الأربعاء، يوليو 31، 2013

ثورة قوائم العار

ثورة قوائم الشرف
عميد الأسرة جدنا حاج يونس عليه الرحمة كان قيّماً على المُثل والأخلاق الحميدة، له أساليبه الخاصة لإرغام الجميع على الإلتزام بجادة الفضيلة، وكان تقليداً أن يزوره كل من يقدم إلى المنطقة،  ولزاماً على زائره ألاّ يغادر قبل إكرام مثواه بما تيسر، وهو يقول دوماً "عدم المعروض جفا" أي  عدم تقديم الضيافة، وقد نما إلى علمه أن إبن أخيه "يشرب السجائر" لذا أن حضر للسلام عليه وأداء فروض الولاء والطاعة منفرداً أو في معية آخرين، بعد تقديم المعروض، يقول لإبن أخيه هذا "يا فلان، أنت سلامك كمّل" وما كان عليه إلا أن ينتظر الآخرين خارج الدار، ثم يباشر العميد في الحديث إلي زواره ويتفقد أحوالهم، وتحت هذا الضغط الإجتماعي اضطر إبن اخيه للإقلاع عن التدخين، ولم يجرؤ غيره على الخروج عن التقاليد المتوارثة إلى أن رحل العميد إلى الرفيق الأعلى .
في السنوات الأخيرة إنحدرت القيم المجتمعية بمعدلات مقلقة، بسبب سياسات نظام الإنقاذ ومخططاتها الممنهجة لتشريد الأسر وإفساد الذمم، فامتزجت حابل الفضيلة بنابل الرذيلة، وكنتيجة طبيعية لتراخي المجتمعات في ممارسة سلطاتها الرادعة للخارجين عن الأعراف السائدة، لذلك ليس موضوعياَ ان نلقي باللائمة على الجهات الرسمية وحدها على تنامي فساد موظفى الخدمة العامة والدوس على القيم السمحاء التي كانت سائدة حتى وقت قريب، فقد كانت المجتمعات تحاصر الفاسدين إجتماعياً، ويبتعد عنهم الشرفاء إبتعاد الأصح من الأجرب، لقناعتهم أن المفسدة معدية ونتائجها قد تلحق الذرية .
الآن حدّث ولا حرج، ليس هناك من يسأل عن مصادر كسب عيش الأقربين ناهيك عن الجيران، بل بات عادياً التودد للفاسدين والإشادة بنذالتهم، فقد راجت تجارة الذمم، وكثرت السمسرة بثقل المرجعية الجهوية والإثنية للمصلحة الخاصة، هذه المسألة أعني مصادر الدخل كانت غاية في الحساسية، والمجتمعات لم تكن ترحم مجهولي التكسب ولم تحترم المرتزقة والانتهازيين الذين يقبضون من تحت الطاولة، كان المرء شديد القلق على مصير المجتمع السوداني من واقع الإنزلاق المريع في مستنقع الفساد الشامل، إلى أن قرأت قائمة "الشرف" التي أعدها د. إبراهيم منعم منصور تهكماً لأبناء دار الحمر الذين خسروا أنفسهم وأهليهم من أجل كسب عيون حزب المؤتمر الوطني، مقرونة بتوضيحات الأستاذ أحمد حمدان، والذي فضح قليلي الحياء وعرى سيرهم الذاتية للرأي العام، ورغم تحفظنا على الضغط على وتر الإثنية، أحسست أن الدنيا ما زالت بخير والناس تحاسب و"تنجلد"،  وأيقنت من وجود رجال يأنفون النذالة ويأبون الرخصة ولا يخشون في قول الحق لومة لائم.
التشهير سلاح فعّال لحرق من تبقى في دمه ذرة حياء، وليعلم الخائبون أي منقلب سينقلبون بعد نظام الإنقاذ المحتضر، لكن في تقديرنا أن هذا السلاح الحارق الأفضل إستخدامه من قبل منظمات المجتمع المدني من روابط مناطقية ومنظمات طوعية والتنظيمات السياسية بدلاً من الأفراد لتزداد فاعليته، هذه من ناحية ومن ناحية اخرى توخي السلامة الشخصية للأفراد معدي قوائم التشهير، ولا شك عندنا إن أعلن الشعب السوداني ثورة قوائم التشهير في كافة المناطق والمجتمعات والتنظيمات الشريفة، سيحاصَر الفساد ويصان القيم النبيلة، وبذلك يضطلع المجتمع بدوره الأخلاقي في تثوير مآثر الشخصية السودانية ووضع حد لإنزلاق المثل ومكارم الأخلاق إلى مستويات سحيقة.
والتشهير مصرح به  شرعاً لمن ظلم، وما أكثر المظلومين والمكلومين في عهد الإنقاذ، وبشكل او بآخر يعتبر وجه من أوجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي للتقاعس عنه عواقب وخيمة على الأمة بأسرها كما ورد في مسند الإمام أحمد قول النبي: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"، وكما روى الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله علية وسلم قال "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
عالمياً تم إنشاء منظمة الشفافية الدولية(TI)  Transparency International عام 1993 ومقرها برلين، وهي منظمة غير حكومية مهتمة بالفساد السياسي وغيرها من أنواع الفساد، ولها تقرير سنوي تشهّر بالدول الأكثر فساداً وتحظى بإهتمام متعاظم، ومن آلياتها إخضاع المؤسسات العامة للمساءلة الشعبية، وقد إحتل السودان المركز الرابع عالمياً من حيث الفساد لعام 2012 بعد أفغانستان وكوريا الشمالية والصومال.
 السكوت عن الخائبين وغض الطرف عن الفاسدين يعتبر تستر مجتمعي وتقاعس عن فرض كفاية لابد أن تضطلع به جهة ما، وكما أننا نسارع في تضخيم إنجازات الأفراد مهما كانت متواضعة، يجب علينا التشهير بالمفسدين وكشف ممارساتهم للرأي العام على المستويات كافة، محلية ولائية واتحادية، القوائم يجب أن تشمل الذين ساندوا نظام المؤتمر الوطني ضد أهلهم، والذين سكتوا عن تجاوزات النظام في مناطقهم، والذين أكلوا السحت واعتدوا على أموال الشعب، والذين شيدوا الأبراج من الرواتب الشهرية، والذين يحجون كل عام من أموال الزكاة، قوائم بزبانية الأجهزة الأمنية، قوائم بتجار أسواق المواسير، وقوائم بالقضاة الجبناء الذين ينصاعون للساسة، قوائم بالأقلام المأجورة والحناجر المباعة، قوائم بأئمة السلطان، وكشوفات بشاتمي الشعب ودهاقنة البذاءة، وقائمة بالعنصريين و"الإنتباهيين"، قائمة اللائي غنن ورقصن للشريف، وقائمة للذين صدحوا بدموية الإنقاذ، وقوائم بأسماء الذين يخذلون الإنتفاضة الشبابية، قوائم بأسماء النواب النائمين والصامتين بالمجالس التشريعية.
إن لم نجرؤ على إعداد هذه القوائم، تحت مظلات الكيانات الشعبية الإعتبارية، فبحق نحن لا نستحق أفضل من الذين ظلوا يحكموننا بالدم والنار منذ ربع قرن إلا عاماً.
للإطلاع على المقالات السابقة:
//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: