الثلاثاء، يناير 22، 2013

الجبهة الثورية .. كيف تتعامل مستقبلا مع الأحزاب "المتنصلة"؟


الجبهة الثورية .. كيف تتعامل مستقبلا مع الأحزاب "المتنصلة"؟

قبل اسابيع قليلة حذرنا الجبهة الثورية من خبال التعامل مع حزب المؤتمر الشعبي ، ليت شعري إنحسرت تلك المحاذير في الحزب المعني ، فقد خيّبت أحزاب كنا نظنها من الأخيار تقديراتنا ، فمنذ البداية توجسنا ريبة من هرولتها إلى كمبالا ، وقدّرنا أن كفة الجبهة الثورية قد رجحت سياسياً، وأن المهرولين كانوا مرغمين لا أبطالا. حتى إن كان ذلك كذلك تكون الجبهة الثورية مجحفة أن طالبت الجميع التوقيع علي  وثيقة الفجر الجديد كسر رقبة، بيد ان الذين وقعوا ثم تنصلوا لم يمهروا علي الوثيقة تحت حد السيف الذي لا يزال في غمده.

فالإمام زعيم الأمة بدا متناقضاً كعادته، فقد فصل نائبة السيد نصر الدين المهدي قبل اسابيع بجريرة الانضمام إلى الجبهة الثورية ام المولودة "الفجر الجديد" وكان حزبه اول المرحبين بها منذ لحظة المخاض، وقد اوفد رسمياً السيد صلاح مناع للتوقيع نيابة عنه ، ولكنه ما لبث أن عاد للتردد الذي لازمه طيلة حياته السياسية، غير مبالٍ بتبعات نكوسه عن مواقفه.

اما شيخ المؤتمر الشعبي فلم يخّيب ظننا به، فقد نسخ بجرة واحدة توقيعي مندوب حزبه السيد طارق محجوب على وثيقة الفجر الجديد وأمينه العام د. على الحاج على بيان لندن مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، الفصيل المحوري في الجبهة الثورية، وفي الحقيقة لقد عرفنا المؤتمر الشعبي كحزب قائم على شيخ وامين عام وناطق رسمي، ولأول مرة نسمع بقطاع اسمه قطاع الطلاب بهذا الحزب وفيما يبدو أنه اختلق هذا الجناح فقط كمطية تمهيدية للحس التوقيع على الوثيقة.

وعن الحزب الشيوعي، فعلينا الترحم على الرمز الراحل المقيم السيد نقد، رجل المواقف الصلدة والمبادئ الراسخة في الانحياز للطبقات المسحوقة والفئات المهمشة ، والذي لم يعرف له التاريخ لجاجة سياسية في مواقفه طيلة حياته ، ولنا أن نتساءل من هو هذا الخطيب؟ وماذا يخبأه في جعبته للشارع السياسي الذي عرف بصمات الحزب الشيوعي في العمل الجماهيري التعبوي. كان على السيد الخطيب ان يعلن صفة عضو حزبه السيد صديق يوسف قبل توقيعه على الوثيقة وليس بعده، ولكنه من الواضح تركه للظروف، وهو تصرف في تقديرنا يفتقر للحنكة السياسية، لأنه مكشوف للمراقب الذي عرف سلفه الراحل نقد بالتأني والحرص على ألاّ تقع كلمته على الأرض مهما كلفه.

مواقف المتنصلين مخزية، وكان عليهم دراسة الوثيقة بروية قبل التوقيع عليها، الجبهة الثورية أيضا تتحمل جزء من مآلات التوقيع على الوثيقة، فعادة مثل هذه المشروعات الوطنية الكبيرة يتم التوقيع عليها على مراحل ، مبادئ عامة توقع عليها بالأحرف الأولى ، ثم بنود أساسية إلى أن تكتمل ومن ثم يوقع عليها القمم، فالجبهة كانت متعجلة "على شنو ما عارفين" فالأمم الجادة تتابع مثل هذه المواليد النادرة ذكراً كان ام أنثى منذ شهور مبكرة، وتحبس أنفاسها عند المخاض ، إلا أن الشارع السياسي السوداني تفاجأ بميلاد طفلة تبدو منفوخة دون مقدمات، تبرأ منها خلق كثر عندما اتضحت لهم ملامحها، رغم قناعتنا انهم كانوا موسوسين ومبيتين سوء نية لوأدها.

نتمنى أن تكون قيادات الجبهة الثورية قد "فهمت حاجة" من هذا التنصل الجماعي المريب، وعلى ضوء فهمها أن تبتعد عن سياسية الخم السياسي بدافع تكبير الكوم ، ونعتقد أنّ عليها أن تكون "تقيله شويه" وتضع على باب قلعتها بواباً ذا بأس وصاحي، يدقق في هويات المندفعين والفضوليين بغرض الفِرجة على حصنها من الداخل، وأن تضع لها معايير موضوعية صارمة لنيل عضويتها، وان  تكون أكثر جدية بتحديد أوزان سياسية للموقعين نيابة عن تنظيماتهم، ذلك ان الوثيقة تبدو تاريخية ولا يجوز ان يعبث بها المهرجون.

ونحن على يقين أنها لن تخسر شيئا أن صدت المشبوهين والمترددين، وينبغي ألا تفوت علي قياداتها أن طرح اعادة هيكلة الدولة السودانية يضر بمصالح خلق كُثر لا يخفون عليكم ، لذا من المستبعد أن يُنزّل هذا الطرح ارض الواقع إلا بمغالبة المنتفعين من الأوضاع القديمة المقيتة معنوياً وفكرياً قبل كل شيء، وقبل ذلك فإن محاولات التصالح معها غالباً ما تنتهي بالمراوغة واللف والدوران.

بديهياً هذا التنصل يعني أن جماهير الأحزاب المعنية لن تخرج في تظاهرات محمية معنوياً وبسلاح الجبهة الثورية، أي أن تحركات قواتها غير مرغوب فيها عندما تغلى الشوارع، وخلاصة هذا المآل المتأزم، أن وثيقة الفجر الجديد بكل موضوعية قد عقّدت المسافة بين المعسكرين، واللوم أولاً على الجبهة الثورية التي لم تكتفِ مرحلياً بالقيادات الصادقة والمؤمنة بطرحها من منسوبي بعض التنظيمات المتنصلة، وأرادت ان تقفز قفزات كبيرة قبل ان تمهد لها ميدانياً بشكلٍ كافٍ، وكان عليها ربط ميلاد الوثيقة بسقوط كادقلي وصمود الأستاذ عبد الواحد في جبل مرة، حينها سيطالب المتنصلون بمناقشة نقاط التحفظات مع الحرص على شرف التوقيع.

بالطبع مجرد إقرار الأحزاب المتنصلة بالعمل المسلح كوسيلة مشروعة لتغيير النظام ، حتى دون المشاركة فيها، لهو كافٍ للإبقاء علي الجبهة الداخلية متوترة ويعجل بإسقاط النظام، من منطلق "سهر الدجاج ولا نومو" لكن يبدو ان الجبهة الثورية قد وضعت حملا أثقل كاهل "عواجيز" الساحة السياسية ، ناهيك عن أجنداتهم المسكوت عنها.

الحصل حصل، هل تغلق الجبهة الثورية باب التواصل مع هكذا زعامات سياسية؟ ام تحمل تحفظاتها محمل الجد وتعيد صياغة الوثيقة وتعمل لها "سماية" جديدة؟ عملاً بمبدأ "الكذاب بصلوه في بيتو" بغرض فضح نواياهم للرأي العام، تمهيداً لتجريدهم من جماهيرهم المتطلعة للتغيير بأية صورة؟ من رأينا على الجبهة الثورية ألا تترك المتنصلين للنظام، عليها أن تعيد المحاولة، بيد أن من بين المتنصلين زعامات لم توافق خلال تاريخها السياسي على وثائق حتى إن جاءت مبرأة من  كل عيب ، ان لم تكن من بنات أفكارهم، حسدا من عند انفسهم، ولم تعتاد على الانقياد للصغار من منظورهم الجماهيري، هؤلاء التعامل معهم جداً مرهق وتعتبر مضيعة للوقت والجهد، الأفضل أن تترك هي من تركض للحاق بثورة التغيير المنتصرة لا محالة.

على الأرجح أن ركزت الأحزاب المتنصلة مع الوثيقة أن تدعمها المجتمع الدولي، وهذا ما سيجنن د. نافع، ويرغم حلفاء النظام على مراجعة حساباتهم، هذه المحصلة المرجوة ينبغي أن تكون نصب أعين الطرفين، والوثائق كائنات حية ، على الجبهة أن تحدد ثوابتها، وتأخذ وتعطي مع الجميع فيما دون ذلك.


//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: