الخميس، أغسطس 08، 2013

د. السيسي ... مغرم بالسلطة أم صاحب أجندة خاصة؟


د. السيسي ... مغرم بالسلطة أم صاحب أجندة خاصة؟

على ذمة من حضر إفطاره الرئاسي الأخير، قال د. السيسي: "اعتبروني ضمن أصحاب الأجندات الخاصة" وطالب الجميع بمن فيهم نفسه بالتخلي عنها لمصلحة إنسان الإقليم. ونحن نأخذ طلبه مأخذ الجد، ونطالبه وجميع اصحاب الأجندات الخاصة برفع أيديهم عن القضية، ولكن قبل ذلك دعنا نمحّص إن كان فعلاً لدكتور السيسي أجندة سرية، وماهيتها ان وجدت، ام أنه مجرد قيادي واقع تحت هيام السلطة التي ذاق طعمها ونزعت عنه بعد عام واحد فقط (يونيو 88 – يونيو 89) اي قبل بلوغه سن الفطام .

نشهد لدكتور السيسي أنه ليس بقبلي، ولا تحركه النزعة الإثنية، وفي نفس الوقت نجزم أن ما يدفعه للتحرك في الساحة السياسية ليست معاناة إنسان دارفور بالدرجة الأولى، قد يؤلمه ما يعانيه إنسان الإقليم من مأساة مزمنة، لكن يبدو انه غير مهموم بإيجاد الحلول الناجعة والمرضية لهم، أو أنه يري أن مطالبهم غير عملية ومحال تحقيقها، ولكي لا نطلق كلاماً مرسلاً ونرمي الإتهامات على عواهنها، دعنا نتأمل مواقفه ونسبر تصريحاته على إعتبار أن اللسان رسول القلب.

إستنكر د. السيسي تشبيه إتفاقية الدوحة لسلام دارفور بإتفاقية أبوجا، قائلاً أن اتفاقيته ليست بين حركة مسلحة وحكومة، فهو يوهم نفسه ويحاول إيهام الآخرين أن للإتفاقية سند شعبي متمثل فيما عرفوا زوراً "بإصحاب المصلحة"، وفي البداية كان يغرد في كل محفل بأن العوز المالي أكبر معوق لتنفيذ بنود الإتفاق، أي أنه كان يبتسر القضية في تقديم الخدمات، ويحاول شراء امن المواطن بالمال. والخدمات التي يتحدث عنها موجهة للنازحين واللاجئين، ورغم إستحقاقهم لها إلا أنها مشروطة بالعودة الطوعية وإستمرار الإتفاقية .

ومنذ إنتهاء "حدوته" مؤتمر المانحين، غير  د. السيسي النغمة قائلا أن التناحر القبلي والتعصب الاثني في الإقليم هي العقبة الأساسية في سبيل تنزيل بنود إتفاقية الدوحة لسلام دارفور على أرض الواقع ، وبذلك يتهرّب من القضية الأساسية ويجعل من القبلية قضيته الأساسية، دون التطرق لأيدي اجهزة النظام التي تدرب مليشيات القبائل وتمدها بالأسلحة، ويغض السيسي الطرف عن الجهات التي تروج الخزعبلات وسط شباب هذه القبائل وتحيك لها "المديدة حرقتني" لتقتل بعضها البعض، بالطبع وهو المهموم بالقبلية في دارفور لم يجرؤ على التطرق لوضعية القبائل المستجلبة في دارفور، ولم ينبس ببنت شفه حتى بعد أن كشف أحد قيادات حركته الوزير شطة بأن النظام إعترف بوجود هذه القبائل في دارفور وقدم مبررات لوجودها.

يقفز د. السيسي على حقيقة أن التناحر القبلي ما هو إلا إفراز لمنهجية نظام المؤتمر الوطني الخاطئة، والتي تنم على سوء النوايا في التعامل مع الثورة المشروعة التي يحاول حركة التحرير والعدالة سرقتها وإفراغها من محتواها، ولولا تضحياتها لما أفتكره حزب المؤتمر الوطني د. السيسي يوماً من الأيام.

لنفترض أن جميع  قبائل دارفور قد تسامحت وتسامت فوق خلافاتها، هل يعتقد د. السيسي أن أجهزة أمن النظام ستتركها على حالها؟ وهي التي أضافت لسنيّ حكمها الكثير من خلال عزفها الصاخب على القبلية بعد إن اُكتشفت خديعة مشروعها الحضاري، وإذا إفترضنا أن فرسان القبائل قد فطنت لخبث نظام الإنقاذ، واقدمت على حرق كافة مقار أجهزته الأمنية بالإقليم، هل هذا يعني نهاية القضية؟

د. تيجانى يعلم أن الأجهزة الأمنية لديها بيانات كافية عن أفراد المليشيات القبلية التي سلمتها الأسلحة، ولديها سجلات بأرقام ونوعيات قطع السلاح والآليات الثقيلة بحوزتها، وعليه أن لم يكن صاحب أجندة سرية، أن يترجى صديقه رأس النظام "الشديد الإنبساط منه" الشروع الفوري في نزع هذه الأسلحة. هو يعلم أنه أن تفوه بمثل هذا الطلب، إن إفطاره الرئاسي الفاخر سيأخذه المعازيم، ويقولون له: "لا معلمنا ولا مدرسنا، دا أنت الجيت كايسنا"، ويتبخر أوهام انه الزعيم الأوحد والقائد الملهم لأبناء دارفور الداخل.

على د. السيسي محاربة القبلية في القصر الجمهوري، وكافة اجهزة الدولة قبل محاربتها في دارفور، وليعلم أن الناس على دين ملوكهم، وإن نسي نذكره وهو إبن الدمينقاوي، أن أدبيات الإدارة الأهلية في عموم السودان، صيغت منذ التركية السابقة ثم الحكم الإنجليزي المصري على النمط الذي كان سائداً في سلطة دارفور سُرة السودان القديم. هلاّ تأمل د. تيجاني لماذا تدفع الخزانة العامة ديات قتلى المواجهات القبلية بسخاء، وتستمر الأجهزة الأمنية في إمداد مليشياتها بالآليات الثقيلة وتدفع لها الرواتب وتمنحها الحوافز المادية؟

بات راعي الضأن في بواديه يعلم أن أهل دارفور كغيرهم من أهل الهامش، يعانون من ظلم إجتماعي، وتهميش سياسي، وإستهداف جهوي صلب يصد خروجهم من براثن ثالوث الفقر والجهل والمرض، تحت غطاء خزعبلات مركزية تصورهم على أنهم يمثلون وحوش خطره إن تعافت مجتمعاتهم، ود. السيسي بكل أسف من حيث يدري أو لا يدري، يضيف لهذه الصورة السالبة بإتهامه باطلاً على  أنهم قبليون دون غيرهم من خلق الله!

بمكر شديد، وخبث بائن يخطط د. السيسي على عمل New Look للقضية على انها نقص في الخدمات تارة، وتارة أخرى انها نزاع قبلي، يحاول أيهام العالم أن الثورة المسلحة في الإقليم قد إنتهت بمجرد توقيع حركته إتفاق الدوحة للسلام مع النظام، صارفاً أنظار المجتمع الدولي عن حقيقة أن قضايا الهامش التي تعتبر قضية دارفور محورها، قد أخذت طابعاً قومياً منذ توقيع وثيقة الفجر الجديد من قبل كافة مكونات المجتمع السوداني باستثناء حزب المؤتمر الوطني.

على د. السيسي أن يعي أن الشرفاء من أبناء الإقليم يرصدون أجندته المركزية، ومحاولاته المكشوفة لـ "دغمسة" القضية العادلة لأهل الهامش، فقد اتضح أنه رجل علاقات عامة ليس إلاّ، يسوق نسخ مزيفة من كتالوج معاناة إنسان دارفور، وهو ما يطرب له رأس النظام ومعاونوه الملطخة أيدهم بدماء الأبرياء.

يوهم د. السيسي نفسه ويحاول مع حلفائه إيهام الآخرين أن مجرد نجاح تنظيم دورة سيكافا الرياضية بمدينتي الفاشر وكادقلي تعني هزيمة الثورة المسلحة ونهاية التهميش، دون أن يسأل نفسه أو يستفسر من حلفائه إلى متى ستحرس القوات التشادية دارفور من غضبة الثوار؟

تسلم المستشار ياسر أحمد محمد عمله كمدعي عام للمحكمة الخاصة بجرائم دارفور في 3/7/2012م ومقرها الفاشر، ونراقبه يهرول كلما وقع حادث إعتداء على قوات اليناميد، أما الإنتهاكات التي ترتكب داخل مدنية الفاشر، فلا يعنيه في شيء ولا يعني تقاعسه في عمله د. السيسي رغم تحديد مهامه في الفصل الخامس من إتفاقية الدوحة بالتحقيق في كافة إنتهاكات حقوق الإنسان في الإقليم سابقاً ولاحقا. كأن المقصود إنشاء المحكمة و تعيين المدعي العام والسلام.

إعتصم د. السيسي وكبار قادة حركته في شهر يونيو الماضي، ويا ليت كان إعتصامهم في شئ ذي قيمة لمواطني الإقليم، إعتصموا بسبب طرد السلطات منظمة IRI الأمريكية المهتمة  بتدريب وتأهيل كوادر حركة التحرير والعدالة، وليتهم فعلوا الشيء نفسه عندما رفضت السلطات للمنظمات العالمية الوصول إلى دارفور لتقديم المساعدة  الطبية الطارئة لإنقاذ ضحايا الحمى الصفراء التي تفشت في المنطقة وفتكت بالآلاف منهم، وليتهم إعتصموا إستنكاراً لإغتيال طلاب دارفور بجامعة الجزيرة، وإستباحة مليشيات النظام لمدينة نيالا مؤخراً. هل جنس هذا التصرف يصدر من حركة يرجى منها الخير، ويقدم عليها قيادات تستشعر المسئولية؟ ولماذا تختصر مهمة المنظمة على تدريب كوادر الحركة وتأهيلها دون سواهم طالما ان المنظمة امريكية وليس بنغلاديشية، هذه جريمة كاملة الأركان اللهم إلا إن كان موظفو السلطة الإقليمية الانتقالية خارج اُطر الخدمة العامة، أو أن الوظائف بها هي حكراً لمنسوبي حركة التحرير والعدالة دون سواهم! هذا التصرف يعتبر نوع من الإغراء الرخيص.

ركل د. تيجاني إتفاقيته على علاتها جانباً وطفق يترجى رأس النظام بأن يعطي دارفور إهتماماً اكثر لوقف نزيف الدم، قدم له هذه المناشدة  خلال إفطاره الرمضاني الأخير، وأعقبها بـ "دق" الدلاليك ورقص رئاسي! إن كان لديه ذرة إحساس بآهات أهله لما فكّر فى إطراب "صديقه" رأس النظام في شهر الصيام الفضيل، وإن كان يعني ما يقول بأن إتفاقية الدوحة ليست بين حركته والحكومه، كان الأجدر به إعداد إفطار لسماع تقييم "أصحاب المصلحة" لمآلات هذه الإتفاقية، ومن الملاحظ انه بات يحضر إلى لندن ويلتقي بالذين "يمشون على كسر حبله" بصورة دكاكينية في الفنادق، استحياءً من مواجهة الذين كانوا يقفون معه عندما وضع خطوطاً حمراء لمحادثاته مع النظام.

 لقد خسر الكثيرون الرهان عليه عندما ترأس حركة التحرير والعدالة وبدأ التفاوض مع النظام، شخصياً إستبعدت تماماً أن توقع حركته منفردة على إتفاق ثاني آخر، وعندما إنشق 137 قيادياً من حركته، إرتفعت توقعات نفض يده عن مشروع إتفاق الدوحة للسلام، حينها قال العارفون به عن قرب، أن السيسي سيوقع مع النظام ويذهب إلى الخرطوم وإن تخلى عنه جميع من نصبوه رئيساً عليهم، وقد صدقوا، حينها تذكرنا غرام السطلة.

د. التجاني حسبها خطأ، عام 2009م عندما دشنت حركة العدل والمساواة منبر الدوحة، كان السيد مني لا يزال بالقصر، أوحى إليه صديقه مستر غريشن إنه إن إستطاع لملمة فصائل حركة التحرير سيحل محل القائد عبد الواحد ويضمن إكماله فترة الرضاعة من ثدي السلطة التي حرم منها قبل بلوغه سن المعاش بعامين اثنين ( 53 – 2011)، يبدو حسب تخيمناته سيعود جميع الثوار للداخل لإقتسام كعكة السلطة، إلا أن حساباته كلها اصبحت "مضروبة" فقد نفضت حركة العدل والمساوة يدها من المفاوضات بمجرد وضوح ملامح حركة التحرير والعدالة، ومنى إنتصر لذاته بالخروج من القصر، والأيام أثبتت ان مواقف الأستاذ عبد الواحد هو الصواب، رغم أن السياسية اخذ وعطاء وتحتاج لمرونة وتنازلات، لكن هذا "التكنيك" ليس مع نظام المؤتمر الوطني، عليه وجد السيسي نفسه منفرداً، بعد أن خسر منصبة الأممي، وإن كان صاحب مواقف، لإعتذر  عن مواصلة هذا المشوار، خاصة بعد الإنشقاقات المدوية لقياداته، إلا أنه كابر وحور مطالبه لإشباع شهوة السلطة التي يستهويه، وقد تحقق له ما أراد، رغم أن عينه كانت على منصب نائب الرئيس. موقف د. تيجاني كموقف إبليس، ركع هو للنظام بينما ظل القادة أصحاب المواقف والتضحيات واقفون على جمر القضية، والتاريخ يشهد. والمياه التي جرت فيما بعد، أظهرت إتفاقية الدوحة لسلام دارفور ضمن مخططات حركة الإخوان المسلمون العالمية، شاء د. التيجاني أم أبى.

لو كانت لأبوجا حسنة واحدة فهي إعفاء طلاب دارفور من الرسوم الدراسية بالجامعات السودانية، هذه الميزة لم يستطيع د. السيسي الإبقاء عليها ناهيك عن الحصول على أفضل منها، ورغم تحفظنا على مواقف السيد منى، إلا أنه عندما كان يخاطب أهالي دارفور يجدون أنه منهم وفيه ملامحهم ببساطته وعدم تكلفه في توجيه كلمته إليهم، والناس يشعرون أنه صادق لكنه مغلوب على أمره، أما د. تيجاني فهو يقول في حسابه على الفيس بوك أن شخصيته تشكلت في جامعة الخرطوم ولا يذكر شئ عن حياته قبل ذلك أي انه صفوي حتى النخاع، لذا يتكلف حين يريد التحدث بـ "دارجة" أهالي دارفور.

الخلاصة: رداً على عنوان مقالنا نقول، الإثنين معاً، نعم لدكتور التيجاني محمد أحمد السيسي أجندة خاصة، تتمثل في الدفاع عن منظومة السودان القديم، ومناهضة دعاة إعادة الهيكلة، ولا نلومه على هذا لو أنه جهر بموقفه، وقدم له المبررات، أما "الدغمسة" والتستر فهو العيب، واقوى دليل على هذا التوجه تخليه عن مطلب الإقليم الموحد على مضد رغم وضعه خطاً أحمرا امامه على رؤوس الأشهاد، ومحاولاته اختزال قضية دارفور في شح الخدمات والتعصب القبلي، وسيادته كغيره ممن تذوقوا طعم السطلة يبدو انه كذلك عشقها من أول رشفه، و من  أعراض هذا الغرام أو المرض فهي عدم مبدئيته وحبه لعدسات الميديا وعشقه للأضواء، وتزلفه لأصحاب الوجاهات، فقد شهد الجميع على إسرافه في مدح أمراء قطر. وذكر لي زميل ممن شاركوا في محادثات الدوحه، أن د. تيجاني قدم هاتفه الشخصي لأحد مرافقيه وطلب منه إلتقاط صورة له مع السيد أمين حسن عمر في حضور عدد كبير من القيادات الثورية، وقال لي تمنينا لو إنشقت بنا الأرض وإبتلعتنا من الإنكسار، بالله عليكم كم يساوي أمين حسن عمر "ليكبكب" د. تيجاني للتصوير معه دون مناسبة؟

نسرد هذه الحقائق ليس تشهيراً بدكتور السيسي، ولكن ليعلم الجميع أن مئات الآلاف من الشهداء، والتضحيات الجسام التي قدمت عربوناً لحياة كريمة سوف لن تضيع سداً، ونطمئن أهلنا في ربوع الهامش أن حقوقهم المشروعة لا يمكن الحصول عليها كاملة إلا بالقضاء على المنظومة المركزية التي ظلت تسلب هذه الإستحقاقات، وتضع العراقيل في سبيل إنتزاعها، وبكل أسف تحركات د. تيجاني وسط الساحة السياسية ما هي إلا تعزيز لهذه المتاريس لأنه صفوي وجزء من منظومة السودان القديم، ونبشر الجميع أن ثورة الهامش منتصرة بعون الله طال الزمن ام قصر، وعليهم فقط إطالة النفس والانتباه لكل تحرك مريب. 

تهون علينا فى المعالي نفوسنا ** و من يخطب الحسناء لم يغلها المهر

************

للإطلاع على المقالات السابقة:


//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: