السبت، أبريل 05، 2014

الدرب الطويل ما بغلب المشاي


الدرب الطويل ما بغلب المشاي

 

درب النضال الثوري قد يبدو سالكا وقصيرا في بدايته ، يتراءى ثماره اليانعة على مقربة ، ولكن في الغالب أنه طويل وموحش في منعرجاته ، تحفه المخاطر وتعترضه الكثير من العقبات الكؤودة ، وقد يحاول قطعه اصابات السطو الثوري ، ويقف على جنباته المرجفون في المدنية والمتخاذلون ، وبلا شك يزرع علي قارعته القنابل والمتفجرات.

وقد يسلكه الانتهازيون ، و يندس وسط مرتاديه شرذمة من الطابور الخامس ، ويقتحمه بعض الفضوليين في لحظات زخمه وهيجان مسيراته ، وفي مسيرة هذه الدروب قد ينشغل البعض بالغنائم الإنصرافيه ، ويستكثر آخرون تضحياتهم ، والسبب في ذلك ان هذه الدروب تتيح للكثيرين إكتشاف انفسهم و سبر مقدراتهم النضالية والقيادية فيصابوا بالغرور وجنون العظمة ويصحبوا وبالاً على من حولهم.

هذه الدروب النضالية قد يجمع الماشين بثبات إلى مبتغاهم وعابري السبيل على السواء ، لذا

في هذه المسارات الوعرة كل شيء وارد مصادفته ، من غدرٍ وخيانة ، وتكالب الإعداء والمنافقين ، لكن الماشين على درب النضال ، والواطئين جمر القضية ، والحاملين ارواحهم على اكفهم ، لا يلتفتون إلى الوراء ، ولا يأبهون بالعوارض ولا يجزعون بالخطوب ، لذا هذه الدروب الثورية الطويلة لا يقوى على بلوغ نهاياتها إلا الرجال الصناديد ، أصحاب النفس الطويل ، والتجرد من الأنا.

مهما كثرت العقبات يلتفون حولها في مثابرة لا تفتر ، ونفس لا ينقطع ، ينحتون الصخور بأظافرهم لإيجاد مخارج سالكة لكل طريق مسدود. لا يعرفون المساومة ، ولا يستجيبون للمغريات.

وقد يطلب بعض منعطفات دروب النضال الثوري الترجل من صحوات الجياد ليتعلم المرء كيف يكون متواضعا ، والوقوف للتأمل ، والإنحاء لتمرير العاصفة ، والتمويه لإصابة العدو في مقتل ، وأهم مقوماته التجرد قدر المستطاع ونكران الذات والإعتراف بمجهودات رفقاء  الدرب والكفاح. وهنا ثمة وقفه مع الرمز الراحل المقيم مانديلا عندما سئل عن مشاعره وقد تحقق حلمه في إقامة مجتمع قائم على المساواة بين البيض والسود في جنوب افريقيا فقد تجرد وأجاب ببساطته المعهودة "الحقيقة أنه ليس حلمي وإنما حلم ديزموند توتو..."

“الماشون” على دروب الكفاح الطويلة مستعدون لتسليم راياتها لغيرهم ، في المحطات المناسبة قبل أن تسقط ، غير مبالين بطول المشوار والتلذذ برؤية شواطئها النضرة ، يؤمنون بالنصر إيمان العجائز.

على استعداد لهجر أحبائهم وأعز الأشخاص لديهم ، غير آبهين بمرور السنين وتسرب العمر، يحدقون في وجوه رفقائهم ولا ينظرون إلى المرآه، لا يعرفون الملل من ترديد تراتيل أحلامهم ، أو الكلل من الصدع بما يؤمن به ، ليسوا جامدين ليكسروا أو متصلبين ليعصروا ، متماسكون عند الملمات ، حذرون يتوجسون من فيء السحاب.

“الماشون” على دروب الثورة لا ينتظرون مكافأة في منتصف الطريق ، ولا يرجون الإشادة من المتفرجين على مسيرتهم ، إن فتروا استراحوا في الظلال الثورية ، ليلتحقوا بالركب بوسائل تناسب مقدراتهم وتلائم أوضاعهم ، لا يعرفون التخاذل مهما جارت عليهم الأيام وإدلهمت عليهم الليالي.

عابري سبل النضال الطويلة ليسوا الذين سلكوها على حين غره ، أو الذين جرفتهم الهاشمية وإنما الذين اجروا حساباتهم بدقه ، ورتبوا أوضاعهم كيفما اتفق ثم توكلوا على الله ، وليسوا أصحاب اللجاجة هينوا المراس.

درب النضال الثوري محفوف بالمخاطر ومفروش بالأشواك ، لكنه لا يخلو كذلك من ثمة أزاهر على مسافات ، فالتسليم بالقضية زهرة من أزاهر النضال ، والإعتراف بكيان الثوار وردة من ورود الكفاح ، وترجيح كفه التغيير ثمرة "مبلحة" على مسافة ليست بالقصيرة من "ميس" الظفر المؤزر، بيد أن الأميال الأخيرة تتطلب رصّ الصفوف من العناصر الصلبة ، ورجال عيونها "مليانه" ، وهاماتها مرفوعة.

"الماشون" على الدروب الطويلة لا يهمهم كم تبقى لهم من مسافة طالما أنهم على جادة القضية ، ولا يقلقهم إن تنحى قصيروا النفس جانباً ، يحيلون الصخور التي تعترضهم إلى خرسانة لتعبيد طريق النصر ، والضربات التي لا تقتلهم تزيدهم منعة وصلابة.

سالكو الدروب النضالية الطويلة لا يضعون سقوف زمنية لانتصاراتهم ، يقرأون المتغيرات على الساحة ويراقبون المستجدات وهم يركضون بثبات ، زادهم الصبر والاستعداد للمزيد من التضحية ، يؤمنون بان كل من  سار على الدرب وصل ، ليس بالضرورة أن تصل الأبدان وإنما الأحلام والأهداف الكبيرة.

****************

//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: