الجمعة، يونيو 12، 2015

إن لم يحرص الثوار على الوحدة، هل يأبه المركز بالانفصال؟

إن لم يحرص الثوار على الوحدة، هل يأبه المركز بالانفصال؟ 


قالوا للحرامي احلف، قال جاءني الفرج، هذا المثل يوضح خطأ تقديري في التعامل مع معتادي الإجرام واصحاب السوابق الجنائية، من عديمي المثل والخلق القويم، ونحسب أن بعض قيادات ثورة الهامش، لا يزال يحسن الظن بنظام الإنقاذ، ويعتقد أن قياداته لديها القدر الكافِ من المسئولية والوطنية، لردعها عن التمادي في تفتيت ما تبقى من البلاد، بسياساتها الرعناء، وتصرفاتها العنصرية، هذا الخطأ قد ادهشنا في صيغته المطروحة من قبل السيد منى أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، سواء كان نتاج يأس من إسقاط النظام، او كنوع من المناورة وكرت ضغط على الساحة السياسية السودانية.
من أكثر الأخطاء فضاحةً، محاولة تكرار سيناريوهات تجارب الآخرين حذو النعل بالنعل، ذلك أن التاريخ البشري يتشابه ولن يتماثل، فلكلٍ خصوصيته، نعم، لا مراء أن ما تعرضت لها دارفور من مظالم وانتهاكات من قبل الحكومات المركزية عامة، ونظام الإنقاذ على وجه الخصوص، لا يمكن مقارنته بمظالم الجنوب، لكن الحقيقة أن لدارفور خصوصيته في التركيبة السكانية، وتعقيدات وشائج التواصل مع كافة أبناء الأقاليم الاخرى، ومساهماتها التاريخية في صياغة السودان الحديث، ومزاج إنسانه الإيجابي تجاه بقية مكونات المجتمع السوداني، هذه الخصوصيات تختلف بشكل جذري عن مزاج إنسان الجنوب وتطور علاقته بالشمال الرسمي والشعبي. فلا معنى أن نستلهم تجارب الحركة الشعبية، ومحاولة اجترار مآلاتها في وقت لم تنضج فيه ملامح ثورة التغيير الشامل بعد، ولا يزال المشهد السياسي للسودان ما بعد الإنقاذ في مرحلة التخلق.
منذ وقت مبكر، ظللنا نكرر أن الصيغة المثلي من وجهة نظرنا لعلاقة دارفور بالمركز، هو الحكم الذاتي كامل الدسم، على غرار المعمول به في كردستان العراق، ببساطة ذلك أن الانفصال يعني التخلي عن الأصول الثابتة، لشريك اناني وطمّاع، لا يهمه شيء، ينتظر حماقة للتخلص ممن ينازعه القيادة.
ليس لديّ أدنى شك أن الكثيرين من النخب المركزية يفضلون فصل دارفور على فقد الإمتيازات السلطوية والاستئثار بالثروة التي توارثوها من المستعمر جيل بعد جيل، في وجه هؤلاء، ينبغي على القيادي الثائر أن يضرب الطاولة بقبضة يده بثقة ويتساءل "البلد دي حقة منو؟"، ليس للترويع بل ليستفيق النائمون ويستعيدوا حقائق التاريخ، رغم إختلافنا مع موسى هلال وتحفظنا الكبير على تصرفاته، وإدانتنا لماضيه، نعتقد أن طموحاته في رئاسة الجمهورية هي الكفيلة بإرباك حسابات المركز وهو الاسلوب الأمثل "لقلع" الحقوق وفك إحتكار السلطة
اما المطالبة بالانفصال رغم تجلي مبرراته الظرفية، نعتقد أنها حيلة اليائسين، الذين يختزلون الثورة في شخوصهم، ويختصرونها في نضالاتهم المقدرة بالطبع،  ذلك أن عمر الثورة المسلحة لم يتجاوز العقد والنصف بعد، نعم، معانة إنسان دارفور لا تحتمل، لكن نظن أن السقف الزمني المقدر من المنادين بالانفصال منخفض لإحداث التغيير المنشود وإعادة هيكلة الدولة السودانية، وقد فرحنا كمتابعين للنقلة التي حدثت لثورة التغيير في باريس وأديس أبابا وبرلين العام المنصرم، حيث آلة محورية العمل المعارض بشقية المدني والمسلح للجبهة الثورية، إلا ان طرح السيد مني يعتبر انتكاسة متعجلة.
ونعتقد أن الطرح الجدّي الذي قد لا يختلف عليه أبناء دارفور، هو المناداة بالحكم الذاتي بإصرار، هذا الطرح بالتأكيد سيجد الدعم من بقية مكونات الشارع السياسي، ويمكن الحصول عليه بسهوله حتى قبل إسقاط النظام الحالي، وهو بالطبع سيرضي الطموحات الذاتية لبعض القيادات الثورية، الذين يستعجلون حصاد نضالاتهم الثورية.
اما حق تقرير المصير، سيدفع به النخب المركزية بقوة، إلا ان مكونات المجتمع الدارفوري، والنزعة العشائرية للحركات الحالية المتزعمة للنضال، ستفشله، ونتائج مثل هذا الخيار، إن قدر له أن يصل مراحله الإجرائية، سيزيد الشرخ المجتمعي بدلاً من رتق نسيجه، وواهم من يظن أن النزعة الوحدوية الأصلية، حكراً لمكون بعينه من مكونات المجتمع الدارفوري.
لا نزال نعتقد، أن نظام الإنقاذ هو العائق الكؤود في سبيل الشروع في إعادة هيكلة الدولة السودانية، رغم أنف سوء نوايا النخب المركزية الحاكمة وبعض المعارضة، إلا أن هذا الأمر يتطلب من القيادي الثوري ان يكون إيجابي بما فيه الكفاية، واثقاً من نفسه، راكزاً في طرحه، قارئا جيداً للتاريخ، ويجب على الجميع أن يعلم، ان العمل المسلح هو فقط احد الخيارات التي فرضت على اهل دارفور وعموم ربوع الهامش، لكن هناك وسائل اخري فعالة لهزيمة المركز، غير أنها تطلب توحيد الكيانات التنظيمية، متى من تخلى اهالي الهامش عن التنظيمات الطائفية وتكتلت، تسطيع قلب المعادلة السياسية بسهولة، خاصة وان لها قيادات عسكرية بالضرورة أن تتغلغل الجيش الوطني مستقبلا، فقد تابعنا كيف استطاع صلاح الدين التمرتاش الزعيم الكردي ان يحصد سدس (13%) من مقاعد البرلمان التركي في فترة وجيزة، وهذه المقاعد اغلبها ليست من ديار بكر وإنما من استانبول.
وثمة خطأ مفاهيمي نسجه المؤرخون، ويتداوله الساسة، مفاده أن دارفور انضم للسودان عام 1916م ، والصحيح أن المستعمر البريطاني لم يتمكن من بسط كامل سيطرته على السودان إلا بعد معركة برنجيه ومقتل السلطان على دينار على يد هدلستون بك في 6 نوفمبر 1916م واحتلال الجنينة وتنفيذ الحكم غير المباشر لدار مساليت في يناير 1922، هذا الخطأ يشئ أن دارفور لم يكن جزءاً من المكون السوداني قبل الغزو التركي، وهو امرا مجافي للحقيقة. فالمقدوم مسلّم الذي لاحقه الدفتردار، معيّن بمراسيم سلطانية من الفاشر، وليس من سنار.
ولا شك عندنا، إن كان السيد منى يرى إمكانية إسقاط النظام، ثورياً أو جماهيرياً في المنظور القريب، لإنهاء حالة الإستهداف الفج لأبناء دارفور بالمركز، لما فكّر في طرح الإنفصال، لذا نعتقد أن اليأس من إسقاط النظام هو اس التفكير في طرح الانفصال، ونعتقد ان نهج عملية الذراع الطويل هو الصحيح عسكرياً، ولا تزال فرضية تكرار انتفاضة سبتمبر المباركة قائمة، فقط تنتظر "دقسه" اخرى من النظام، او حماقة من اجهزته الرعناء. نعم، على متعاطي السياسية إعادة عجم آلياتهم بين الفنية والأخرى، اما الأهداف يجب ان تكون راسخة، وعليهم الرهان على الزمن دون يأس، ولا ينبغي التعامل بردود الأفعال مع المبادئ الأصلية، فإن كان السيد منى وحدوياً قح، لفكر ثم قدر في كيفية تفويت الفرص على العنصريين وعديمي الوطنية. فالنظام قد اباد مئات الآلاف من أهالي دارفور العزل دون جريرة، ولم تخرج مسيرة تنديد في المركز، ومارس العنف الجنسي على نطاق واسع، ولم يفكر احد في طرح الإنفصال في حينه، ونعتقد أن تفاعل الشارع السياسي السوداني في الوقت الراهن لهو افضل مما كان عليه من السلبية وعدم المبالاة.
يجب علينا ألا نغض النظر عن أبناء دارفور الذين يستغلهم النظام في الفتك بأهلهم، فوزير العدل السابق، من مكون ثوري ضحى عشيرته بالقدح المعلا في النضال ضد الظلم، ونائب رأس النظام، ورئيس السطلة الانتقالية، وعراب سوق المواسير، هؤلاء اصحاب مناصب رفيعة بالدولة، ونخطئ إن ظننا أنهم يمثلون أنفسهم، ومع ذلك يصمتون صمت القبور عن إستهداف بني جلدتهم، ولا شك عندنا أن هؤلاء وتوابعهم، ينظرون إلى مصير الاقليم من زاوية مصالحهم الآنية، مما يعني أن طرح تقرير المصير سيكون طرحاً نشازا.
لا نلوم السيد منى في طرحه، ألاّ أننا نرى أن هذا الخيار مضر بالثورة أكثر مما يتوقعه كمعول لقرع جرس الإنذار للقوى "الوطنية" للتحرك والوقوف في وجه النظام، استنادا على فضيحة عدم المبالاة بفصل الجنوب، كما أننا نعتقد جازمين، حتى أن قدر للإنفصال أن يتحقق، يستحيل رفع الظلم عن كاهل مكونات الهامش العريض المتغلغل في المكون السوداني، بحيث يكون الخيار للذين يفضلون البقاء شرقا، إما الخنوع للازدراء والمهانة، أو اللحاق بالسلطنة المستقلة. ونعتقد أن هذا الطرح سيزيد توجس الشارع السياسي في أهلية ثوار الهامش لقيادة التغيير المرتقب، وسيفّل تماسك الجهة الثورية ويباعد بين مكونات إعلان باريس. الخيار الأمثل، ان نقنع أنفسنا قبل الآخرين بأحقيتنا في العيش الكريم في كافة بقاع الوطن، دون مزايدة او دونية، وأن نطلق العنان لطموحاتنا في الثروة القومية والسطلة.
نبهنا في مقالات سابقة، ان بعض منظري المشروع الحضاري، يروجون للعامة أن "عكننة" ثوار دارفور هو سبب بلاوي البلاد الحالية، وانهم مصدر الصداع المزمن لإنسان المركز، وأن ثورتهم عبثية، لإثارة الكراهية ضدهم، وتسويق مبررات التخلي عن هذا الإقليم بصورة ناعمة من أجل استقرار وهمي ورفاهية إنسان المركز وتوابعه، فما بالُ هؤلاء أن وجدوا من يطالب بالانفصال؟ بالطيع سيقولون له "في ستين داهية" والباب يفوت جمل.
للإطلاع على المقالات السابقة:


ليست هناك تعليقات: