الخميس، مايو 05، 2016

البشير في البي بي سي .. الكاذب لا يُصدَّق وإن صدق

البشير في البي بي سي .. الكاذب لا يُصدَّق وإن صدق

ظهر رأس نظام الإنقاذ عبر حوار البي بي سي الأخير معه، بصورة يرثى لها، وحالة تثير الشفقة، صوت مبحوح، ونبرة مرتجفة، زائغ البصر، حانق على المجتمع الدولي، بدا مثقلاً بالخطايا، محملاً بالأوزار، وقدم إفادات لا تقف على ساقين، ودفوعات لن تقنع خادم الفكي.
يريد أن يقنع من بأن قوات اليوناميد قد بُعثت بها لدارفور بسبب مواجهات الثوار مع قواته النظامية؟ هذه القوات حلت في دارفور لرصد تحركات وانتهاكات ميلشياته التي عاثت ـــ ولا تزال في أرض الحفظة والقران فساداً، من تقتيل وتشريد وممارسة عنف جنسي ممنهج، أتت اليوناميد من اجل حماية النازحين في معسكراتهم التي لا تزال تتمدد وتنتشر مع شروق شمس كل يوم جديد، حلت القوات الدولية لمراقبة المليشيات الحكومية التي ظلت تتبدل في مسمياتها وتتلون في استراتيجياتها، من تنكيل وإبادة وتهجير قسري ثم إحلال وتغيير للتركيبة الديمغرافية، فما الذي تغيير من هكذا اجرام لكي ترحل؟ مناقشة المجتمع الدولي إمكانية خروج اليونايتد، مبعثها التمهيد لتخليه عن مسئولياته في دارفور، وتراجع المنطقة في سلم اولوياته، ومن التوقع أن تتغير هذه النظرة بنهاية ولاية الرئيس الأمريكي السلبي والمتردد اوباما، والفوز المتوقع للجمهورين. آخذين في الاعتبار، صدور القرار الدولي 2265 من مجلس الأمن بالأجماع تحت الفصل السابع في العاشر من شهر فبراير الماضي، وبموجبه تعجز المليشيات الحكومية عن التحرك من مواقعها حتى في دارفور دون الحصول على إذن مسبق، ليس من قيادتها المركزية بل من لجنة الخبراء، واعتقد أن هذا القرار يشمل ضمنياً القاذفات الحربية ايضا. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القرار أيد كل المساعي والأعمال التي تقوم بها اليوناميد والآلية الأفريقية الرفيعة ومبعوث الأمم المتحدة.
محاولة رأس النظام، الربط بين الهدوء الحذر، والتراجع الهش للمواجهات العسكرية في الإقليم، باتفاق الدوحة، لا تقف على ساق، فالمعروف أن د. السيسي كون قواته على قلتها بعد الاتفاقية وليست قبلها، وأن قوات ابوقردا ودبجو كليهما تعتبران خصما من قوات حركة العدل والمساواة والتي تبدو انها تأثرت باستشهاد مؤسسها د. خليل عليه الرحمة، أكثر من انشقاق هذين الفصيلين المحدودين القدرات، او ارتدادات الاتفاق المشار إليه.
تحدث رأس النظام عن خطط لجميع السلاح في دارفور، فمن من يريد أن يجمع؟ هل لديه استعداد لحل مليشيات الدعم السريع، وتجريد قوات حرس الحدود  ومليشية موسى هلال من عتادها؟ وهي التي تروع المدنيين وتسلب ممتلكاتهم ليس في الأحراش والبوادي، وإنما داخل المدن الكبرى، وهي من تقتحم المحاكم، وتهاجم السجون، وتجتاح الدوائر الحكومية على مرأى ومسمع السلطات الولائية في وضح النهار، ناهيك عن المدنيين العزل في مزارعهم ومعسكراتهم.
مهما كابر رأس النظام، لن تخرج قوات الدعم  السريع في توصيفها عن كونها مليشيا، ببساطة، لأنها قوات عشائرية صرفة، وليس بإمكان أي مواطن سوداني الالتحاق بها، يضاف إلى ذلك، لم يعد سراً أن من بين افرادها مرتزقة من دول الجوار تم تجنيسها لارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين، والتخلص منها في الوقت المناسب.
أما عن ملهاة الاستفتاء الإداري المزمع اجراءه هذا الشهر، نرى أن النظام ليس في حاجة لشرعية للإبقاء على الوضع الحالي، ذلك أنه لم يعد يأبه لأحد، داخلياً او دولياً، لذا نتوقع الكشف عن مخطط شيطاني جديد في المنطقة قد لا يبقي ولا يذر من نسيج المجتمع الدارفوري المهترئ اصلاً بسبب الممارسات الإجرامية السابقة، سيما، وإن غادرت قوات بعثة اليوناميد، أي أن البشير يخطط للمزيد من التفتيت الإداري، واستهداف معسكرات النازحين، وارتكاب إبادة ثانية مع سبق الإصرار والترصد، لذا نناشد أهلنا في المعسكرات، خاصة معسكر كلمة الصامدة، من الحيطة والاستعداد لترصد نظام الإبادة الجماعية بهم مستقبلا.
نتائج هذه الملهاة محسومة سلفا، فقد استبقت الحكومة وعلى لسان نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن ومسؤولين آخرين إجراء الاستفتاء بإعلان نتائجه، حيث يقول إن العودة لتطبيق نظام الأقاليم بدلاً عن الولايات مستحيلة، مشيراً إلى أن ذلك قد يقود دارفور إلى المطالبة بالحكم الذاتي، الذي يقود إلى الانفصال، مضيفاً (علينا الاستفادة من تجربة الجنوب وعلينا ألا نعيد الانكفاءة.. إن فعلنا ذلك سنضعف الوحدة الوطنية وقد تتحول العودة للأقاليم إلى مناداة أو مطالبة بالحكم الذاتي)، فيما قال رئيس مجلس الولايات السابق الفريق أدم حامد موسى إن الاستفتاء هو التزام سياسي لابد من الوفاء به، مشيراً إلى أن الوضع الأمثل هو بقاء الولايات الحالية لأنها تتيح المزيد من السلطات، وعد أن العودة إلى الإقليم الواحد ردة عن أهداف الحكم اللامركزي. حسبما ورد في تقرير موقع عاين الإخباري
وهنا بصرف النظر عن الاستفتاء كإجراء اجرامي من حيث هو، فليسجل التاريخ، أن د. السيسي مع الإقليم الواحد، وأن السيدين ابوقردا ودبجو مع التفتيت، وبلا شك أن مرد هذا التباين هو المماحكة والمشاكسة، لكن دعنا نرصد هذه المواقف الغير مسئولة للأخرين مهما كانت دوافعها.
ولا يفوتنا التذكير بالخطوة التي اقدم عليها سلفا كير في اكتوبر عام2015م عندما اتسعت عليه رقعة التمرد، فقد أصدر مرسوماً دستورياً فتت بموجبه دولته الناشئة إلى 28 ولاية بدلا من عشر، بغرض الوقيعة بين الإثنيات الداعمة للتمرد، هي ذات العقلية وذات النهج، سلفا كير لجأ إلى البرلمان الذي اجاز له هذا القرار، وإما البشير فقد لجأ إلى المواطن المغلوب على امره. بالطبع تقارب القوى بين سلفا ورياك مشار، افشل هذا المخطط، وفضح نوايا سلفا.
وفي هذا الخصوص، لقد أضحكني رأس النظام، حين قال فيما معناه، أنه كان ضمن برنامجه زيارة بعض معسكرات النازحين، وذكر في نيالا، (بالطبع في مخيلته معسكر كلمة) وزاغ عن توضيح من الذي غير البرنامج ولماذا؟ ثم قال إن الكثيرين من الذين استقبلونا هم من النازحين، ونقول له، أن يستقبلك نازحون، شيء، وأن تدخل معسكراتهم المقفولة أمنياً بإحكام شيء آخر، خاصة وقد اتضح أن الرسالة المزجاة من هذا الزيارة، والحرص على الحشد المبالغ، هي محاولة يائسة لإقناع المجتمع الدولي، بتبرئة ساحته من تهم الإبادة الجماعية، وارتكاب كافة الموبقات الإنسانية، أي يريد أن يقول لهم، أنظروا، أنهم سامحوني، وأنهم يحبونني!  وقد ذكر هذه الرسالة بعضم لسانه، حين قال: هؤلاء الذين يقولون أنني "علمت" فيهم الإبادة الجماعية؟ ولا أدري لماذا هرب من كلمة "ارتكبت" واستعاد عنها بكلمة "عملت"؟
كيف يحبونه وقد اقرّ شخيصاً، و"بعضم" لسانه أنهم قتلوهم بغير حق، ولأتفه الاسباب، وأن دمائهم في رقابهم؟ رغم أنه في موضع آخر قلل من عدد الذين قتلوهم في دارفور، وذكر أنهم عشرة آلاف فقط، وهو يعلم " مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، فما باله بالعدد الذي اعترف به على نفسه؟ كيف يحبونه، وهو في قرارة نفسه لا يرى بأسا في اغتصاب نسائهم، حين قال أن ذلك يعتبر شرفا لهن، وشهد عليه شيخه الراحل الذي ارسله للقصر رئيسا؟
وأردف قائلا: ان الجماهير الغفيرة التي استقبلته خلال زيارته مؤخرا لدارفور هي خير دليل على انه لم يظلم سكان الإقليم وأنهم يحبونه. وذكر رأس النظام ان مذكرة الاتهام خلقت له شعبية كبيرة وسط السودانيين وأنها كانت سببا في فوزه في الانتخابات التي جرت العام الماضي. أولاً ليس هنالك دكتاتور خسر انتخابات رئاسية، وبهذا الادعاء، يؤكد ان فوزه "المضروب" ليس بسبب كفاءته أو استحقاق لإنجازاته، إنما بسبب شفقة جماهيرية، فقد شهد شاهد على نفسه بالفشل.
ذكَّر رأس النظام مراسل البي بي سي الذي اجرى معه الحوار، انه كان معهم خلال زيارته في دارفور، وبهذه المِنة ليس مستبعداً أن السيد محمد محمد عثمان كان ضمن الطاقم الرئاسي في تلك الزيارة، وإن الحوار رتُب له مسبقا، بمعنى، يا بُني اركب معنا، واشهد لنا بالحشود التي يحبوننا، ونسمح لكم بإجراء حوار مع الرئيس. وهذا التصرف يقدح في حياد البي بي سي، وينتقص من مهنئته. فقد امسك مندوب القناة عن الاستفسار عن سبب تغيير برنامج زيارة معسكرات النازحين، وغض الطرف عن ورطة جوهانسبرج، وكدنا نراه يضغط على اصابعه لطرح اسئلته التي خلت من أي سؤال استدراكي، مما يدل أن الحوار مكشوف، وأن مخرجاته متفق عليها مسبقا، وبهذا لم يختلف تلفزيون البي بي سي عن قناة الشروق، ودقي يا مزيكا.
فوَّت رئيس مكتب حركة التحرير جناح مناوي في لندن، الأستاذ نور الدائم، فرصة ذهبية لتكذيب رأس النظام على الهواء، وعبر قناة دولية محضورة، أن لا وجود لقواتهم في ليبيا، وكان بإمكانه اهتبال سانحة سؤال مقدم البرنامج لبث دعاية ثورية من خلال توضيح المناطق التي تسيطر عليها حركته، وآخر المواجهات مع مليشيات النظام، سيما أن مثل هذا المعلومات حتى إن كانت دقيقة لم تعد من الأسرار الحربية. ومن رأينا، أن الإمساك عن تكذيب رأس النظام، يستدعي إصدار بيان يوضح موقف الحركة من هذه الاتهام الخطير، خاصة لأنه خطير ثورياً وينطوي على تأليب دولي واقليمي، وصادر من أعلى سلطة إنقاذيه، وليس مبرراً تجاهله. أما إتهامه قوات جيم بانها متواجدة في دولة جنوب السودان، فإن صحته من عدمه، فليس ذات قيمة ثورياً وليست جديداً أي التهمة.
ادهشتني جرأة رأس النظام التي اسعفته في ذكر جنوب افريقيا دون خجل ضمن الدول التي يدعي أنه تحدى المجتمع الدولي بزيارتها، إذ أن فصول كوميديا هروبه المُذل من جوهانسبرج لم تتوقف عن العرض حتى قبل اسابيع، رغم مرور عشر اشهر على الحادث، فقد أدانت محكمة الاستئناف العليا في جنوب إفريقيا في شهر مارس الماضي فشل الحكومة في إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر البشير واعتبرته "سلوكا مشينا". وبحسب فرانس برس، قالت ثاني أعلى محكمة في جنوب إفريقيا، الثلاثاء (15 مارس 2016م) إن الدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، كان ينبغي عليها الامتثال لحكم المحكمة وإلقاء القبض على البشير عندما كان يحضر قمة الاتحاد الإفريقي في جنوب أفريقيا العام الماضي.
يقول رأس النظام، أن مليشياته لم تحرق قُطية واحدة خلال مواجهاتها الأخيرة بجبل مرة، يبدو أنه غير مواكب لتطورات تكنلوجية الاتصالات، والمرافئ التي وصلت إليها خرائط الـ GBS، وميدانياً فقد فاز الصحفي الهولندي كلاس بجائزة افضل صحفي في بلاده عن تقارير وصور مأخوذة مباشرة من جبل مرة شهر فبراير الماضي. حسبما ورد بموقع راديو دبنقا.
وعن وعده المتجدد، بعدم  الترشح لدورة رئاسية جديدة عام 2020م، نقول، من الدكتاتور الأفريقي أو العربي الذي لم يصرح بذلك، ومن الذي التزم به؟ وليعلم   رأس النظام، أن الصدق كالشرف، إن فُرط فيه لا مجال للترقيع،  وأن الكاذب لا يُصدّق حتى ولو قال صدقاً.



ليست هناك تعليقات: