللجوء إلي بلد محترم، ولا ندري كيف تسول لهؤلاء القتلة أنفسهم، أنهم بإمكانهم النجاة من المساءلة عن دماء مئات الآلاف من الابرياء، الموثقة في وجدان الشعب السوداني قبل شعوب العالم؟ أم أنهم يعولون على الموت قبل كنس نظامهم؟ والله اجدني اشفق على هؤلاء المرضى التعساء من زبانية النظام ومرتزقته، كما اشفق الرسول الكريم على الكفار من النار.
هل يعتقد هؤلاء القتلة السفلة، أن سفك دماء الأبرياء المحرمة بكافة الديانات السماوية، سيضمن لهم الخلود في الحكم؟ وهل متعة الحكم المؤقتة، تستحق هذا القدر من الإجرام؟ اشك أن هؤلاء بشر عاديون، صحيح ان افعالهم ليست شاذة تاريخياً، لكنها غير مسبوقة في واقعنا السوداني، وللإجابة على السؤال الكبير الذي طرحه الطيب صالح ــــ طيب الله ثراه، نقول أنهم اتوا من رحم حركة الاخوان المسلمين العالمية، ومن صلب التطرف، ألم تروا كيف ان اوردغان يبيد الأكراد الذين ضايقوه في الحكم؟ وأن اعوان مرسي يقلتون الأبرياء في سيناء وفي كل مكان من اجل السطلة، وإن حماس قسمت فلسطين من اجل الحكم ... والأمثلة كثيرة، هم ينتمون لهذا الاخطبوط الاخواني الشيطاني قولا وفعلاً، التجارة بالدين، التشبث بالسلطة، ويحللون ما حرام الله من استباحة دماء الأبرياء واكل المال الحرام (غذاءً، وحجاً وبناءً ونكاحا).
ماذا بعد حوار الطرشان؟ حتى لو شارك جميع من في قاعة الصداقة ضمن منظومة الإنقاذ في الرمق الأخير من عمره، هل هم قادرون على حل الأزمة المالية؟ ام فك الضائقة المعيشية؟ أو رفع الحصار الدولي على النظام؟ وحتى لو فتحوا اكبر سفارة لإسرائيل في كافوري، هل سيكون ذلك اعظم لبني صهيون من ترحيل الفلاشة، التاريخ يعيد نفسه، فعندما ذهب الهالك النميري إلى امريكا برجليه، مطالباً بثمن عمالته لصالح إسرائيل، ابُلغ انه اتى متأخراً، وقد فاته قطار العودة إلى الخرطوم، ولكن بإمكانه الذهاب إلى القاهرة وقد فعل، ومن المفارقات، أن شيخ الترابي الآن يشمر لركوب قطار الإنقاذ من ذات المحطة تقريباً التي ركب فيه قطار نظام النميري، لكن لا نظنه ينجح في الخروج من حطام قطار نظام الإنقاذ سالماً هذه المرة؟
وحتى لو نجح نظام الإنقاذ في هزيمة حاملي السلاح ميدانياً، وإغواء كافة التنظيمات السياسية في الساحة، فهل باستطاعته مسح ادمغة أبناء الهامش من الوعي المتنامي بالظلم والاستغلال المركزي المستمر لمناطقهم؟ أم هل بإمكانه بمجرد "الطبطبة" على كتوفهم أن يتغاضوا عن دماء شهدائهم ويعانقوا الجلاد بالمحبة والأحضان؟ هذا عشم ابليس في الجنة، فليعم الجميع أن ثورة الهامش خطوة فاصلة في تاريخ السودان السياسي، وليس هنالك من أبناء الهامش من هو على استعداد لقبول منطلقات سودان 56، وإن تصالح مع النظام.
نجحت مخططات نظام الإنقاذ في تعزيز عدم الإحساس بآلام الآخر وسط المكون السوداني، واتسعت بذلك ظاهرة وضع الأصابع في الآذان حذر سماع أنين المكلومين، وتنامت مساحات الأنا، وما أن تقرع صافرات الإنذار، يقول الواحد منا ليت الكارثة بعيداً عن ولايتنا، وحينما تحل بها، نقول ليتها بعيدة من محافظتنا، وعندما تحترق المنزل، نرجو سلامة الأنفس، بيد أن تعري النظام من كل فضيلة، وفضح ادعاءاته، هو الترياق الذي يعجل التئام لُحمة المجتمع السوداني، عندها، سيخرج أهالي الجنينة تضامناً عندما يقتل اهالي بورتسودان او العكس، ويتظاهر أهالي الجبلين عندما يسحل أنسان كجبار أو العكس، ويعلن مواطنو مدني والابيض العصيان المدني عندما يقتل النظام شباب الخرطوم او العكس، عندها زبانية النظام لن تخلصهم ارجلهم من القصاص.
همود الثورة المسلحة، وفتور المجتمع الدولي، يمنح النظام شعور زائف بالطمأنينة، هذا الشعور يعكره تنامي السخط الجماهيري العارم من تصرفاته، فقد نفدت جعبته من أي وهم يمكن تسويقه للحصول على عمر أضافي، والمشهد الماثل الآن لمعتدي نفدت ذخيرته، ولم يتمكن من القضاء على خصمه (الشعب) الذي بدأ يكّشر عن أنيابه، ويحكم قبضة يديه للثأر لكرامته، ولن تطول المطاردة، فالجبان إن اطلق رجليه للريح، لن يلفت إلى الوراء، حتى يسقط مكباً على وجهه، مغشياً عليه.
ebraheemsu@gmail.com
للإطلاع على المقالات السابقة:


ليست هناك تعليقات: