الثلاثاء، يونيو 09، 2009

أين وصلت حقارة المركز للهامش

أين وصلت حقارة المركز للهامش
ما هزّ في نفسي وأرّق مضجعي خلال متابعتي الشهر الماضي لفصول تراجيدا نساء سوق قندرهار (سوق الناقة الجديد) بمحلية دار السلام إستغاثة إحدى المستضعفات قائلة وسط شلالات الدموع " ما تفتكروا أنا بيبكي عشان الرزق ، أنا بيبكي عشان الحقارة ، لقونا نسوان مكسرات ، داسو علينا" هذه المسكينة لسان حالها تقول وا معتصماه ولكن لا حياة لمن تنادي ، هذا الحديث ليس حديثا عاطفيا ولعل الحقيقة لو لا غياب الرجال الذين لديهم الإستعداد للتصدي للظلم بفتح صدورهم للعسكر بدلا من صدور نسائهم ، ولو لا مهابة الشباب للمعتقلات وإنصراف التنظيمات الحقوقية للقضايا ذات البريق والتمويل الدولي ، لو كل هذه الخيبات لما ذهبت هذه الإستغاثة المؤلمة من إنسانة مهمشة وإمرأة مهيضة النجاح أدراج الرياح ، لذلك ليس مستغربا أن تنطلق الزغاريد من وسط أحياء المهمشين بأمدرمان أثناء عملية الذراع الطويل.

(تجريسة) الشارع السياسي من المواجهة أغرت النظام لتنفيذ ما بدت لها من وسائل التنكيل والإذلال تجاه شرائح تبدو مكشوفة الظهر مقهورة الإدارة لا حول لهم ولا قوة إلا برب العز والجلالة ، السلطات المركزية تدوس على صدور نساء مستضعفات (ببوت) عسكرها القذر لتنزع حقوقهن دون وازع على مرأى ومسمع من أزواجهن أو أبنائهن أو إخوانهن ، لو لا هذه الرجولة المنزوعة الشهامة لما تجرأت سلطات محلية دار السلام على مصادرة عناقريب نساء الهامش بسوق قندرهار لتقوم بتأجيرها لهن مرة اخرى بكل قوة عين لصالح رأسمالي طفيلي يتمتع بحماية بالسلطة المركزية الجائرة ، ولكن لابد لليل الطويل إن تنجلي.

إنني على يقين أن ما أقدمت عليها محلية دار السلام بأمبدة لا يمكن للسلطات المسئولة عن دار السلام بالخرطوم جنوب مجرد التفكير فيها لأن نساء الهامش هنالك محروسات بالسلاح ورصيد نضالي معتبر وأن الرجال بتلك البقاع لا يزال دمائهم حارة ولا يتعاطون المياة المثلجة ، هل سمعت في بلاد الله الواسعة أو قرأتم في تاريخ الدكتاتوريات الغابرة أن السلطات تصادر حقوق مواطناتها ومن تستفسر عن منطق المصادرة تشد وثاقها ثم توضع في الحبس؟ هل يعقل لدولة تصدر يوميا 600 ألف برميل بترول تتولى تأجير مقاعد الجلوس بمقاهي شريحة بعينها لو لا الإستهداف الفج؟ لماذا لا تعمم هذه الوسائل الضريبية بكافة مقاهي ولايات الخرطوم؟ أم أن العناقريب موجودة في قندرهار فقط؟ هل يعقل من دولة ترفع شعار الإسلام وتتبنى سياسات التحرير الإقتصادي إن تلزم تجارها بتأجير أثاثات محالهم التجارية من جهة بعينها دعك عن تكسيرها بالفؤوس ثم مصادرتها؟ ومن أطلق العنان لسلطات محلية دار السلام الجشعة لتنفذ ما تجود بها قريحتها في سبيل إستنزاف الأوضاع المعيشة والإمعان في التنكيل بهذه الشريحة؟

العفوية الإدارية مستبعدة كليا في ثنايا هذه الملهاة بالتمعن في سلوكيات السلطات المركزية ، فهي ليست على جهالة بإنتماءات سكان محلية دار السلام والعاملات بسوق قندرهار على وجه الخصوص ، وكما إستهدفت من قبل رجال سوق ليبيا وسوق أبو زيد بإجراءات تعسفية ممنهجة ، لم يبقَ لها سواء مواجهة النسوان والإستقواء عليهن دون رحمة بفرض نظام جباية مقيت للغاية ، ومثل هذه الممارسات لا تفرخ سوى الحقارة والذل ، وهذه أحدى وقود ثورات الهامش المسلحة . أكثر من صاحب بقالة وجزار تم إعتقالهم بسبب إحتجاجهم على مصادرة العناقريب الخاصة بهم أفادوا أن السلطات وجهت لهم تهم معارضة النظام وهذا هو بيت القصيد السلاح المسلط على رقاب ساكني هذه الأحياء الهامشية ، وفي خضم هذا الإستهداف الممنهج ليس مستبعدا أن تصادر هذه السلطات القمعية الرخص التجارية من اللائي يرفضن تأجير العناقريب من تاجر الدولة إن إخترن الجلسات الأرضية أو المجالس العربية والمساند لزبائنهن.

تقول السلطات أن ما يجرى في سوق قندرهار تنظيم للسوق وهذه مبررات مخجلة للغاية ، تصادر العناقريب لتضع عليها أرقام ضريبية ثم تقوم بتأجيرها لأصحابها ، أين التنظيم هنا ، لابد من تضامن قوى الهامش من أجل هدم قلاع الظلم وطغيان المركز إلى الأبد ، كلما أمعن النظر في دموع الغلابة وأحدق في أكف المستضعفين المرفوعة إلى رب السماء إزداد يقينا أن نظام الإنقاذ قد دنى خرابها ، فقد أضحت تطبيق العدالة المهدد الأول لبقاء رجالها على سدة الحكم.

ومن تقع عليهم مسئولية الدفاع عن حقوق هذه الشريحة أمام السلطات هي منظمات المجتمع المدني من محامين وحقوقيين وتنظيمات المرأة بالداخل والخارج ، وتكتلات نواب الهامش والصحفيين الشرفاء بالصحف الورقية المواقع الأسفيرية ، كما يجب على الحركات الثورية عدم السكوت على مثل هذه الممارسات الوحشية وتوجيه رسائل مؤازرة لهذه الفئة تأكيدا على إهتمام الثوار بهذه الشرائح الأساسية في مجتمعات غالبيتها تعيش تحت خط الفقر وأصبح الإبتكار في وسائل التنكيل بها مكان مزايدة رجالات النظام ولا مناص من إفهام المركز أن هذه الشرائح ليست مكشوفة الظهر كما يعتقد.

"لقونا نسوان مكسرات داسوا علينا" نظام تكسر عظام نسائها ثم تدوس عليهن الواجب تحتم مقاومته بكافة السبيل وباطن الأرض خير من ظاهرها لرجالهن ، والمجتمعات التي لا تحمي شرائحها الضعيفة ليست جديرة بالإحترام وليست من حققها إدعاء التحضر.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: