الاثنين، فبراير 09، 2009

شتان ما بين الإحتفال بعيد الإستقلال والتنادي بالإنتداب الدولي

تصريحات الدكتورة أحلام حسب الرسول مؤسسة حركة (حمد) المطالبة بالإنتداب الدولي للسودان لمراسل صحيفة الشرق الأوسط دفعني لإجترار وقائع إحتفال الجالية السودانية بجنوب لندن بالعيد الـ 53 لرفع راية إستقلال البلاد والتي أقيمت في العاشر من يناير المنصرم وسط حضور لا بأس به شارك فيه ممثلين عن قوى المعارضة الوطنية والحركة الشعبية ومندوب عن سفير السودان بالمملكة المتحدة وأيرلنده بالإضافة إلى المستشار الإعلامي للسفارة السودانية بلندن.

بلا شك تعتبر تصريحات الدكتورة أحلام ضرب من الجنون السياسي لها مبرراتها ، لولا إمتزاجها بمواقف متطرفة من رموز وطنية بعيدة كل البعد عن الشبهات ، بيد أنها قد صدعت بحقائق ماثلة ليس بإمكان أحد إنكارها ، منها أننا قد فشلنا في إدارة شؤوننا وإحتمال بعضنا البعض والحفاظ على وحدتنا ، بينما نحج المستعمر في ذلك.

لا أدري إن كان سوء مآل البلاد أو تطرف منظمي الإحتفال من رموز الإستقلال دعاة التعددية هو سبب إبتسار الحفل بذلك الشكل المخل ، حيث لم يفتح الله لأحد من مقدم البرامج وممثل الجالية ومندوب السفير بذكر أحد من صانعي الإستقلال أو رافعي علم البلاد ، لم يحيوا الأزهري والمحجوب ولم يذكروا السيدين عبد الرحمن المهدي وعلى الميرغني ولم يذكروا البطلين على عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ أو النائبين عبد الرحمن دبكه و مشاور جمعة سهل ، إختصروا الجميع في أجدادنا وأسلافنا الذين حققوا لنا الحرية ، حتى معرض الصور المصاحب للإحتفال خلى من لوحة رفع علم البلاد في الأول من يناير 1956م.

وربما لهذا الإخلال لم ينبس المستشار الإعلامي للسفارة بكلمة خلال هذه المناسبة وهو أكثر المعنيين بها حسب منصبه ربما يكون مترفعا أو مزدريا الحضور ، فقد إكتفي بالتفرج ثم إنسل.

البطل على عبد اللطيف رمز المقاومة الوطنية ضد المستعمر والسيد عبد الرحمن دبله مقدم مقرح الإستقلال من داخل البرلمان ومثنية السيد مشاور جمعة سهل جميعهم من أبناء الهامش ، بيد أن حكومة المركز لم يعد في حاجة إلى مناطقهم ، غابات الجنوب وجبال النوبة ، أحراش دارفور وصحارى كردفان.

أول مرة يجد السيد إسماعيل الأزهري نفسه مضراً لترديد شعار "عاش السودان حرا مستقلا" كان أمام حشود أهل الهامش في عد الغنم بجنوب دارفور ، ولا يزال أشواق السودان النيلي تشرئب إلى الإختباء خلف الإهرامات المصرية.

نبه ممثل حزب الأمة المعارض خلال كلمته ممثلي الحكومة والحركة الشعبية إلى أن إحتفالات البلاد بمناسبة الإستقلال هذه المرة والتي إنطلقت من مدنية ملكال تمت بسلام حيث أن إحتفالات 2008 بجوبا إنتهت بتشاكس علني بين المشير البشير رئيس الجمهورية ونائبه الفريق سلفا كير إنفض على أثرها سامر المحتفلين.

ممثل الحركة الشعبية وباسلوب رشيق أشار إلى أن الشعب السوداني إستقل قبل 53 عام ليستغل ولم يطمئن الحضور ولو بالتمني عن خيار الوحدة.

تألق الشاب متعدد الواهب محمد الطويل خلال الإحتفال ، فهو شاعر مجود دواخله مترعة بالحس القومي ومطرب غريد وعازف أورغان محترف ، يمثل شعلة ثقافية في ذاته رغم صغر سنه ، بصوته الصداح نقلنا إلى نفحات هذه المناسبة كما ينبغي فإنصهرت المشاعر مع أغاني العطبرواي وخلف الله حمد.

جالية جنوب لندن هي الوحيدة التي إنتبهت لمرور هذه المناسبة وإحتفت بها لذا فقد أشاد بها الحضور رغم الإخلال ، ولعل من حق المواطن السوداني في دول الشتات أن يتساءل إن كان من حقه أن تنظم له سفارة بلاده أو قنصليتها الإحتفالات بالمناسبات الرسمية أم أن ديدن هذه الممثليات الأخذ دون العطاء ، فالجاليات هي التي تتكفل بالنفقات المادية وتجتهد في جميع مستلزمات مثل هذه المناسبات بينما تكتفي السفارة بالتفرج تتخللها تثاؤب؟

مرشح الرئاسة الدكتور عبد الله علي إبراهيم تحفظ على الدكتور آدم الزين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم في إشارة الأخير إلى أن المستعمر نجح في توفير عناصر الولاية بدارفور بينما فشل نظام الإنقاذ في ذلك وهذه حقيقة حاول المرشح الرئاسي لي عنقه بقول "ومع سداد الاستعانة بالتاريخ طلباً للحكمة إلا أنني أتحفظ نوعاً ما حين تجري المقارنة بين حكم الإنجليز وحكم قائم افتراضاً على الاستقلال والمواطنة وحقوقها. فالإنجليز بشعون حين تتهددهم الخطر. فأنظر كيف حصدوا النوير الثائرين من عل بالبوارج الطائرة. علاوة على أنهم تصرفوا في الإدارة الإهلية كما شاءوا حين لم تأت على خاطرهم"

إستبشع المرشح الرئاسي إطلاق الإنجليز النار على ثوار النوير الأشاوس من عل البوارج الطائرة ونذكره بإفادات الاستاذ خالد أبو أحمد مجند الدفاع الشعبي السابق وأحد مقدمي برنامج في ساحات الفداء حيث أفاد

"كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.

وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يمحى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، إن كان مرشح الرئاسة لا يزال مشكك في القتل الجماعي والاغتصاب الممنهج الذي أرتكب في حق إنسان دارفور."

والمفارقة أن جنود المستعمر الغازي قد أطلقوا النار من عل بوارجهم على النيل الذي إكتشفوا منابعه وفاجأوا العالم بأن طول مجره يزيد بـ 107 كيلومترات عما كان يعتقد ، الإنجليز أطلقوا النار على ثوار النوير الذين إصطفوا لإعتراض طريقهم ، بينما نظام الإنقاذ يقتل ذات الأشخاص غدرا بإسم الإسلام والوطنية وهم نيام.

إستخدمت قوات المستعمر البوارج لإفصاح الطريق بينما إستخدمت قوات نظام الإنقاذ الغاشم طائرات الأنتونوف لدك أكواخ أهالي دارفور المشيدة من الهشيم ، ولم يسجل التاريخ أن المستعمر قد تحرش بفتيات السودان وهن يحتطبن أو برجاله وهو في المعتقل كما حدث للعميد الريح ، من الواضح أن الدكتور عبد الله يجهل أن سياسات الإنقاذ الهجاء قد أدلجت الإدارات الأهلية.
أستاذ التاريخ القديم يعلم أن الإنجليز قد إحتملوا أمير الشرق عثمان دقنه إحتفظوا به أسيرا وإكتفوا بنفيه إلى مصر ، لكنه قد يجهل أن شيخ الإسلامومين لم يحتمل رفيق دربه إلى سجون مايو المهندس داود بولاد رغم أفضالة المائزه على إخوانه المسلمين ، ولا أعتقد أن غريمه الطيب سيخه من فرط حقده قد سمح لأحد التكرم بالصلاة علي جثمانه الطاهر.

في مجال إحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته وسيادة حكم القانون ، المستعر أفضل من النظام الحالي والحساب ولد.

تقرير "مسبك" كتبه الصحفي أحمد يونس بعنوان: الأجانب يحكون البلاد ولا وجيع جاء فيه أن السفير البريطاني في الخرطوم إيان كلف قال لـ (الرأي العام) إن حوالي ثلث وزراء حكومة الوحدة الوطنية يحملون جوازات سفر بريطانية.

إذا إضفنا إلى هؤلاء الوزراء مزدوجي الجنسية إلى 36 ألف جندي أممي مسموح بتواجدهم في السودان غير موظفي المنظمات الأجنبية ، نجد أن ما تنادي بها الدكتورة أحلام حسب الرسول قائما عملياَ في السودان ولا داعي لحبسها في مصحة نفسية ، حتى الذين شرفوا إحتفال جالية جنوب لندن بأعياد لإستقلال أغلبهم من الذين إستجاروا من نار الأنظمة الحاكمة بنعيم المستعمر دون حرج.

تنامي أعداد العمالة الوافدة والترتيب لإستقدام فلاحين مصرين لإنعاش مشروع الجزيرة لهو دليل آخر على تراجع إنتاجية العامل السوداني نتيجة لإهمال الدولة لمجهوده وتقييم عرق جبينه ، أمثلة فشلنا لا تتسع لها المجال.

الشئ بالشئ يذكر فالمستعر ليس شرا محضا والحكومات العسكرية الأنظمة الشمولية لا خير فيهما ، دعونا من الشحن العاطفي الذي لا طائل منه.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: