الخميس، مايو 30، 2013

مولانا حسنين ... "دا الشُغل"


مولانا حسنين ... "دا الشُغل"

سلطات المرور تضع قبل مسافة علامات تحذيرية تفيد وجود أجهزة مراقبة السرعة على الطرق السريعة، وأصبح لافتاً وضع اللوحات أمام المحال التجارية وبوابات المنازل توضح أن المبنى قيد رصد  كاميرات الـ  CCTV أو كلاب حراسة شرسة، للوهلة الأولي يبدو للمتأمل أن الجهات ذات الاختصاص "تشرّك وتهاهي" إلا أن الحقيقة انهم "يهاهون" بالدرجة الأولى، فالأفضل لناس المرور ألا يسرع السائقون وألا تقع الحوادث المرورية بسبب السرعة المفرطة، وكذلك ما يصبوا إليه اصحاب المنازل والمتاجر أن يرتدع اللصوص من محاولات السرقة.

مولانا المحامي الضليع على محمود حسنين بذل جهداً مقدراً في وضع مشروع قانونيّ - معاقبة المفسدين والعزل السياسي - لمنسوبي نظام الإنقاذ،  يرى انه من الضروري العمل بهما خلال الفترة الانتقالية المرتقبة، هذه الخطوة الملحّة ذات بعدين تحذيري وعقابي بالضبط مثل كاميرات مراقبة المخالفات المرورية واجهزة رصد المبانِ الهامة، لكنها وضعت على مسافة قصيرة جداً وقد تسبب في إرباك مفسدي الإنقاذ وتجبرهم على تهدئه الاختلاسات وتقنين الفساد السياسي بشكل اضطراري، ومما لا شك فيه أن اصحاب الأيادي الخفيفة والألسنة الطويلة من رموز النظام والمتوالين معه قد تحسسوا رقابهم لمجرد نشر مولانا لمسودة مشروع القانونين، ولا نشك كذلك ان اللصوص سيترددون فيما بعد ألف مرة قبل الشروع في تسلق أسوار المال العام، وبذلك يكون مولانا قد ساهم في حماية أموال الشعب وصون كرامته من عديمي الضمير ومجردي الإنسانية بصورة أكثر فاعلية من تقارير المراجع العام، سيما وأنّ الإنقاذ ترك باب الفساد موارباً خاصة للذين يدعون الطهر ويتظاهرون بالعفة.

  أراهن على أن ساسة الفترة الانتقالية المرتقبة سيجيزون مرسوم قانونيّ الفساد المالي والعزل السياسي طائعين أو مكرهين تحت ظلال السيوف كما حدث مؤخراً في برلمان ليبيا الثورة والذي بموجبه استقال محمد المقريف (رئيس المؤتمر الوطني) نزولاً عند رغبة الثوار قبل سريان مفعول قانون العزل السياسي في الخامس من شهر يونيو المقبل، حيث أن القانون لم يستثنِ حتى رموز الانتفاضة في سبيل ضمان حياة سياسية معافى من خميرة الفساد وبذرة "العكننة".

 ومن الآثار المترتبة على هذه الخطوة الاستباقية الموفقة، تنظيف الساحة السياسية من المفسدين والانتهازيين الذين "وسخوا" ملفاتهم بالعمل مع نظام الإنقاذ، والتمهيد لخدمة مدنية مبنية على الطُهر والعفة، ولم يغفل مشروع مولانا عن الفساد الإعلامي كذلك إدراكاً منه لخطورة كتبة السلطان في إحداث الشرخ الاجتماعي وإثارة الكراهية بين الناس، وجاء شاملاً حيث قفل الباب في أوجه المفسدين للانخراط في الأنشطة الطوعية، والتي من المنتظر أن يكون لها دور مقدر في الرقابة على الجهازين التشريعي والتنفيذي والمساهمة الفاعلة في دفع عجلة التنمية.

وجاء المشروع منصفاً حيث استثنى الذين انخرطوا في نظام الإنقاذ بموجب اتفاقيات سلام، ومن البديهي أن يخضع هؤلاء للمساءلة عن كافة صنوف الفساد رغم الإعفاء من العزل السياسي بجريرة المشاركة في النظام، وجاءت المسودة جريئة حيث لم يعفِ شركاء النظام في جريمة السطو على إرادة الشعب رغم مفاصلتهم في رمضان شهر التوبة والغفران، قبل أن ينالوا جزاءهم بقدر ما أسهموا في تلكم الجريمة النكراء.  المسودة حددت مدة المساءلة من 30 يونيو 89 وتركت امر الرجوع إلى ما وراء ذلك مفتوحاً، وربك يستر.

مقترح المرسوم الرئاسي المقدم من مولانا حسنين إن اجيز بالتأكيد تحتاج السلطات إلى مضاعفة الطاقة الاستيعابية للسجون بالبلاد، وفتح كليات وتقديم مغريات لالتحاق الشباب من الجنسين بشرطة السجون لأنه لم يبقَ إنقاذي طاهر وقيادي متوالي سليم من الأذى إلا من رحم ربي. كما تحتاج الدولة إلى جيش جرار من الموظفين لإدارة العقارات والأبراج المحتملة مصادرتها من رموز النظام داخلياً وخارجياً، الأمر الذي من المحتمل أن يفك ازمة البطالة وأن تزدحم الأسواق التجارية بالمعزولين سياساً والذين سيحرمون كذلك من العمل الطوعي والانخراط في التنظيمات السياسية لعقود ، وفي ذلك فائدة للبلاد وعبره للعباد.

 يقول : مولانا حسنين أن مقترح القانونين جاء على اساس ما شاب الفترتين الانتقاليتين السابقتين من افتقار للقوانين اللازمة لإدارة الفترة الانتقالية، وقد صدق، ولو لا التساهل المريب والتنازل غير المبرر عن الحق العام من ساسة تلكم الفترتين الانتقاليتين لما جاءت سرقات رجال الإنقاذ بهذه الفداحة، وأرعوى أصحاب الأيادي الخفيفة الذين لسوء حظهم اخطأوا التقدير، فهذه المرة سيكون الأمر مختلفاً، فالرئيس المصري لم يصدق نفسه أنه يحمل نمرة نزيل بسجن طرا ليما وقد يكون الأسواء في انتظاره، وقانون العزل السياسي الليبي دخل حيز التنفيذ .. نحن نعيش في قرية كونية "والخير يخص والشر يعم".

فقط نود أن ننوه إلى ضرورة تضمين جريمة التهرّب الضريبي بشكل مفصّل في مشروع القرار ضمن الجرائم الاقتصادية، ذلك أن الفقراء من منسوبي النظام قد سرقوا الأسواق وسطوا على دنيا الأعمال عبر هذه النافذة، واستطاعوا ضرب الرأسمالية الوطنية تحت الحزام وأجبروها على الخروج من المنافسة الشريفة وفي نفوسهم حسرة، وبذلك راق لهو جو التجارة الطفيلية، ويجب إجبار كل من إمتلك شركة أومنظمة طوعية خلال عمر الإنقاذ ما يفيد براءته من جريمة التهرب الضريبي. حيث أن الفقرة "6" من المادة السادسة من مشروع قرار الفساد المالي لم تذكر هذه الجريمة بالاسم.

مثل هذين القرارين تحتاجهما البلاد ليست للفترة الانتقالية فحسب لكننا نعتقد أنهما ضروريان لكافة الفترات المقبلة، فقد افسد نظام الإنقاذ الذمم، وشجّع الاعتداء على المال العام، بتركه خزائن المال العام مواربة، وداس على القيم، حتى اصبح المحتال شاطر والنصاب "زولاً" حريف، لذا نستغرب عدم إيلاء قوى المعارضة هذا المرسوم "المقترح" ما يستحقه من اهتمام!

نُقل عن افلاطون قوله: "الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم هو أن يحكمهم الأشرار" ونعتقد ما حاق بنا كشعب سوداني طيب وغير مبالٍ بمكر الساسة من شيطنة الأشرار أكثر من كافٍ للشروع الجديّ في ترسيخ ثقافة المحاسبية كمبدأ إسلامي اصيل، الأمر الذي يفرض على المواطن الاضطلاع بدوره مستقبلا في الوقوف سنداً  وعضداً للجهات التشريعية والتنفيذية لإجازة وتنزيل مرسوم مولانا حسنين المقترح ارض الواقع، وإن إستمرأ ممارسة سلبيته المعهودة، فإن الأشرار لن يقفوا مكتوفي الأيدي بالطبع تجاه مثل كهذا تربص بمصالحهم من الساسة الشجعان.

آمنت بجرأة مولانا الجسور حسنين، وبثاقب نظرته للمستقبل الذي يستحقه الشعب السوداني الأبي، وآمنت بثباته على مبدأ معاداة الرجعية ومناهضة الشمولية، وسلمت بصلابة تمسكه بما تواثقت عليه ركائز الحزب الاتحادي الديمقراطي من قيم اصيلة ومبادئ راسخة وإن انبطح المنبطحون. حقيقةً لقد جاء مولانا بما لم يجئ به الأوائل، واصبح بذلك فريد جيله وقُره زمانه، ابقاءه الله زخراً لوطنه وفخراً لمواطنه. وهذا هو الشغل الذي ينفع البلاد ويفيد العباد ويرضي رب العباد.. قوموا إلى انتفاضتكم يرحمكم الله.

للإطلاع على المقالات السابقة:


//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: