الثلاثاء، مايو 24، 2011

م. عبد الجبار دوسه في حوار شامل وصريح مع آفاق جديدة














م. عبد الجبار دوسه في حوار شامل وصريح مع آفاق جديدة
حاوره : إبراهيم سليمان
مايو/ 2011/ لندن
ebraheemsu@gmail.com
بدون إمتلاك القوة العسكرية اللازمة، التفاوض مع النظام فاشل
• لهذه الأسباب إستقلت من رئاسة الصندوق وعضوية الحركة
• نصحتُ التحرير والعدالة بألا يوقعوا منفردين وبدون ضمانة جيشهم
• لم أفشل في دوري ككبير المفاوضين في أبوجا
• أثق في قدراتي في صياغة الدفاع عن الحقوق تخطيطاً ومنطقاً
• لهذه الأسباب فشل أبناء دارفور في إدارة الأزمة
• لا أعتقد بأن المؤتمر الوطني أعاد الإنتخابات في جنوب كردفان ليخسرها
• الذين هاجموني باسماء مستعارة يهزمون أنفسهم والشفافية والعدالة
• لم تكتمل المعطيات لوجهتي التالية
• أفضل الحلول لقضية دارفور ذهاب النظام القائم
• الحكومة جاهزة لمنح المناصب والوظائف وأي إعتقاد آخر هو دفن الرؤس في الرمال.

المهندس عبد الجبار محمود دوسه، ناشط سياسي مرتب الأفكار وخبير تفاوضي بارع في هندسة أطروحاته، درس الهندسة في الكلية المهنية العليا سابقاً (معهد الكليات التكنلوجية لاحقاً وجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا حالياً) وعمل نقيبا للمهندسين بشمال دارفور، كان ضمن قلائل خططوا ونفذوا إنتفاضة دارفور عام 1981 ضد حاكم الإقليم آنذاك الطيب المرضى الطيب، هاجر إلى الخليج في بداية الثمانينيات ومكث به حتى 2004 حيث إلتحق بحركة تحرير السودان في العام 2003 وشغل بها منصب الأمين العام ثم الأمين السياسي وكبير المفاوضين بأبوجا ودستوريا ترأس صندوق دارفور للإعمار والتنمية، وكان عضواً في مجلس السلطة الإنتقالية الإقليمية لدارفور وقد إستقال من منصبه الدستوري بالدولة والتنظيمي بالحركة في 2008 ومنذ ذلك التاريخ وإلى حينه لم يحدد وجهته التالية، ، ثوري عاقل وسياسي متصالح مع نفسه إلا أن البعض يصفه بالتردد وقد تحسر كثيرون على ركوبه قطار أبوجا المعطوب رغم معارضته العلنية له، ورغم ذلك ورغم حملات التشهير التي إنطلقت مستهدفه شخصه ومشككة في نزاهته فور مغادرته السودان وإعلان إستقالاته الشاملة من جميع مناصبه، تمكن من الإحتفاظ بإحترام واسع وسط ناشطي دارفور.
حاورناه من مقر إقامته بمدينة مانشستر بالمملكة المتحدة تناولنا معه بدايات حياته السياسية وفتحنا معه غطاء صندوق الإعمار والتنمية المغري وظيفيا وملفات ابوجا المبعثرة، كما إستوضحنا مواقفه من الموضع التفاوضي بالدوحة وقضايا اخرى ساخنة في الساحة السياسية وجاءت إجاباته مثيرة وشفافة إلى حد كبير فإلى وقائع الحوار:
في البدء حدثنا عن خلفيتكم السياسية قبل الإنضمام إلى حركة التحرير؟
• ليست لدي خلفية سياسية قبل إنضمامي إلى حركة تحرير السودان، فقد كنت مثلي وكل الطلاب أمارس التفاعل مع الأحداث في الساحة السياسية، بيد أنني خلال حياتي العملية كنت أواكب الأحداث دون أن أكون منتمياً لأي تنظيم سياسي.

هذا الموقف نتاج عدم قناعة بالتنظيمات السياسية المطروحة في الساحة أم كفر بواح بالسياسة المأطرة؟
• ج. كان ذلك إلى حد كبير عدم قناعة بالفلسفة القيادية داخل التنظيمات.

كنت ضمن خمسة أشخاص خططوا ونفذوا إنتفاضة دارفور ضد الحاكم الطيب المرضي الطيب عام 1981 من هم زملاؤك الآخرين؟
• زملائي الأربعة في التخطيط وتنفيذ إنتفاضة دارفور 1981 هم الدكتور محمد آدم عبد الكريم وقد انضم إلى حزب الأمة وأصبح عضواً في برلمان انتخابات 1986، والأستاذ أيوب عز الدين اسحاق والأستاذ الشفيع أحمد محمد وهو الآن قيادي في المؤتمر الوطني، والأستاذ حسن سيف الدين وقد هاجر إلى المملكة العربية السعودية والأستاذ محمد يعقوب معلا وآمل أن لا أكون قد أخطأت في إسمه، وشخصي الضعيف، هؤلاء هم مَن حضر الإجتماع الأول، وهو شأن أي عمل عام يبادر به البعض ثم يصبح ملكاً للجميع. بعد اجتماعات اليوم الأول، التحق بالمجموعة عشرون شخصاً آخرين في خمسة أيام، فيها تم تشكيل خلايا المدن الأخرى. تبع ذلك خروج مئات الآلاف الذين ساهموا وشاركوا بقوة في ملحمة تاريخية حققت الهدف. تلك الثورة لم تجد حقها من التوثيق، وهي دعوة للمؤرخين والمتخصصين للبحث فيها وفي تجربتها لتوثيقها بما يُمكّن الجميع من الإستفادة منها، لأن فيها الكثير مما يمكن أن يساهم في استقامة إعوجاجات النسخة الحالية من الثورة.

كيف كان وقع مغادرة حاكم الإقليم السيد أحمد إبراهيم دريج للسودان تاركا الأهالي تحت وطأة الجفاف منتصف الثمانينيات؟
مناوأة النظم الدكتاتورية دائماً يضع القيادات المناوئة للظلم والإستبداد أمام خيارين إثنين بعد إعلان الخلاف، إما أن تهاجر إلى خارج أوطانها إلى حيث يمكنها أن تجد مساحة حرة للتحرّك لتبدأ في تنظيم عمل المقاومة ، وإما أن تقع في قبضة النظام الدكتاتوري الذي يكون تواقاً لكبت نوايا وتحركات القيادة قبل تنظيم نفسها وتنظيم جماهيرها إذا بقيت في الداخل، وذلك بوضعها داخل غرفة من أربعه جدران أي (سجن). قيادات الجبهة الوطنية ضد النميري مثالاً، وقيادات التجمع الوطني الديموقراطي وحركات دارفور والجنوب وجبهة الشرق وغيرها أمثلة أخرى، كلها آثرت الخروج لتتمكن من تنظيم عملها. في الواقع هذا منهج متكرر لدى القيادات المناوئة للنظم الإستبدادية في كل شعوب العالم وعبر العصور، والمعلوم أن النظم الإستبدادية أول ما تستهدف هي القيادات لإدراكها بأنها مكمن الخطر. الأكثر أهمية في تقديري لسؤالك هو ما الذي يمكن أن تكون قد فعلته تلك القيادات في تحقيق الهدف الذي خرجت من أجله.

هل تعتقد مغادرته كان مبررا وافيد للإقليم من تكرار المحاولات مع الرئيس الراحل جعفر نميري؟
في تقديري المغادرة كانت حتمية عاجلاً أم آجلاً، لكن هل تم إستنفاذ كل السبل والوسائل مع النظام، ذلك أمر يمكن أن يشرح فيه بتفصيل الأستاذ أحمد إبراهيم دريج نفسه، إنما يبقى الجدل في التوقيت والكيفية. وهذان تحددهما عوامل كثيرة من بينها عمق الخلاف وقناعة المغادر وتجاوب الجماهير المتأثرة حينها ورد فعل السلطة القائمة وعمق الأزمة من حيث الحجم والنوعية. أما مدى الفائدة فذلك مقياس ليس بالسهل تقديره لأن حكومة النميري أزيحت بعد سنة وبضعة أشهر من خروج الأستاذ دريج.

بإعتبارك شخصية متصالحة مع نفسك، إلى أي مدى تتفق معنا في الآتي: عبد الجبار دوسه
• مهندس ضل طريقه في دروب السياسة
• هذه فرضية يمكن أن تقبل الجدل فيما لو كنّا في وطن يتمتع بممارسة ديموقراطية راسخة ودائمة في ظل تعددية تنظيمية حيث ينصرف المهنيون إلى أداء دورهم في مجالاتهم بسخاء، لكننا في وطن غُيّبت فيه الحقوق، وبالتالي ما نفعله بغض النظر عن تسميته سياسه أو غيرها، هو فرض عين على جميع المتضررين للنضال من أجل إقرار تلك الحقوق أولاً، حينها يأتي سؤالك متوائماً.

سياسي متردد
• متردد في ماذا؟ حتى الآن وحيثما اقتضت الضرورة أن أتخذ قراراً فعلته.
• مثلاً رغم معارضتك لأبوجا إلتحقت بقطاره في الآخر، إستقلت من رئاسة صندوق الإعمار والتمنية ثم فيما إستقلت من عضوية حركة التحرير قبل حوال ثلاث سنوات وحتى الآن لم تحدد وجهتك التالية؟
• لم ألتحق بقطار أبوجا أنا قلت أنني سجّلت موقفي المعارض وجئت مع الحركة منذ البداية، وهذا ليس تردد في القرار، التردد يكون إذا وقفت في منطقة وسط بين التوقيع وعدم التوقيع، والإستقالات قرارات تأتي في الوقت الذي تستوي فيه معطيات إتخاذ القرار، وأنا لا أنتظر تلك المعطيات أن تأتي بمحض صدفتها وإنما أسبقها بعمل ما ينبغي من معالجات. أما كون أن وجهتي لم أحددها بعد فهذا تريث وليس تردد.

مستشار تفاوضي عند الطلب
• أولاً أنا لست مستشاراً تفاوضياً لأي جهة، ثانياً، طلبتني حركة التحرير والعدالة للإستشارة والنصح وشرح تجربة أبوجا فذهبت إلى الدوحة مرة واحدة، ملّكتهم خلالها التجربة وأعطيتهم نصحي، لم يكرروا دعوتي ولم يستشوروني بعدها، ولعل ذلك أقرب إلى تفسير أن نُصحي ربما يتعارض مع أهدافهم فأسقطوه. لكنني لن أبخل بتمليك التجربة وتقديم النصح لأي جهة رغبت في ذلك لمصلحة القضية، أما أمر الأخذ بذلك أو تركه يعود للجهة المعنية.

أمير يبحث عن مجد مفقود
• أظنّك تتفق معي بأن ما نحن فيه الآن من نضال مترامي الأبعاد لاسترداد الحقوق الدستورية لوطن وشعب بكامله لا يمكن اختزاله في هذا الإطار.

في مقال لكم وصفت نفسك بالفشل في ابوجا، والآن تعمل مستشاراً تفاوضياً للتحرير والعدالة، أليس في هذا محاولة لتكرار ذات الفشل في الدوحة؟
• كما أكّدت في إجابة سابقة بأني لست مستشاراً لحركة التحرير والعدالة ولا غيرها، أما فيما يتعلق بموضوع أبوجا، على الصعيد الشخصي البحت، أنا لم أفشل في دوري كمفاوض أو كبير مفاوضين في أبوجا. كما أثق في قدراتي في صياغة الدفاع عن الحقوق تخطيطاً واستراتيجية وتكتيكاً ونهجاً وحُجّة ومنطقاً، ودونك المشاركين في أبوجا من الحركات والوساطة والمجتمع الدولي والحكومة طوال جولاتها. أما الفشل الذي عنيته وأوردته في مقالاتي تحت صياغة الجمع (نحن) إنما هو حزمة أبعاد وعوامل شارك فيها الجميع وهي تعني منظومة التقاطعات السلبية لعمل الحركات المتواجدة هناك حينها، ولا يمكن لهذه المساحة المقتضبة أن تستوعب كل ذلك. حيث أن ذلك يحتاج إلى منابر ومنتديات.

ضمن كتاباتكم اقررت بفشل أبناء دارفور في إدارة أزمة إنسان الإقليم، ماذا ينقصهم الحنكة السياسية ام إخلاص النويا ام ماذا؟
• إخلاص النوايا لا أستطيع الجزم القطعي فيه، لكن أعتقد أن الفهم بالقضية وبالطرف الآخر ما زال فطيراً. كما يفتقد الكثيرون الإرادة، وهناك عدم الإهتمام بالمعلومة وعدم الإستفادة من تجارب الآخرين والترتيب الخاطيء للأولويات وتعجّل النتائج.

لماذا يهجر الصفوة تخصصاتهم ويمتهنون السياسة؟
• قطعاً معيار الصفوة ليس هو مستوى التعليم التطبيقي الذي ناله الفرد، إذا كان الأمر كذلك هذا المعيار يظلم الآخرين. النضال ضرورة تقتضي ترتيب الأولويات، والأولوية اليوم للنضال من أجل إقرار دولة ديموقراطية قائمة على التعدد والتداول السلمي للسلطة وتحفظ حقوق الإنسان، وهي بذلك أولية عين وليس كفاية. نستطيع أن ندرك مدى تأثير المناخ السياسي المضطرب في تشكيل سؤالك نفسه، لأنه لو كان الوضع طبيعياً كما هو في الدول التي قطعت شوطاً بعيداً في الديموقراطية، لما كنت في حاجة إلى طرح مثل هذا السؤال واقدّر ذلك. وعموماً بشكل مطلق وفي ظل حرية الإختيار والإنضمام إلى التنظيمات السياسية، تصبح ممارسة السياسة خياراً كما هو حال اختيار الفرد للتخصص الذي يريد أن يدرسه.

أليس من الملفت ألا ينضم أحد من آل دوسه لحركة JEM؟
• أولاً الإنضمام إلى أي تنظيم سياسي أو حركة يقوم على القناعة والتقييم الشخصي للفرد لبرنامج ورؤية الجهة التي يود الإنضمام إليها، وليس لآل دوسه مركزية توجيه سياسية لأفرادهم، لذلك تجد من هو في حزب الأمة ومن هو في حركة العدل والمساواة ومن هو في حركة تحرير السودان ومن هو في المؤتمر الوطني ومن لا ينتمي لأي تنظيم وغير ذلك، وقد انضم الأستاذ عبد المجيد دوسه والأستاذ خليل دوسه والأستاذ محمد منصور دوسه لحركة العدل والمساواة منذ إنطلاقتها، وظلّوا فيها لوقت قريب، ربما بعضهم تركها، والأستاذ خليل دوسه كان ضمن القيادات العسكرية الميدانية للحركة، هنالك آخرين ليس من المستحسن الإعلان عن أسمائهم. لكن بشكل مطلق آل دوسه ليس فقط من يحملون إسم دوسه في تركيبة أسمائهم، وإنما هو إمتداد أسري متجذّر، ومن بين هؤلاء حُظيت حركة العدل والمساواة بالنصيب الأكبر.

رغم معارضتكم العلنية لإتفاق أبوجا، لماذا عدت إلى السودان وقبلت رئاسة صندوق الإعمار والتنمية؟
• عودتي للسودان مع الحركة كانت قائمة على أربعة عوامل، العامل الأول هو أن المجلس القيادي للحركة الذي يتكون من خمسة أشخاص، قد اختار التوقيع بموافقة أربعه من أعضائه ومعارضة واحد، وهو قرار دستوري وواجب الإمتثال إذا كنا نبحث عن إرساء المبدأ الديموقراطي رغم تسجيلي لموقفي من التوقيع. العامل الثاني هو أنني لم أشأ اتباع نهج الإنشقاقات لمجرد الإختلاف في أمر التوقيع برغم أهمية الأمر، وآثرت أن أعطي الفرصة لإنضاج الممارسة الديموقراطية داخل الحركة لا سيما وآثار إنشقاق الحركة بعد مؤتمر حسكنيتة ما زال مؤثّراً. العامل الثالث هو أن أسد كل الثغرات التي يمكن أن تستغلها الحكومة في تبرير عدم رغبتها في إنفاذ الإتفاق عبر وصم الحركة بأنها لم تفعل ما عليها أن تفعله، وأظنني وفقت في ذلك بما أعددناه في الصندوق من خطة إستراتيجية ومشروعات مدروسة وجاهزة للتنفيذ في وقت قياسي. والعامل الرابع هو أن أثبت للحركة وبوجودي بينهم أثناء التنفيذ، أن معارضتي للتوقيع كانت قائمة على فرضيات حقيقية وأن أعمل معهم على المخرج الصحيح. الواقع كنت آمل أن نبني تنظيماً مستقبلياً قادراً على امتصاص تبايناته وتحويلها إلى إيجابيات.

من هو ذالك العضو القيادي الذي إعترض على توقيع الإتفاقية؟
• هو أركو سليمان ضحيه الذي كان يشغل حينها منصب رئيس هيئة الأركان لجيش الحركة، وقد إنضم فيما بعد إلى حركة العدل والمساواة.

أين مكمن الخلل في إتفاق أبوجا، في النصوص أم في النظام أم في قادة التحرير؟
• كل هذه العوامل ساهمت في بناء الخلل بتفاوت، وإن كان نصيب النظام منها كبيراً. فكم من إتفاقيات في المحيط الإقليمي والدولي لم تحمل بداخلها سوى طيب النوايا، حوّلتها الإرادة الإيجابية للطرف الممسك بالسلطة بتنازلاته وتجاوبه إلى واقع إيجابي.

إتفاق أبوجا لا يزال حياً أم مات بعودة السيد مني للميدان؟
• في تقديري قانونية أي إتفاق تقوم أساساً على إلتزام الأطراف به قولاً وفعلاً، أما وقد أعلن الأستاذ مني أركو باعتباره رئيس الحركة الموقّعة تنصّله من الإتفاق، تفقد الإتفاقية قانونيتها، الحكومة أيضاً تنصّلت منها منذ أكثر من أربعة سنوات برفضها مبدأ تنفيذ بنود بعينها، بيد أنها أصلاً وحتى الآن لم تتجاوز في تنفيذ إتفاقية أبوجا 10% غالبها في شق المناصب.

هل تعتقد لا يزال هنالك فرصة لتحقيق سلام شامل وعادل في دارفور عبر التفاوض؟
• التفاوض دائماً وسيظل وسيلة من وسائل فض المنازعات، ولكن قدرة طرف ما على التأويل على الوسيلة المعنية تقوم على فهم طبيعة الطرف الآخر بشكل دقيق، فضلاً عن فهم أهداف الأطراف الأخرى كالوساطة وغيرها، وإعداد الوسائل والآليات الداعمة التي تمكّنك من إستخلاص الأفضل من التفاوض. عموماً في الحالة الحالية للنزاع السوداني في دارفور ومع وجود هذا النظام الحاكم الآن، إذا كنت لا تمتلك اللغة التي يفهمها النظام وأعني بذلك القوة العسكرية اللازمة، ومتى وأين وكيف تستخدمها، يصبح التفاوض فاشلاً حتى وإن وقّعت الحكومة على وثيقة فيها كل الحقوق، لأنك لا تملك ضمانات التنفيذ وبالتالي ولأن الحكومة لا تتعامل بأخلاقيات الإلتزام، كما أن الوسطاء لا يملكون آليات للإلزام، أو فالنقل يدركون أين هي لكن لا يسعون إلى تفعيلها، ستمكر الحكومة وتستخدم الإتفاقية للتسويق وفق رغبتها.

وهل أوضحت هذه القناعة لقيادات التحرير والعدالة التي تفاوض بالدوحة؟
• أوضحت لهم ذلك عندما كنت معهم في الدوحة قبل 10 أشهر، ولهم الخيار.

حسب تقييمكم بأي قدر أضر إتفاق أبوجا بالقضية؟
• إتفاق أبوجا أضر بحجم ضعف فهم العمل الإستراتيجي للقضية لدي الجميع.

بالأمس تم توقيع تحالف بين حركتي تحرير السودان بقيادة الإستاذ عبد الواحد نور وجناح السيد مناوي، هل بالإمكان أن تعيد حركة التحرير سيرتها الأولي ما قبل مؤتمر حسكنيته؟
• دعنا نبارك أي خطوة في إتجاه التوحّد، حتى وإن كانت هذه الخطوة هي تحالف. لكننا نأمل أن يتعمّقوا أكثر في قراءة مقتضيات المرحلة ويوفّقوا خطواتهم بموجبها.

بات من المؤكد خسارة المؤتمر الوطني في جنوب كردفان، ما هي دلالات هذا الحدث أن صدق، وما هو تصوركم لمستقبل جبال النوبة في كلا الحالتين؟
• أنا لا أعتقد بأن المؤتمر الوطني أقام الإنتخابات ليخسرها، وهي في مسارها ومآلاتها لا تختلف عن الإنتخابات التي جرت في أبريل الماضي، حيث أن المعطيات هي بل سارت في إتجاه أكثر موالاه للمؤتمر الوطني لا سيما مع دنو إعلان دولة الجنوب. والمؤتمر الوطني يريد أن يردّ للحركة الشعبية صفعة النيل الأزرق. جنوب كردفان له تركيبة سكّانية مشابهة في عوامل التجانس الإثني للشعب الصومالي مع اختلاف طفيف في التنوع الديني، لكن العامل الأول هو أكثر تأثيراً في شدّ الولاية إلى نزاع داخلي تخطط له الحكومة وتكون بعيدة منه مستغلة بعض فراغات الجفوة بين ثوار جنوب كردفان والحركة الشعبية واختلال جهود قيادات الحركة الشعبية في الولاية لتحويل عوامل التجانس الإثني لمنع انفجار ذلك النزاع. بيد أنني لا أستبعد أن هدف الحكومة من كل ذلك هو تحسين متحصلاتها من دولة الجنوب، في تقديري أن الحكومة لن تدخل في حرب مع دولة الجنوب على الأقل في السنوات الخمس الأولى.

باشمهندس عبد الجبار في 30 إكتوبر 2006 صدر قرار بتسميتكم رئيساً لصندوق دارفور للإعمار والتنمية، هل أديت القسم أمام رئيس الجمهورية؟
• لم نؤدّي القسم أمام رئيس الجمهورية، أنه ضرورة دستورية، أصرّينا عليه لكن لم يُنجز كجزء من تعمّد الحكومة في ممارساتها السالبة تجاه الإتفاقية.

ما هو تفسيرك لمثل هذه الممارسات؟
• بشكل عمومي هذا يندرج ضمن إطار تقنين مبدأ التقاسم والممارسة الجائرة للسلطة، لكن القصد المباشر في تقديري هو عدم النشر الإعلامي بما يوحي للعامة والخاصة بأن السلطة الإنتقالية الإقليمية لدارفور والتي جاءت بموجب إتفاقية أبوجا عقب ثورة من أبناء دارفور، بأنها سلطة حقيقية ويمكن أن تؤسس قانونها وتمارس سلطاتها بغض النظر عن إختلاف الآراء في حجم تلك السلطات.

وماذا عن بقية الدستورين الذين تم تعيينهم بموجب إتفاق أبوجا هل منهم من ادى القسم إم أن التهميش كان شاملا وعادلا؟
• كبير مساعدي رئيس الجمهورية ووالي غرب دارفور ووزيرا الدولة بوزارة الحكم الإتحادي ورئاسة مجلس الوزراء أدوا القسم أمام رئيس الجمهورية وظلّوا مهمشين.

فور مغادرتكم السودان وإعلان إستقالتكم من رئاسة الصندوق، أوردت صحف سودانية ومواقع إخبارية بيانات تشكك في نزاهتكم وتتهمكم بالإستيلاء على مبالغ تخص الصندوق، هل من توضحيات في هذا الخصوص؟
• قناعتي بأن ذلك جزء من حملة متعمدة وفاشلة لتشويه السمعة وقد رديت عليها كما رد عليها كثيرون لهم دراية بشخصي، أما السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا صمتوا عن ذلك حتى أغادر السودان بينما كنت موجوداً بينهم لسنتين. ولماذا خرجت تلك البيانات في مواقع الإنترنت باسماء مستعارة. إنهم بذلك يهزمون أنفسهم والشفافية والعدالة. أنا ملّكت الرأي العام كل التفاصيل المالية للصندوق بالمبالغ الواردة والمنصرفات في منتديات عامة وشفافة غير مسبوقة من أي جهة في الدولة، عقدتها في الخرطوم وفي دارفور جمعت الآلاف من أبناء دارفور وغيرهم وذلك قبل سفري، وهي موثقّة بالصوت والصورة، بل أن المراجعة الداخلية بوزارة المالية قد راجعت الصندوق أيضاً قبل سفري وأصدرت تقريرها بالإشادة بأداء الصندوق المالي، ومجلس الولايات أصدر تقريره بالإشادة، وقد أكملت إجراءآت مذكرة التسليم والتسلّم قبل سفري. مَن مِن المسئولين في عالمنا الثالث يفعل ذلك. الشيء الثاني، دعنا نجاري تلك الإفتراءات، ما الذي يجعل شخص بدرجة وزير في العالم الثالث يترك كل تلك الإمتيازات ويترك الدولة التي تحمي المسئولين المختلسين والمفسدين ماليا والمتلاعبين بالمال العام بل وتكرّمهم وتنقلهم مترقين من موقع إلى آخر ليأتي إلى بريطانيا ويقدّم اللجوء ويعاني أبناؤه خلال فترة طلب اللجوء وانتظار النتيجة من ضياع فرص الدراسة الجامعية، لماذا لا يذهب إلى أي دولة ويستمتع بتلك الأموال المزعومة ويعلّم بها أبناؤه في أرقى الجامعات. الحقيقة أنا أريد أن أقول إذا قدّر لي يوماً أن أفكّر في مد يدي في محاولة لإختلاس المال العام، فأنا على قناعة بأنني سأموت أو تقوم القيامة قبل أن تصل يدي إلى ذلك المال وكفى.

ضمن سلسلة مقالاتكم "ويسألونك عن الإعمار والتنمية في دارفور" أوردت ضمن مبررات الرواتب والمخصصات المرتفعة لمنسوبي الصندوق، الحد من الفساد المستشري في الخدمة المدنية ألا ترى أن هذا المبرر واهي وغير علمي؟
• أنا قلت أن ضمن جملة أسباب تمييز رواتب السلطة الإنتقالية أن الراتب عندما يكون قادراً على الموازنة بين دخل الفرد وحاجياته المعيشية الضرورية، وهو الخلل الموجود في الهيكل الراتبي للخدمة المدنية، هذا الأمر يعفّف الفرد من التفكير في الإختلاس والفساد المالي، الذي هو إذا بدأ فيه الفرد لن يكتفي بالتوقف عند سد فارق الحاجة وإنما يتحول إلى نهم لا حدود له. وذكرت أيضاً أن من بين أسباب إرتفاع الرواتب هو أن عقود العاملين في السلطة الإنتقالية خالية من فوائد ما بعد الخدمة ومن المعاشات والتأمين، وهي عقود محكومة بأجل محدود، كما أن البرنامج المأمول منهم تنفيذه محكوم بأجل محدد هو الفترة الإنتقالية للإتفاقية. والرواتب بتمييزها ذلك تُوازن بين كل هذه المعطيات وتدفعهم للعمل بجد لإنفاذ البرامج. لكن قطعاً الفساد المالي له أسباب عديدة ومنها الحكم الرشيد والمحسوبية وغياب الرقابة الإدارية وضعف القوانين وغياب الردع القانوني وغيرها كثير.

إلى أي مدى نجح هذا الإغراء المالي في الحد من التجاوزات المالية؟
• نجاحه يقاس بقدر ملئ هذا الإغراء المالي لفجوة غياب المعالجة للعوامل الأخرى التي ذكرتها في شأن التجاوزات المالية في السؤال السابق.

كرئيس للصندوق ماذا فعلت للتغلب على التجانس الهش بين منسوبي الصندوق الذي أشرت إليه؟
• أنا تحدثت عن عدم تجانس أعضاء مجلس السلطة وليس منسوبي الصندوق.

بصفة عضويكم في هذا المجلس أي مجلس السلطة الإنتقالية الإقليمية وإلمامكم ببواطن الأمور، فيما التنافر بين عضويته؟
• إختيار بعض المفوضين لم يكن متوافقاً مع ما نصّت عليها الإتفاقية، فالإتفاقية تعطي حق الإختيار لرئيس السلطة الإنتقالية، ورئيس الجمهورية يصدر مراسيم التسمية، وما تم لم يكن متّسقاً مع هذا المنطوق. كما أن إثنين من الولاة الثلاثة ورغم أنه تم إفهامهم حدود السلطات والصلاحيات بين السلطة الإنتقالية وحكومات الولايات وأن السلطة الإنتقالية ليست بديلاً للولايات، وأن مهمتها محكومة بأجل، بل يعتبر إلى حد كبير تمييزاً إيجابياً داعماً، إلا أنهم ظلّوا أمناء لمشروع الحكومة في عرقلة العمل داخل مجلس السلطة من المنظور الضيق باعتبارهم يعملون لصالح المؤتمر الوطني وبالتالي المواطن ليس من همومهم.

ذكرت حتى يوليو 2008 قد تلقى الصندوق 1% من إجمال المبالغ المخصصة تولى بقية المفوضيات الاخرى مع رئاسة السلطة نسبة 0.58% باي حق يصرف الصندوق على هذه المفوضيات والمبالغ مخصصة للإعمار والتنمية؟
• الإتفاقية تنص على أن الصندوق هو الذي يوفر موازنة مشروعات المفوضيات التي أشرت إليها، وبخلاف نصوص الإتفاقية، فإن مشروعاتهم مفترض أنها جزء من العملية التنموية، لأن التنمية مجموعة تفاعل وتكامل لعوامل ملموسة هي المشروعات المجسّدة، وعوامل محسوسة تشمل كل ما هو غير مجسّد مادياً.

هل بالإمكان أن تحدد لنا نسبة المبالغ التي صرف كرواتب ومخصصات لمنسوبي الصندوق من إجمالي المبالغ المستلمة؟
• الرواتب وميزانيات التسيير والمشروعات الخاصة بمؤسسات السلطة الإنتقالية وبينها الصندوق (الفصل الأول والثاني والثالث) ووفق الإتفاقية ليست ضمن المبلغ المخصص للإعمار والتنمية والمحددة في الإتفاقية بمبلغ 700 مليون دولار. هذه ووفق الإتفاقية فأن موازنة تسيير السلطة الإنتقالية توفرها وزارة المالية وبالتالي ليس لها علاقة بأموال الإعمار والتنمية.

هل هذا يعنيى إن منسوبي الصندوق يقبضون رواتهم الأساسية من وزارة المالية ومع ذلك هم محرومون من فوائد ما بعد الخدمة التي تدفعها لهم إدارة الصندوق؟
• السلطة الإنتقالية وضعت موازنتها ومن ضمن ذلك هيكلها الوظيفي والراتبي وهو هيكل موحّد لكل مفوضيات السلطة الإنتقالية بما في ذلك الصندوق، وقد تم مناقشة كل ذلك وإجازته في اللجنة العليا لإنفاذ الإتفاقية والتي تضم الحكومة والحركة وبرئاسة الإتحاد الأفريقي (الوسيط) الذي كان يرأس إجتماعات اللجنة العليا المشتركة لإنفاذ الإتفاقية حين كنت رئيساً للجنة من طرف الحركة، كذلك تمت المناقشة والإعتماد في وزارة المالية وديوان شئون الخدمة بعد ذلك تم تطبيقه. وظلّت المالية توفر تلك الموازنه كل شهر. الحكومة عندما وافقت على ذلك الهيكل الراتبي المميز في كل المراحل لأنها تُبيّت النيّة باعتقادها بأنها ستُحمّل ذلك على أموال الإعمار والتنمية لتقول لاهل دارفور بأن أموال الإعمار والتنمية صُرِفت مرتبات، ولما بدأ التطبيق أعلنت نواياها لكن نحن كنا نعلم أن البند المُفسّر لرؤيتنا واضح في الإتفاقية، وبعد سجال إمتد حتى داخل المجلس الوطني، تراجعت الحكومة لأن حجّتها واهية، فقد سبق السيف العزل.

وهل يشترط على الملتحق بإدارة الصندوق إن يسيتقيل من وظيفته السابقة وليس متاحاً له فرصة التفريغ المؤقت أو أخذ إجازة بدون مرتب؟
• لا يشترط وإنما يطلب منهم إحضار خطابات موافقة بالإنتداب من جهات عملهم حتى نتمكن نحن وتتمكن جهات عملهم السابقة من توفيق الوضع مع لوائح الإنتداب.

القوائم المالية للصندوق هل نشرتموها بعد مراجعتها من المراجع العام؟
• المراجع العام هو المخوّل قانوناً بنشر نتائج المراجعة المالية بشكل عام، والصندوق عمل وفق مقتضيات اللوائح المالية والتزم الدورة المستندية نصاً وروحاً، وتقارير المراجعة أشادت بذلك، ونحن ملّكنا بشفافية كل وارد ومنصرف الصندوق لأهل دارفور في منتديات مفتوحة عمّها الآلاف من أبناء دارفور بمختلف فئاتهم التخصصية والإجتماعية في الخرطوم وفي دارفور وكانت هناك نسخ كاملة لكل الحضور.

بالإمعان في البرامج والمشروعات التي نفذها الصندوق يلاحظ دعم مادي مباشر لعدة مشروعات ومرافق خدمية بالإقليم، مع الأخذ في الإعتبار شيح المبالغ المستلمة هل تعتقد أن مثل هذه المساعدات بإمكانها أن تحدث تغييراً ملموسا في واقع حياة إنسان دارفور؟
• التغيير الملموس للواقع في دارفور يتم من خلال عمل ممنهج وخطة إستراتيجية للتنمية، ونحن في الصندوق وضعنا تلك الخطة الإستراتيجية وأشركنا في مناقشاتها أكثر من ألفين من مختلف شرائح أبناء دارفور المهنية والإجتماعية ضمن أكثر من خمسين ورشة عمل عُقِدت تباعاً في الخرطوم وفي ولايات دارفور. وقد غطّت تلك الخطة القائمة على تحديد موقع دارفور التنموي بين أقاليم السودان الأخرى أولاً، ومن ثم تحولت الخطة إلى برامج ومشروعات. دعمنا لمشروعات خدمية في الإقليم هو ضمن الشق الخاص بمرحلة الإنعاش التمهيدية لما بعد الحرب، وهي الإنعاش وإعادة الإعمار ثم التنميةRecovery, reconstruction and development وهو تجسيد عملي لمضمون ما تم خلال عمل البعثة المشتركة لتقييم إحتياجات دارفور بعد الحرب (JAM). ولتحقيق التنمية يصبح حتمياً التفاعل مع مرحلة الإنعاش وإعادة الإعمار.

أليس من الأجدى التركيز علي أساسات مشروع تنموى طموح يوفر فرص العمل ويدر عائد مادي للصندوق يمكن بالبناء عليها مستقبلا بدلاً من تشتيت الجهود؟
• الصندوق ليس مؤسسة إستثمارية وبالتالي لا يمكنه إقامة مشروعات ربحية، وهو ليس مؤسسة بديلة للوزارات الولائية ولا الإتحادية، ولا يلغي الخطط التنموية لتلك المؤسسات، هو مؤسسة معنية بتنفيذ عمل محدد مرتبط بمرحلة ما بعد الحرب، أي تضميد الجراح الخدمية والإعمارية ثم تمكين الإقليم من الإستفادة من مشروعات تمييزية تلحقه برصيفاته من الأقاليم التي سبقته تنموياً، وهذا في ظل أي حكومة رشيدة، يجب أن يمضي موازياً للخطة التنموية القومية المُوجّهة للإقليم والخطط الولائية المماثلة.

ما هي مساعيكم لإستقطاب دعم خارجي للصندوق؟
• إستقطاب أي دعم خارجي لتلبية الحاجات التنموية لما بعد الحرب في دارفور لا يختلف عن الأمثلة الإقليمية والدولية، وهو يقوم على ركيزة إعداد مشروعات متكاملة وملبّية لمعايير البنك الدولي، نحن حققنا معايير البنك الدولي في مشروعاتنا التي راجعها 13 خبير من البنك الدولي عند لقائنا بهم في زيارتنا الرسمية إلى مقر البنك في واشنطون. أما مساعينا العملية للإستقطاب، فقد بدأت بتهيئة الدول منذ أن كنا في أبوجا، مؤتمر المانحين المقرر إنعقاده في نوفمبر 2006 أجّلته المجموعة الدولية بحجة أن السلام في دارفور لم يكتمل، وفكرة إقامة مؤتمر مانحين للدول العربية هي فكرتنا وعرضناها على الجامعة العربية منذ أن كنا في أبوجا وساهمت قوانين العلاقة بين الدول والمنظمات الإقليمية أن تتمكن الحكومة من وضع اليد على مخرجاته، ومؤتمر المانحين للدول الإسلامية أيضاً مبادرتنا ونفس التعقيدات ساعدت الحكومة على وضع يدها عليه، وتقدمنا للإتحاد الأفريقي وبعض الدول الافريقية لتبنّي عقد مؤتمر مانحين أفريقي لدارفور لكن لم تجد المبادرة الإستجابة. أما المساعي الثنائية على مستوى الدول والمنظمات فقد كانت عديدة وبعضها أثمر، ومنها مشروعات بنك التنمية الإسلامي، والصندوق العربي للإنماء الإقتصادي. والحكومة ما وضعت يدها على مخرجات مؤتمرات المانحين تلك إلا لإدراكها بأن تلك الأموال إذا ما تم توريدها في حساب الصندوق فإنها ستتحول إلى مشروعات حقيقية على الأرض وهي لم تكن ترغب في ذلك.

صف لنا عينة من ثمار تلك الجهود
• مشروعات منحة بنك التنمية الإسلامي الخاصة بالمياه والتعليم والصحة وهي في حدود 10 مليون دولار وأعتقد هي الآن على مشارف الإنتهاء حسب المعلومات المتوافرة لدي، ومشروعات منحة الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي بقيمة 8 مليون دولار وهي الأخرى في نفس المجالات وقد شارفت الإنتهاء. ومشروع بناء مقر السلطة الإنتقالية بالفاشر بمبلغ 8 مليون دولار وهو من تمويل سعودي وهو تحت التنفيذ الآن، ومشروعات مياه الجنينة والفاشر وشبكة مياه نيالا من تمويل صيني، وقد تم البدء في التنفيذ رغم اختلاف التصور الذي كنا قد وضعناه لمعالجة مشاكل المياه في هذه المدن على مدى 50 سنة قادمة. نحن تمكّنا من إيجاد موافقات من جهات دولية بتمويل مشروعات بمبالغ تتجاوز 500 مليون دولار بقروض ميسّرة تسدد على مدى 20 عاماً لكن الحكومة حالت دون إستكمال ضمانات بنك السودان. هيأنا فرصاً واسعة لإستقطاب الدعم الخارجي ولكن الحكومة وقفت عائقاً أمام كل ذلك فقط لأنها أدركت أن كل ذلك سيتحول إلى مشروعات ملموسة سيعيشها المواطن على الأرض، وذلك كان يرعبها من حركة قادمة لتتحول إلى حزب سياسي، بيد أن أولويتنا كانت معالجة إحدى أسباب النزاع.

من إستلم الـ 250 مليون دولار التي تمخضت عن مؤتمر المانحين العرب لدعم قضة دارفور؟
• ج. نحن في الصندوق لم نستلم دولار واحد منه، وربما تجيب الحكومة عن السؤال.

كجهة معنية هل سألتم عنها الحكومة والجهات المانحة وماذا كانت الإجابة؟
• ج. بالطبع استنفذنا كل الوسائل لكن نهج الحكومة معروف، فهي تتعامل بمنطق (أنا أملك السلطة) والحركة لم تكن تملك ضمانات فرض رؤيتها في تنفيذ الإتفاقية وقد نبهنا إلى مثل هذا الموقف قبل التوقيع. أما الجهات الدولية المانحة فهي محكومة بقواعد العلاقات بين الدول وليس مع الحركه، أي دعم أو تمويل منها يمر عبر وزارة المالية وبنك السودان ولعلها اكتفت بدورها في المتابعة إلى ذلك الحد.

هل ملكتم الرأي العام وإنتم على رئاسة الصندوق بأن النظام يقتات بقضية إنسان دارفور؟
• فعلنا ذلك كثيراً عندما كنا على رئاسة الصندوق ومن خلال كل المنابر، وما زلنا نفعله الآن على صعيد التوعية العامة، وآمل أن يكون قد استوعبوه.

هب أنك إستملت مبلغ الـ 700 مليون دولار الذي حُدد في الإتفاق دفعة واحدة أذكر لنا مشروع كنت ستنفذه وأنت على يقين أنه سيخمد قدر من جذوة الشعور بالظلم لدى إنسان دارفور؟
• ج. كل المشروعات المستوحاة من الخطة الإستراتيجية للتنمية التي أعدّها الصندوق، والتي كما قلت سابقاً ساهم في مناقشاتها الآلاف من أبناء دارفور، هي مشاريع تخدم إخماد جزء من جذوة الظلم لدى إنسان دارفور لأن الخطة الإستراتيجية كانت عملاً متكاملاً بتكلفة قدرها 17 مليار دولار على مدى 7 سنوات.

رتب لنا ثلاثة منها من حيث الأهمية؟
• بإعتبار أن ثلث سكان الإقليم قد فقدوا المأوى وما زالوا نازحين ولاجئين، فالأهمية هنا هي كل المشروعات التي تؤمّن عودتهم إلى حيث كانوا بوجود مقومات الإستقرار، وهذه هي حزمة مجالات إسعافية وخدمية وتنموية قصيرة ومتوسطة المدى ومتوازية في الأهمية ثم تأتي المشاريع التنموية بعيدة المدى.

لماذا إستقلت من رئاسة الصندوق وعضوية حركة التحرير؟
• إستقلت من رئاسة الصندوق ومجلس السلطة الإنتقالية وأنا بدرجة وزير، أولاً لعدم رغبة الحكومة في تنفيذ ما التزمت به في الإتفاقية، وثانياً لأن نظام الحكم في السودان مصمم أصلاً على أن المواطن هو الذي يخدم الوزير وليس العكس، وهو نظام مقلوب. واستقلت من حركة تحرير السودان لأن النهج الذي رأت غالبية القيادة أن تسير فيه لا يُمكّن من إجبار الحكومة على تنفيذ الإتفاقية ولا يساعد على بناء تنظيم سياسي قادر على تحقيق تغيير في السودان.

ذكرت أن نظام الحكم في السودان مصمم أصلاً على أن المواطن هو الذي يخدم الوزير وليس العكس، وهو نظام مقلوب، ألم تدرك هذا قبل توليك المنصب الوزاري؟
• أعلم هذا الواقع قبل أن أتولى المنصب وأتركه. نحن ذهبنا كحركة رفعت رؤية تغيير، ورؤيتنا للتغيير تشمل أيضاً العمل على إستقامة هذا الوضع المقلوب، لكن التيار المعاكس كان أكثر عنفواناً على حركة دخلت المواجهة وهي تدرك بأن آلياتها للمواجهة كانت ناقصة، وهذا ما نبّهت إليه الحركة عند رفضي توقيع تلك الإتفاقية.

إين وجهتكم التالية؟
• لم تكتمل المعطيات لتقريرها.


كيف يمكن حل معضلة تحقيق العدالة وإحلال السلام في ظل إستمرار النظام الحالي؟
• أفضل الحلول بالطبع ذهاب النظام القائم ولكن ذلك لا يتأتى بالأمنيات، النظام الحاكم إستطاع أن ينتج عوامل إخماد كثيرة، واستخدمها لمصلحة بقائه أطول مدة، وتحقيق العدالة وإحلال السلام يحتاجان إلى قدرة المعارضة على فك شفرة تلك العوامل، وأيضاً ذلك لا يتأتى بالنهج البائد الذي تتبناه المعارضة الآن.

تعيين مولانا محمد بشاره دوسه وزيراً للعدل في هذه المرحلة برأيك هل يعتبر دعم لمظالم أهالي دارفور أو خصما عليها؟
• النظام لا يستهدف دعم مظالم أهل دارفور بقدرما يبحث عن بث إشارات لكسب تعاطف محلي ودولي، ومظالم أهل دارفور لا تقتصر على وزارة العدل، ولا على تعيين أبناء دارفور وزراء في وزارة المالية والتربية والتعليم وغيرها من الوزارات. الذي يتم الآن قائم على مبدأ الوصاية، ومن ثم فهو لن يعالج جذور الأزمة . جذور الأزمة يتم معالجتها من خلال مرحلة إنتقالية يتم فيها تقاسم عادل للسلطة والثروة لمعادلة الكفّة. ثم مرحلة ثبات واستمرارية تُؤسَس فيها دولة المواطنة التي تعكس مرآتها التنوع السوداني.

برأي إلى أي مدى تعتبر الـ ICC مسيسة؟
• الذين يتأثرون سلباً بقراراتها سيقولون أنها مسيّسة، وحين تكون قراراتها إلى جانبهم يصفونها بأنها مستقلّة، لكن بشكل عام المؤسسات الدولية كلها لن تخرج عن إطار مؤثرات النفوذ المتاحة للدول وفق مقدراتها، حيث إنها لا تسبح في كوكب آخر.

بصفتكم مستشاراً تفاوضيا للحركة التحرير والعدالة، ما هي ملاحظاتكم على نهج منبر الدوحة التفاوضي؟
• أرجو أن يكون معلوماً بأنني أكّدت مراراً بأنني لست مستشاراً لحركة التحرير والعدالة أو غيرها، لكنني لن أتردد في إعطاء النصح إذا طلبته أي جهة، وليس بالضرورة أن تعكس تصريحات أو قرارات أي جهة طلبت النصح مني، آرائي إلا فيما يتطابق، وقد يأتي التطابق مصادفة، فالجميع يتعامل مع الأزمة ويملك القدرة على إنتاج آراء مماثلة أو موازية أو متقاطعة. ملاحظاتي على منبر الدوحة يمكن إيجازها في عدم شمول المنبر لكل الحركات، وغياب أو عدم تفعيل آليات الإلزام لدى الوساطة، وغياب كبير للمجتمع الدولي والإقليمي، وطول بقاء الوفود مما أفقد العملية التفاوضية بريقها، وهيمنة البلد المضيف على الملف أكثر من مضمون الوساطة المشتركة.

بإي قدر أفسد الكرم القطري المفاوض الثوري الدارفوي؟
• هذا يعتمد على فهم المفاوض الثوري الدارفوري لحدود الضيافة.

خلال محادثات أبوجا هل كانت هنالك نثريات للمفاوضين؟
• الوضع في أبوجا خلاف الوضع في قطر، أولا لم تتجاوز جولة المفاوضات الواحدة في أبوجا أكثر من ثلاثة أسابيع، وبعضها أسبوعين فقط، عدا الجولة السابعة وهي الأخيرة وقد استمرت ستة أشهر ونصف. في أبوجا يُعطىَ الفرد مبلغ 85 دولار في اليوم شامل التغذية وأي ضرورات أخرى، وتخصم الحركة جزء من هذا المبلغ ويُرسل للميدان، أما ما تبقىَ فلا يكفي الفرد ثلاثه وجبات في الفندق، لذلك كان الغالبية يتناولون وجباتهم في المطاعم الشعبية خارج الفندق، والبعض يكتفي بوجبتين ليتمكن من توفير القليل لضروريات أخرى، أو بعثها لمن يعولونهم، خاصة الذين لديهم أسر وأطفال. والجميع راضون مقارنة بحال النازحين واللاجئين.

الوثيقة المقدمة من الوساطة للوفد التفاضي بالدوحة، ما الفرق بينها وبين وثيقة إتفاق أبوجا؟
• الفرق أن هذه من الدوحة وتلك من أبوجا. الواقع كما قلت أن جوهر الأمر أصبح يتعلق بضمانات التنفيذ أكثر منه بما هو داخل الوثيقة، ولعل تجربة الحركة الشعبية مع النظام رغم جودة الإتفاق بالنسبة للجنوب، إلا أن تنفيذه جاء بعد مخاض عسير، وأحياناً قتال سياسي وعسكري، وتهديدات دولية، وأحياناً إغراءآت. وهذا يؤكد صدق ما أقول مِن أن الأمر الآن بات يتعلق بضمانات التنفيذ التي قطعاً ليس من بينها وعود الحكومة. الشيء الثاني هو أن الحركات الآن لديها تجربة أبوجا، تدرسها وتستفيد من التجربة إذا كانت تبحث عن حقوق أهل دارفور، أما إذا كانت تبحث عن مناصب ووظائف يوقّعوا ويذهبوا إلى الداخل، فالحكومة جاهزة لمنح ذلك. أي إعتقاد آخر هو دفن رؤس في الرمال.

هل اُستشرت من قبل قادة التحرير والعدالة بشأنها، وبماذا نصحتهم
• آخر مرة طلبت مني حركة التحرير والعدالة إستشارة هو عندما ذهبت إليهم في الدوحة قبل عشرة أشهر ونصحتهم بأن لا يوقعوا منفردين، ولا يوقعوا أي إتفاق دون ضمانة جيشهم. من حينها لم يطلبوا إستشارتي في شيء. لم تتم إستشارتي في الوثيقة من أي جهة ولم تُرسل لي وإنما تحصلت عليها من خلال أصدقاء هنا في بريطانيا.

هل تعتقد أنهم سيعملون بنصيحتكم؟
• ما يرشح من معلومات عامة لما يجري لا يتوافق مع نصحي.

برأيك لماذا هم متحمسون على التوقيع؟
• هم وحدهم يستطيعون الرد على هذا السؤال، أما رأيي فيبقى قاصراً في ذلك من حيث المعطيات المتوفرة لدي عما يجري بداخلهم.

ماذا وراء العراك الأفريقي بشأن ملف دارفور؟ أعني باسولي وأمبيكي
• ربما فوائد جمّة يعلمونها هم.

صف لنا علاقتكم حالياً بالسيد مني؟
• علاقة إجتماعية دائمة، وعلاقة رفيق درب سابق في حركة وآخر باقي فيها، وعلاقة رفقاء درب باقين وماضين لإنجاح قضية واحدة.

مدير مكتبه بالقصر إستقر موخراً هنا ببريطانيا هل لديكم تواصل؟
• نعم لدينا تواصل، وهو لم ينقطع أصلاً إلا بقدر المشغوليات.

ما هي خطورة تجاهل النظام للعائدين من ليبيا خاليّ الوفاض، والهاربون من جحيم الإنتفاضة الليبية؟
• العائدون من ليبيا خالي الوفاض في تقديري تعتبرهم الحكومة قد نجوا من الشراك التي نصبتها لهم بإعلان وزير الخارجية حين قال أنهم يحاربون كمرتزقة مع قوات القذافي، وبالتالي لن تنجيهم بعد أن وقعوا في حبالها. ستخيّرهم أمام أمرين، إما الإنخراط في كتائبها وليس بالضرورة العسكرية، أو مواجهة الفاقة المدبّرة. تصرفات النظام مع الشعب الآن هي تماماً كما يفعل الثور الإسباني مع المصارع (المتادور) لكن المتادور الإسباني البارع ينهي المصارعة لصالحه، والشعب في حاجة إلى تجويد فن المتادورية.

بصفتك السابقة كأمين سياسي للحركة هل تطرقتم لموضوع تعويض الأهالي الذين إستولت الحركة على سياراتهم عنوة وبدون وجه حق؟
• رغم أنني أوضحت في كثير من أحاديثي وفي منابر عديدة، أن من مسالب الحركة وكل حركات دارفور هو أن ما كان يجري في الميدان بما في ذلك العمليات العسكرية لم يكن متاحاً للسياسيين العلم بتفاصيله، بالإضافة إلى غياب الإدارة المدنية المتمكّنة للمناطق المحررة. كل ذلك كان من عوامل الإخفاق، إلا أنه ولحد علمي أن غالب الذين أُخذت سياراتهم لضرورة الثورة قد تم إعطائهم مستندات في حينها تمكّنهم من التعويض لاحقاً، وأن الحركة كانت قد شكّلت آلية للنظر في معالجة مثل تلك الإشكاليات بعد الإتفاقية، لكنني حتى الآن أعلم أن أحد أعمامي من الذين استولت الحركة على سيارته قبل سبعة سنوات لم تتم معالجة موضوعه، في تقديري أن كثيراً من الذين صادفتهم من المتضررين، أدركوا صدق نوايا الحركة ورغبتها في تعويضهم، ويدركون أن الموقف المالي الضعيف للحركة ربما يكون أحد المعضلات، وهو ما جعلهم يستبطنون ثنايا اليقين حمداً بأنه إذا تحسّن الموقف المالي للحركة فإنهم سيُعوّضون يوماً، وآمل ذلك.

هنالك حديث مفادة أن رجال الأعمال الذين صرفوا على الحركة في بداياتها قد تلقوا مبالغ من مخصصات الحركة المستلمة من الدولة والبعض منهم منحوا تسهيلات تجارية مدى صحة هذه الأحاديث؟
• لا علم لدي بمثل هذا الشيء على الأقل خلال تواجدي في الحركة.

مواقف قيادة الحركة من هجوم قوات الأمن على منسوبيها بالمهندسين هل كانت مرضية لكم؟
• إن كنت تقصد بقيادة الحركة رئيسها أو بالقيادات العليا للحركة وأنا ضمنهم حيث تخضع المعالجة لرأي الغالبية، فهي ليست مرضية. أما إذا سئلت عن موقفي فقد كان لي رأي مخالف لم يجد قبولاً.

هل تعتقد أن دولة الجنوب المرتقبة مستعدة لتحمل تبعات تواجد ثوار دارفور في أراضيها أم من الجائز أن تكرر معهم السينايو التشادي؟
• ليس بعد.

كلمة أخيرة توجهها لقادة ثوار دارفور عموما من أجل توحيد المقاومة ونصيحة خالصة من خبير مجرب ألاعيب النظام للمفاوض الثوري بالدوحة
أقول لقادة ثوار دارفور أن يلتزموا بتنفيذ مضمون نشيد التحرير الذي اعتمدناه وكان النشيد الرسمي للحركة وهو شامل كل رؤى الثوار باختلاف تنظيماتهم، والإلتزام بمضمونه لا يتأتى إلا بتقديم التنازلات لبعضهم البعض، وبغير ذلك تطول معاناة الذين هم في النزوح واللجوء ويضيع مستقبل المزيد من الأجيال الناشئة، وسيتمكن منهم (الهرم) على ما هم عليه من شتات.
موكب التحرير ماضٍ لا يهاب الردىَ
صوب غدٍ مشرقٍ بالغيه وإن غدا
دارفور مهد الجود أرواحنا مهر الفدا
نزود عن حِماك ونرد عنك العدا
الظلم مهما طغىَ ندكّه وما مضى
ونحفظ السودان وطناً شامخاً موحّداً أبدا
ونبني مجد أجيال تعيش عزاً سرمدا

بيد أننا يجب أن نستدرك بأن الجنوب قد مضى لأننا لم نحسن العمل بمضمون النشيد.
أما للمفاوض الثوري في الدوحة، السعيد من اتّعظ بغيره والشقي من اتّعظ في نفسه.
وأشكر صحيفة آفاق جديدة على إجراء هذا الحوار وأتمنى لها كل إزدهار. وآمل أن أكون قد وفّقت في هذا الحوار بما يخدم القضايا محل الحوار.
إنتهى.

ليست هناك تعليقات: