الخميس، مارس 28، 2013

تسوية سياسية أم حسم عسكري؟


تسوية سياسية أم حسم عسكري؟


لقد تضعضعت احتمالات اندلاع انتفاضة شعبية تختلع نظام الإسلاميين من جذوره في ظل التحالف العلني "والمدغمس" بين النظام ورموز القيادات الطائفية والتي أربكت الجبهة الثورية مصالحها، والحال كذلك يتراءى للمراقب احتمالان لا ثالث لهما للتغيير ، هما تسوية سياسية تفكك النظام مع تأمين مصالح رموزها، أو حسم عسكري يقلب أعالي البلاد سافلها.

ما هو معلن ان حزب الأمة تحت قيادة الإمام ما برح يراهن علي الخيار الأول، بل ظل يترقبه بصبر فارغ من فؤاد أم موسى ، وهو لا يزال ينتظر قطار السطلة أن يغشى محطته والتي تزحزحت مراراً باتجاه قدومه المتوقع ، أما الحزب الاتحادي الديمقراطي جناح مولانا الميرغني ، فقد نفذ صبره وحسم امره بحزم حقائبه والذهاب إليه في محطة مناسبة ضمن له مقعدا وإن كان غير مريحاً حتى اللحظة ، جماهير هاتين الطائفتين غير راضية عن تقارب قياداتها من سطلة الإنقاذ الغاشمة ، لكنها بكل اسف جماهير سالبة إلى الحد البعيد.

وقطار الإنقاذ المترهل كقطار الهم، يسير ببطيء في أحسن الأحوال، شديد الارتياب من أي شبهه، بالغ التوجس من كل قادم في اتجاهه المعاكس، يشهر سلاحه في وجه خشاش الأرض. وهذا الوجل الذي تملك قيادات السطلة الإنقاذية جعلهم يؤمنون بأن العفاريت لا محالة طالعةً لهم ، لذا فقد انشغلوا بها عن أمر إصلاح اعطاب قطارهم الميؤوس منه ، والسطلة اصبحت ملقاة على قارعة الطريق ، والكثيرين من رموز النظام باتوا يحرّضون ضده لأنهم فقدوا الطمأنينة ، وأرهقهم التخوف من القادم المجهول "كتلوك ولا جوك جوك" ، جراء ما اغترفت أيديهم الآثمة. والدراويش منهم يعتقدون أن بركات زعماء الطائفية ومشايخ الطرق الصوفية تبعد عن قطارهم المتهالك الأرواح الشريرة ، وتفك لهم الحيرة في المنعرجات الخطرة . وبالفعل قد ساعدتهم هذه المشايخ "بالجكه" وليست بالفاتحة، لكن الزلزال المدمر لا محالة واقع.

الإنقاذ سرقت السطلة بليل من حليفه حزب الأمة، وإن ضاق بها قطعا سيعيدها له إن ضمن له الأخير الحماية من الجنائية وعدم المساءلة ، وبصرف النظر عما هو معلن سياسيا من حزب الامة، نعتقد أن الإمام الحاذق في الحذلقة والبارع في التبريرات، مستعد لأبعد من ذلك في الوقت الحالي ، ليقول لرفاقه في المعارضة أن "بضاعتنا قد ردت إلينا" وإن نقصنا كيل بعير "الجنوب".

إذن التسوية المرتقبة ليس من المتوقع أن تكون مع الجميع ، واجهتها ستكون حزب الامة ، أي اتفاق من الباطن يجهد في تسويقه لدى قوى الإجماع والجبهة الثورية. من المؤكد ان النظام سيلجأ الي هذا السيناريو قبل آن يفك "البيرك" ويركب جناحيّ نعامة ، وفي تقديرنا ان مثل هذا الخيار بعكس ما يروج له حزب الأمة سيزيد من حدة المواجهات المسلحة ، ويشكل خطورة بالغة على قيادات الطائفتين، ويستفيد رموز النظام من أجوائه للهرب وإحداث شرخ ثوري وفتنة سياسية فيما بعد نظامهم.

بدون عاطفة الحسم العسكري لا يكمن أن يحدث بدون انشقاقات كبيرة من داخل الجيش النظامي وانضمامه إلى الحركات المسلحة ، وحتى أن حدث هذا يحتاج الأمر إلى تأييد ودعم خارجي مقدر ، قد تسقط جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق في يد الجبهة الثورية ، وقد تنسحب قوات النظام من دارفور ، ولكن ما لم تغير دول غربية مواقفها من التغيير المسلح، وتتخلى عن دعمها العلني للنظام فإن الحسم العسكري لن يكون سهلاً. من الممكن أن تنفذ الجبهة الثورية عمليات ذراع قوي أو ذراع عملاق تنجح في اعتقال قيادات سياسية ، أما الاستيلاء علي كافة حاميات البلاد العسكرية فتحتاج إلى انشقاقات اقرب إلى الانحياز للتغيير الراديكالي، مما يعني أن على الجبهة الثورية أن تركز على طابورها الخامس وسط القوات المسلحة والذي لا نشك في وجوده ، في ظل الانحياز الكبير من مكونات المشهد السياسي لوثيقة الفجر الجديد. والسائحون أنفسهم بخبث اسلاموي قد يفكرون في امتطاء آلية الجبهة الثورية متى ما استوثقوا رجاحة معادلتها.

هذا السيناريو سيكون اقرب متى ما تغيرت أمزجة أو أنظمة احدي دولتي الجوار أرتيريا أو تشاد ، ورغم أن نظام المشير يبدو الأقرب إلى الزوال منهما بسبب الفساد والتحديات الجسام التي تواجهه، إلا أن المشهد قد لا يخلو من المفاجأة ، ومن المرجح أن تعكر تغول فلول مجاهدي مالي في عمق دارفور صفو العلاقة بين نظام الإنقاذ ودولة تشاد خاصة وأن حرب إسلامي مالي تعتبر معركة فرنسا بالدرجة الأولي وهي يقظة لمخاتلة النظام السوداني في هذا الخصوص.


أيضا إن تم تغيير النظام السوري بالحسم العسكري سيضيف ذلك نموذجا يمكن تقليده في بقية مسيرة الربيع العربي، وفي كل الاحوال بطي الملف السوري سيتحدد على من تدور الدائرة التالية.

ظاهرياً النظام هو من يتمنّع عن الجلوس للحوار مع قطاع الشمال، ولكن لو أنه "إنبرش" كالمعتاد، فإن الفريق عقار الذي إستطاع الاحتفاظ بثوريته والتمسك بطروحات السودان الجديد طيلة الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل، مستبعد أن يفرّط في مكاسب الجبهة الثورية أو يعبث بوثيقة الفجر الجديد ، وأي من بقية قيادات القطاع الشمالي للحركة الشعبية سيحترق ويتناثر مسيرته السياسية في الهواء أن انخدع بألاعيب النظام مرة اخرى، وابدى الاستعداد للتسوية بعيداً عن مكونات الجبهة الثورية.

والغرب المعنية باستقرار دولة جنوب السودان الوليدة ، والمطلعة على مكر الإسلاميين، في نهاية المطاف لا تجد بد من دعم مشروع تحول يكون محوره الجبهة الثورية ، عبر تسوية سياسية تنعتق خلالها قوى الإجماع الوطني مع الجبهة ، أو اجتياح عسكري مدروس ومسنود من القوات المسلحة ، خاصة إن "دقست" السلطات وافرجت عن صلاح قوش ، والأيام حبلى بكل ما هو مدهش ، منا المتفرجون ومنا من يستجيب للأقدار.

//آفاق جديدة//

 

ليست هناك تعليقات: