الأربعاء، أبريل 10، 2013

د. أحمد هاشم : يحذر عمال التنقيب و السلطات من مخاطر الزئبق


د.أحمد هاشم العالم والباحث في الأحياء الدقيقة:

 يحذر عمال التنقيب و السلطات من مخاطر الزئبق
 


هنالك مئات الآلاف ان لم يكن الملايين من المواطنين السودانيين يتعاملون مباشرة مع الزئبق في المناجم لتنقية الذهب ، وقد كثر الحديث عن مخاطر مؤكدة لهذه المادة علي صحة الإنسان والحياة البيئية المستخدمة فيها ، هذه المخاطر دفعتنا لقصد د. احمد هاشم* العالم والباحث الأكاديمي بجامعة الملكة ميري بلندن للوقوف علي حقيقة هذه المخاطر المزعومة الناجمة من التعامل معه.

·       أولاً عرّف لنا الزئبق ومما يستخرج ؟

الزئبق عنصر كيمائي يحمل الرمز Hg واسمه مأخوذ من اللغة اليونانية ويعنى ماء الفضة، ويعتبر من العناصر النادرة في القشرة الأرضية، ونسبة لعدم قابليته للإختلاط بالمعادن يتواجد بكميات مركزة في بعض الصخور على شكل خام يعرف بالحجر الأحمر (كبريتات الزئبق). توقفت معظم الدول المنتجة له عن الإنتاج نسبة لانخفاض سعره ومخاطره الصحية على عمال التنقيب. وبحلول عام 2005 أصبحت الصين تنتج ثلثي الحصة العالمية.

·       ·وكيف يتم تحضيره؟

يتم استخراج الزئبق عن طريق تسخين الخام (الحجر الأحمر) في تيار من الهواء وتكثيف البخار بواسطة عملية التقطير.

·       وما هي خصائص هذه المادة وما هي أنواعها؟

يتواجد الزئبق في حالتين من الأكسدة، هو المعدن الوحيد الذى يتواجد سائلاً في درجة حرارة الغرفة ويستخدم كمذيب لمعادن كثيرة مثل الذهب، الفضة والألمونيوم ولهذا السبب شاع استخدامه في المناجم.

·       لماذا ارتبط الزئبق بالشعوذة والسحر؟

يستخدم الزئبق في السحر و الشعوذة وبعض الديانات وفي الأدوية الشعبية. ورد في كتب التفسير أن سحرة فرعون كانوا يستخدمونه في حشو الحبال فتتحرك بتأثير الشمس أو المغناطيس وتبدو كأنها حيات تسعى. وفي بعض مجتمعات أفريقيا وأمريكا اللاتينية يستخدم الزئبق في الشعوذة والحماية من الأرواح الشريرة، ويلبس في شكل قلادات ويوضع داخل الغرف والسيارات ويرش حول أسرة الأطفال. أما في الديانات يعتقد الهندوس أن الزئبق هو السائل المنوي للإله شيفا ويؤمنون بأنه أنقى المعادن ليس للأهمية الدينية فحسب بل أيضاً للأهمية الطبية.

·       لماذا يستخدم الزئبق في تنقية الذهب؟

تكمن أهمية الزئبق في خصائصه الكيمائية الفريدة في إذابة معظم المعادن بإستثناء الحديد. يعود تاريخ استخدامه إستخدامه في التعدين لعام 1558 لإستخلاص الفضة في مناجم الأندلس مما ساهم في تحويل أسبانيا إلى قوة اقتصادية كبرى في ذلك الوقت.

هنالك عدة طرق لإستخلاص الذهب وتختلف حسب التركيز ونوعية الصخور التي تحوى الخام. يستخدم الزئبق فقط في التنقيب اليدوي البسيط المعروف بغسيل الذهب. إذ تخلط قطع الذهب الصغيرة والحصى بالماء في وعاء ضحل وباهتزاز الوعاء تترسب قطع وجزيئات الذهب الصغيرة في القاع نسبة لكثافتها العالية. ثم يضاف لإذابة الذهب ويتم فصله عنه بغليان المزيج في النار ليتبخر مطلقاً سحباً من السموم الضارة بالصحة. يعتبر هذا أسهل نوع لتعدين الذهب لكنه ليس مجدى تجارياً نسبة لتكاليف الأيدي العاملة والمخاطر الصحية، لكن مع ذلك يعمل في هذا القطاع عشرات الآلاف من الفقراء في دول غرب أفريقيا والسودان.

·       ما هي مخاطر التعامل المباشر معه علي صحة الإنسان؟

عند غليان مزيج الذهب والزئبق تتصاعد الأبخرة وتدخل مجرى الدم سريعاً حال إستنشاقها وكذلك عن طريق الجلد عند اللمس. وتسبب التسمم ومن أعراضه الصداع، الأرق، فقدان الذاكرة، العجز عن الحركة والآثار العصبية والعضلية. هذه الأعراض تلحق ضرراً باللثة، الجلد، الكلى، جهاز المناعة والإضطرابات العصبية والسلوكية. يضر التسمم بالزئبق بشكل كبير النساء على وجه الخصوص، إذ يهدد تطور الأجنة والأطفال الصغار مما يقود إلى التخلف العقلي، فقدان النظر والسمع، واضطرابات اللغة.

في الحالات الشديدة من التسمم كما حدث في اليابان في الستينيات ، شملت الأعراض خدر في اليدين والقدمين، ضعف العضلات العام، تضييق مجال الرؤية وتلف السمع والنطق، وفي الحالات القصوى يقود إلى الجنون والشلل والغيبوبة والموت.

وعلى سبيل المثال، في عام 1971 لقى أكثر من 459 عراقي حتفهم وأصيب عدد كبير عندما أكلوا خبزاً من قمح مستورد تم رشة بمبيدات حشرية تحوى الزئبق. وكان أكثر المصابين من الأطفال الذين تغذت أمهاتهم بالخبز الملوث قبل ولادتهم.

·       وما هي مخاطره علي البيئة علي المديين القريب والبعيد؟

الزئبق ليس مثل الملوثات الكيميائية التي ينحصر أثرها في رقعة جغرافية محددة بل يصل مداه إلى آلاف الكيلومترات نسبة إلى دورانه بين الهواء في شكل أبخرة، أو التسرب إلى مجارى المياه والتربة. على المدى القريب يؤثر الزئبق على النظم الأيكولوجية مثل تلوث الأحياء المائية، المحاصيل الزراعية، الخضر، الفاكهة، الأعشاب والحشائش التي تتغذى عليها الماشية.

أما على المدى البعيد، يحمل الهواء بخار الزئبق إلى مسافات بعيدة ويدور في التربة مع مياه المطر ليختلط بالمواد العضوية، عندها يتغير الشكل الكيميائي للزئبق إلى حد كبير من خلال عملية التمثيل الغذائي بواسطة الباكتريا والأحياء الدقيقة الأخرى إلى مثيل الزئبق وهو الشكل الأكثر خطورة ويمكن أن يصعد إلى أعلى السلسة الغذائية.

·       هل توجد بدائل له في هذه العملية؟

بدأ مجلس الذهب الحرفي العمل مع عمال المناجم الصغيرة في البلدان النامية مثل بوركينا فاسو لإضفاء الطابع الرسمي على أعمالهم، ومساعدتهم على وضع خطط إتباع وسائل جديدة أكثر أماناً في التعدين، ومن المؤمل أن يؤدى ذلك إلى تنفيذ تدابير الوقاية التي تحد من تلوث الزئبق لمصادر المياه.

البديل الأول هو غليان مزيج الذهب والزئبق في وعاء مقفل وحصر بخار الزئبق وتقطيره وإعادة إستخدامه. والبديل الثاني هو فصل الذهب عن الحصى بواسطة الجاذبية الأرضية وذلك بإستغلال كثافة الذهب العالية. هذه البدائل ما زالت في طور التطوير لجعلها تقنية سهلة التصنيع وقليلة التكلفة لتصبح في متناول عمل مناجم الذهب الصغيرة. وضع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقريره "الزئبق: حان وقت العمل" الصادر في يناير من هذا العام خطة على المدى الطويل وتشمل الأهداف التالية: الحد من كميات الزئبق المعروض في السوق العالمي، تقليل الطلب على الزئبق في المنتجات الصناعية والتجارة العالمية، تقليل إنبعاث الزئبق في الغلاف الجوي، ومعالجة النفايات المحتوية على الزئبق ومعالجة المواقع الملوثة.

·       بم تنصح منقبيّ الذهب في هذا الخصوص؟

الحالة السودانية معقدة بشكل كبير وتتشابك فيها عدة عوامل إقتصادية وسياسية وإجتماعية وتتقاطع معها البطالة، الفقر، فقدان الأمل في المستقبل وسياسة مركزية تعمل على إبعاد الشباب من أوساط المدن، وتبطين جيوب ثلة التمكين بالدولارات بعد أن جف ضرع النفط. لقد ساعد البحث عن الذهب فئة قليلة من الخروج من براثن الفقرولكن هذه الفئة لا تتعدى نسبة 2% من عشرات الآلاف من العاملين في هذه الحرفة على أفضل تقدير.

أما البقية يمكن وصفهم بأنهم فقط يمتلكون الحق في الحلم بأن يصبحوا أغنياء مع ضربة كل معول، وقلب كل صخرة، ومع كل رنة لجهاز كشف الذهب. القوة التى تدفعهم إلى قاع الآبار العميقة نابعة من الحلم ببناء العمارات الشاهقة والتجول على الطرقات في سيارات البرادو الفارهة في السودان لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد العاملين في الذهب ولا خطط واضحة من الدولة لضمان سلامة وصحة العاملين. في هذا الحال يجب على العاملين في تنقيب الذهب معرفة بعض المعلومات والحقائق الأساسية: الزئبق وأبخرته يمكن أن تعلق بالملابس وتؤدى إلى تلوث العمال وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية والمجتمعات التى تقطن بعيداً من أماكن المناجم، مخلفات الزئبق تلوث التربة ومصادر مياه الشرب السطحية والجوفية. إن أبسط ما يمكن عمله على المدى القصير هو إستخدام القفازات والكمامات والبعد من أبخرة الزئبق وحفظ مخلفاته في أحواض من الأسمنت للحد من تلوث المياه والتربة. لايوجد علاج ناجع للتسمم بالزئبق وحتى تخفيف أعراض التسمم مكلفة للغاية مع صعوبة التخلص من الأعراض العصبية والجسمية. إن أفضل علاج هو الوقاية والتعليم والوعى بمخاطر الزئبق.

·       وبم تنصح السلطات لحماية الإنسان والحياة البيئية؟

على الحكومة المركزية إتخاذ نهج شامل يؤدى إلى سلامة وصحة العاملين في التنقيب عن الذهب وتخفيضات كبيرة في إنبعاث أبخرة الزئبق وتلوث مصادر المياه والبيئة. وأن تطبق التوصيات الصادرة في تقرير برنامج البيئة للأمم المتحدة "الزئبق: حان وقت العمل". والإستفادة من الدعم الدولي الذى تم رصده لتقليل آثار الزئبق الضارة بالصحة والسلامة وإيجاد طرق وبدائل لتعدين الذهب الحرفي والصغير. التعاون مع مجلس الذهب الحرفي في إستيراد أو تصنيع الأوعية لغليان مزيج الذهب والزئبق لقبض الأبخرة السامة، والعمل على إدخال تقنية فصل الذهب عن الحصى بواسطة طريقة الترسيب عن طريق الجاذبية. بناء أحواض من الأسمنت لحفظ المخلفات التي تحوي بقايا الزئبق لمنع تسربها إلى البيئة ومعالجتها في المستقبل. يجب أن تتضافر الجهود من الحكومة المركزية والولائية، منظمات المجتمع المدني، شركات صناعة وتصدير الذهب، إتحاد العمال في إصدار دليل لتدريب عمال مناجم الذهب الحرفي والصغير وذلك بترجمة الإصدارات الإنجليزية من عدة دول. أن تقوم وزارة الصحة أو مراكز البحث العلمي أو الجامعات بدراسات مسح شاملة لتحليل البول والدم وشعر عمال المناجم لتحديد مدى تعرضهم للتلوث بالزئبق.

·       ماهي المجالات الأخرى التي يدخل الزئبق في صناعتها ولها ارتباط بحياتنا اليومية؟

في المجالات الطبية يدخل الزئبق في مركب حشو الأسنان، كذلك في مادة الثيومرسال وتستخدم كمادة حافظة في كثير من اللقاحات والأدوية مثل بخاخ الأنف وقطرات العين وبعض المطهرات ويمتد إستخدامها أيضاً في مستحضرات التجميل (المسكارا). أما في المجالات الصناعية يدخل الزئبق في صناعة مقاييس درجات الحرارة، أجهزة قياس ضغط الدم التقليدية، مصابيح النيون وفي إنتاج الكلور والصودا الكاوية. في عام2008 حظرت الدنمارك إستخدام الزئبق في كل الصناعات بما فيها مركب حشو الأسنان. كذلك شمل الحظر الكامل كل من السويد والنرويج وتم ترشيد إستخدامه في الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واستبداله بكيماويات أخرى في المجالات الطبية والصناعية. وقد صادقت140 دولة على ميثاق برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذى أصدر تقريره مطلع العام الحالي الذى يدعو للحد من إستخدام الزئبق في كل المجالات.
حوار: إبراهيم سليمان/آفاق جديدة/لندن
__________________

*أحمد هاشم تخرج في معهد الكليات التكنلوجية بيطرة كوكو وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراة من جامعة لندن في الأحياء الدقيقة والجزيئية والكيمياء الحيوية.  يعمل باحثاً في كلية الملكة ميري للطب وعلم الأسنان بجامعة لندن منذ أكثر من عشر سنوات، ونشر عشرات البحوث في الدوريات العلمية العالمية، أشهرها في الطبيعة (Nature)، الخلية (Cell) والمناعة (Immunity).  يهتم بقضايا الصحة والتنمية الريفية التى يقودها العلم ويؤمن بنقل التقنية والمعرفة من المختبرات ومراكز البحث العلمى إلى مصادر صنع القرار السياسى وإلى الريف والبادية. يمكن الإطلاع على مقالاته في منبر مؤسسة كردفان للتنمية.                      www.kordofan.co.uk         a.hashim@hotmail.co.uk

 

 

                      

 

 

ليست هناك تعليقات: