الثلاثاء، ديسمبر 08، 2015

لُبنى خيري ... زاوية برنامجك منفرجة وليست حادة

لُبنى خيري ... زاوية برنامجك منفرجة وليست حادة 

ظننا أن مقدمة برنامج زاوية حادة بتلفزيون ولاية الخرطوم، لُبنى خيري، تركت "توريق" الخُضرة مهرولة لا تلوي على شيء، للحاق بموعد حلقتها مع السيد بخيت دبجو، دون إعداد ودون مذاكرة لتاريخ الثورة المسلحة في دارفور، لكن اتضح لنا انها تفتقد حتى اللباقة العادية لإدارة ثرثرة مفيدة، خالية ذهن لدرجة تثير الشفقة، تبدو شاردة خارج الأستديو، لا تجيد الاستماع، تطرح معلومات تقول انها مؤكدة، وتسأل ضيفها عن صحتها، تسئ لقيادات نظامها دون ان تدري. من واقع فضاحة أخطائها البديهية، نشك ان لها صلة بالإعلام، أشفقنا عليها لأن الله لم يمن عليها باللباقة المهنية، ولا نظن انها خضعت لدورة تأهيلية في فن الحوار الصحفي.
"زاوية حادة" كعنوان لبرامج تلفزيونيه أو أعمدة صحفية تعني الدقة والتركيز أو المباشرة في التناول، بيد أن اسئلة مقدمة هذا البرنامج بتلفزيون ولاية الخرطوم، خلال استضافتها السيد بخيت دبجو، كانت شبه دائرية تكاد تخلو من معلومة واحدة صحيحة، أو سؤال واحد حاد أو جاد، باستثناء طبق "المديدية حرقتني" التي قدمتها محرضة على الوقيعة بين ضيفها ورفاقه الثوار على الطرف الآخر. نشهد لها أنها تجيد فن التعامل مع الكامرا، بشكل غريزي فيما يبدو.
لسنا هنا بصدد النيل من مقدمة البرنامج، لذا تجدنا ملزمين بتفنيد ما سقناه عالية، كما لسنا معنيين بردود الثائر المستسلم دبجو، بقدر ما يعنينا التصدي للتشويش الذي حاق بالثورة المسلحة في دارفور، من قبل مقدمة البرنامج "المسطِحة" ومحاولة إلصاق تهمة التآمر بالثوار، والتحريض البائن ضد أبناء دارفور.
من قولة "تيت" بدت مقدمة البرنامج كأنها "مربوشه"، حيث قالت أن  برنامجها مختلف في هذه الحلقة في شكل الضيف، والمعلوم أن الانتماء السياسي يوصف باللون وليس بالشكل، بيد أنها تبدو مندهشة من طربوش ضيفها البنفسجي، والذي نظن انه تعمد اظهار تمرده بطريقته الخاصة. ومن اول سؤال إتضحت انها تجهل رتبته العسكرية، ورغم تصحيحها فيما بعد، كانت مُصّرة على الخطأ، وكذلك فعل مخرج البرنامج في "الكابشن"، وأنها لا تعلم شيئا عن شمال دارفور، ولا شك أنها صدمت المتابع بادعاء أن الثورات المسلحة بالضرورة ان تكون ورائها ايدي اجنبية، وأن الفساد المالي هو سبب انشقاق الحركات، لا تعلم متى ولماذا إنشق منى عن عبد الواحد، ومن الذي فصل دبجو من حركة العدل والمساواة، اهو الشهيد خليل أم د. جبريل.
"دا كلو كوم"، وما استفزنا لكتابة هذا المقال، افترائها علي الوضع التنموي بولاية شمال دارفور، مدعية خلوها من إشكالات تنموية، وأنها كانت احسن حالاً من باقي المناطق. ولستُ في حاجة للاستشهاد بإحصائيات الكتاب الأسود، فقد سنحت لي فرص الطواف بالبلاد من بورتسودان إلى نيالا، ومن جوبا إلى كريمة، واجزم انها الأكثر تهميشا بلا منازع، رغم أنها اغنى بكثير من بعض الولايات بمواردها الطبيعية وثرواتها الحيوانية، وأن تعدادها السكاني في آخر احصاء قومي رغم التهجير القسري والنزوح، جاءت خارجة عن دائرة "الطِيش" بمراحل، فما الذي يحرمها من التنمية سوى التهميش المتعمد؟
ذكر مسئول إنقاذي تنقل للعمل بمناطق مختلفة بالبلاد، أن عدد المرافق التعليمية بمحافظة الكاملين/ ولاية الجزيرة، تفوق عددها بكافة محافظات ولاية شمال دارفور، جاء هذا التصريح قبل تشطيرها إلى ثلاث ولايات (شمال و وسط وغرب)، وما أعلمه علم اليقين، حتى عام 1995 بداية العمل بنظام الإساس، أن عدد المدراس الثانوية بولايات شمال دارفور الثلاث للجنسين، عشر مدارس فقط لا غير، شاملة الثانويات العليا، والمدارس الفنية ومعهد المعلمين، تفاصيلها كالآتي (الفاشر 5، الجنينة 3، كتم 1، ومليط 1). وإن لم تخنِ الذاكرة انه قال: كافة مدارس دارفور الكبرى، إذ ان مدارس جنوب دارفور وقتئذ حوالي نصف هذا العدد.
لفضاحة تهميش هذه الولاية، وبُعيد اندلاع الثورة المسلحة، سارعت السلطات المركزية على تكثيف حملات محو الأمية بمحافظة ام كدادة، لتعلن على الملأ بعد عدة اشهر، أنها اولى محافظة سودانية تخلو من الأمية، كانت كذبة إنقاذيه بلقاء، اضحكت الرأي العام ردحاً من الزمن، بيد أن اختيار ولاية شمال دارفور لعرض مثل هذه المسرحية السمجة، لهو إقرار ضمني بفقرها للمرافق التعليمية.
باستثناء طريق نيالا ــــــ كأس ــــــ زالنجي، الممول من قبل جمهورية ألمانيا، فإن إجمالي الطرق المسفلة داخل مدن شمال دارفور كلها، لم يتجاوز العشر كليومترات، وهو اجمال طول طريقين اثنين داخل مدنية الفاشر، والحديث هنا قبل اندلاع الثورة المسلحة عام 2001 ــــ 2002م
وعن الصحة، كانت وما زالت حوالي 95% من نساء دارفور يلدن بالحبل في بيوتهن، ليس لندرة المستشفيات فحسب، بل لقلة القابلات المدربات في القرى والأرياف كذلك، واشك حتى هذه اللحظة في وجود اختصاصي نساء وتوليد في أية من مدن الولايات الثلاث باستثناء الفاشر، رغم أن كلية الطب بجامعة الفاشر ظلت تخرج أطباء لأكثر من عشر سنوات، وهي فترة نظن أنها كافية للتخصص، علماً أن المسافة على سبيل المثال، بين مدينتي الطينة والفاشر باللوري تحتاج لـ 24 ساعة في احسن الأحوال
وعن المشروعات التنموية، كان هنالك مشروعان اثنان بشمال دارفور، مشروع جبل مرة ومشروع ساق النعام، لم يدخل أي منهما مرحلة الإنتاج، ومع ذلك قد اجهز نظام الإنقاذ عليهما ضمن حملة التدمير الجماعي للمشروعات الوطنية بكافة ارجاء البلاد.
لا شك عندنا أن المفهوم التنموي في مخيلة مقدمة البرنامج، تعني حرفياً البُنى التحتية، وهي بهذا الابتسار، أي التنمية، لا تعني بالضرورة نقيض التهميش، ولن نجافي الحقيقة إن قلنا أن الحديث عن التهميش الثقافي، في خضم الصراع القائم الآن بين المركز الهامش، لم يعد ترفاً، ذلك أن محاولات فرض الثقافة الأحادية، هي الداعمة المهمة للسطوة المركزية، إذ أن من يفّرط في تراثه، ويهمل ثقافته، هو في الواقع يستسلم للتبعية ويستمرئ الاستعلاء، ويكون غافلاً عن الخطر المحدق في أن يكون او لا يكون.
وعن التهميش الثقافي، ما هي المعايير التي تسمح للبلابل الغناء في التلفزيون القومي باللغة النوبية، وتمنع مريم امو من الغناء بلغة الفور؟ فمن العدل أن تُمنع كافة "الرُطانات" إن جاز التعبير، أو أن يُسمح بأكبر قدر من الحية منه.
فالخطأ الذي انتبه له اهل الهامش مؤخراً، هو إصرار راديو امدرمان منذ الاستقلال على اجترار أغاني الحقيبة برتابة، في محاولة باكرة وممنهجة لفرض تماثل ثقافي لصالح المركز، متجاهلا وصارفاً النظر عن مغادرة ازقة البُقعة، للتّعرف على الأنماط الثقافية الثرة في بقية أقاليم البلاد الهامشية، وما فتئ جلاوزة الشأن الثقافي المركزي، يخدرون الرأي العام بأن امدرمان هو السودان المُصغر. وكأن البلاد ليست بها سوى إيقاعات التُم تُم والدليب والسيرة.
ولنا أن نتساءل، لماذا تريد مقدمة برنامج "زاوية حادة" أن "تكرش" الثوار من العاصمة؟ تتحدث وكأن الخرطوم عِزبة ابيها، هل هنالك مواصفات محددة للمواطن الذي يسمح له بشراء منزل والإستقرار بالمركز؟ لسان حال لُبنى خيري يقول، لقد اخذتم ما فيه النصيب، وعليكم أن تعودوا إلى هوامشكم. عجباً، إن كان بالإمكان حل مشكلات البلاد من الأقاليم، ما الضرورة لحمل السلاح من اساسه؟
"دبجو أنت عسكري، هل تقدر تمارس عمل سياسي؟" رغم وجاهة هذا السؤال لكنه ينم عن غباء   جعلنا نمدد أرجلنا، لنستمتع ببقية الكوميديا، فقد فشل ضيفها في كتم ضحكته، لم نتوقع أن إفتقار مقدمة البرنامج للحصافة لدرجة توقعها في إحراج رئيس نظامه، ونائبه الأول، وحاكم الولاية التي تتفيأ ظلال أستديوهات تلفزيونها، تقع في الحرج، دون أن يطرف لها جفن، فهؤلاء جميعاً عساكري منذ أن خلقهم الله. هل تعتقد لُبني أن المقدرة السياسية حلال على عساكر المركز، حرام على عساكر الهامش؟ أعتقد أن ما يدور في رأسها شئي آخر خشيت البوح عنه، لكنه مفهوم في سياق اسئلتها المشاترة الاخرى. لم نشهد مثل هكذا شطحات، إلا من من يسمي نفسه بـ "الخبير الدولي" ربيع عبد العاطي.
إستخدمت مقدمة البرنامج الضمير "نحن"، لتأكيد معرفتهم بالدول التي تدعم الثوار مالياً، ومع ذلك تسأل ضيفها عن مدى صحة هذه المزاعم! ولا ندرِ بلسان من تتحدث؟ بهذا السؤال غير المهني، ذبحت لُبنى خيري الحياد، وحولت الحوار إلى استجواب، كما ادعت بالفم المليان، أن أبناء دارفور هم وحدهم من حمل السلاح، وهم السبب في عدم استقرار البلد، هذا سؤال مخجل لأي إنسان ينتسب لحقل الإعلام، وإن قرناه بالاتهام بالعمالة، والحرب بالوكالة، يتضح لنا استهداف صريح، من قبل تلفزيون ولاية الخرطوم لأبناء دارفور، ومحاولة تجريمهم والتجني عليهم بالبهتان، والاستهانة بمبررات ثورتهم المنتصرة بإذن الله على الحكومات المركزية.
من الأسئلة غير الموفقة، تكرار السؤال "منو الدعمك لكي تتمرد؟" بصيغة فردية، رغم أن دبجو تحدث عن مجموعة الـ 17 المؤسسين، ومن الطبيعي أن يتجاهل الضيف الإجابة عنه، وكان من الحصافة أن يعاد السؤال بصيغة جماعية على شاكلة "بمن اقتديتم لحمل السلاح، أو من الذي قدم لكم الإلهام الثوري، لم اسمع متمرد في الدينا كلها، ذكر ان فلان او علان دعمني لكي احمل السلاح، وإن كانت لُبني خيري، تعلم حقيقة الوضع التنموي المتردي، وقساوة اثر التهميش بولاية شمال دارفور، التي إندلعت منها الثورة المسلحة في عام 2001، لما احتاجت لطرح مثل هذه الأسئلة المعلبة، ببساطة، لأن "اليتيم ما بوصوه على البكاء".
دفاع لُبنى خيري عن عرين ولايتها من ثوار الهامش، يعيد إلي مخيلتنا، حملات "الكشات" التي سمعنا بها زمن النميري في العاصمة، وقيل وقتها أن الناس تم تصنيفهم على أولاد البلد واولاد الذين، وأن الحملات تستهدف أشكال الناس وهوياتهم، وهو نفس المعاير الي تتخذها مقدمة البرنامج لوصف ضيفها. من الواضح أن العقلية المركزية واحدة، وأمثال لُبني خيري يشكلون خطورة على السلام الاجتماعي، ومهددات للأمن القومي، والتصدي لهن واجب وطني.
لكل ما سبق، فقد تأكد لنا، أن المذيعة لم تخرج من المطبخ الصحفي لتقديم حلقتها محل هذا المقال، وإنما خرجت من مطبخها العائلي مباشرة إلي الإستديو، وهو دليل دامغ أن تلفزيون المركز "ولاية الخرطوم" مؤسسة إعلامية غير جادة، لا تحترم عقول مشاهديها، وتعاني من الكفاءات الحصيفة والمسئولة. وفي تقديري، أن مقدمي البرامج الحوارية، بالضرورة أن يكونوا رجال/نساء دولة بمعنى الكلمة، وإلا تسببوا في الأذى الجسيم للمجتمع.
وإن كانت هنالك ولاية اشد فقراً، واكثر تهميشاً من شمال دارفور، فليرميها "بحجر قدو"، واقطع ضُراعي إن كانت لُبنى خيري تعرف ما بين الأقواس.
ebraheemsu@gmail.com
للإطلاع على المقالات السابقة:


ليست هناك تعليقات: