الأربعاء، أبريل 10، 2013

خيبة المعارض السوداني في البي بي سي عربي


خيبة المعارض السوداني في البي بي سي عربي

إستضافت قناة البي بي سي عربي قبل فترة صحفي سوداني، يلبس احياناً الجلباب الأفريقي ويسوق نفسه كمعارض، وكان محور اللقاء الازمة المالية الطاحنة التي تواجهها النظام بسبب خروج واردات النفط من الخزانة العامة وإيقاف ضخ بترول الجنوب عبر أنابيب ومواني الشمال. ذكر الصحفي الضيف أن الحروبات الدائرة في البلاد هي أحدى اسباب إفقار الخزانة العامة، معدداً في معرض حديثه كافة جرائم النظام في حق الشعب السوداني، إلا أنه لم يتطرق مطلقا لجرائمه الجنائية المرتكبة في حق إنسان دارفور رغم تكرار مقدم البرنامج لذات السؤال "جرائم النظام" اكثر من مرة.
على قول الشاعر الفذ عمر الدوش في ملحمته سعاد "ضاقت نعالي من الزعل" الأمر الذي دفعنى  للإتصال به مستفسراً عن مرد إمساكه عن الإشارة لجرائم النظام في دارفور، إشطاط غضباً، وتنبر أنه صحفي وإدعى أنه فعل، وقلت له وأنت الصحفي هناك فرق في أن تورد تداعيات الحرب على الخزانة العامة وأن تذكر تجاوزات النظام الفظة في حق إنسان دارفور كجرائم بارزة في صحيفته كرد على سؤال كُرر عليك، ورجوته ألاّ ينساها إن إستضيف مرة اخرى.
جرائم النظام في دارفور معروفة للقارئ ولا داعي لسردها هنا، وإن كانت ليست في بال ضيف البرنامج او لا يقر بها، على مذيع البي بي سي أن يذكره بها إن كان حاضر الذهن يعي ما يدلي به ضيفه.
وقبل اسبوعين إستضافت ذات القناة صحفي سوداني آخر معروف بانتمائه السياسي لحزب المؤتمر الشعبي وقدمه للمشاهد على أنه محايد، وطفق الضيف يشيد بشيخه الدكتور حسن الترابي واصفا إياه بانه سنام المعارضة السودانية، ومستدلاً على تسامحه بمصالحته للنميري عام 77، ومفتخراً انه اول من كشف لقاء على عثمان والدكتور على الحاج، وليس هنالك ما يؤاخذ عليه ضيف البرنامج ، اللوم فقط على مذيع البي بي سي عربى ، الذي وصفه بالمحايد دون أن يتعب نفسه ويتأكد من هويته السياسية، ونحن على يقين، إن كان الصحفي "الشعبي" ضيفاً على قناة تلفزيون جمهورية أرض الصومال، وقال ما قاله للبي بي سي عربي، لقاطعة ولو من باب المداعبة قائلاً: أليس د. الترابي هذا هو مدبر إنقلاب يونيو 89 وصاحب الأيقونة السياسية الأشهر "أرسلته للقصر رئيسا وذهبت للسجن حبيسا". مستوى اللقاء التلفزيوني المشار إليه يوحي للمتابع أن المذيع والضيف جالسان في قهوة وليس داخل استديو ويتابعهم الملايين.
وفي ذات الحلقة المتعلقة بإطلاق السجناء السياسيين بقرار رئاسي مؤخراً، ودعوة النظام المعارضة للحوار، إكتفي مقدم البرنامج بصدور القرار متجاهلاً حقيقة أن ما تم إطلاقهم هم سبعة سجناء فقط.
وقبيل بدء فعاليات مؤتمر المانحين لسلام دارفور في الدوحة هذا الأسبوع، قدم مندوب البي بي سي عربي تقريراً ختمه بأن الإقليم ظل يعاني من نزاعات قبلية راح ضحاياها "عشرات القتلى" دون ان يوضح مصدر هذا التقييم، وبكبسة ماوس يستطيع أي شخص معرفة أن عدد قتلى النزاع القبلي بجبل عامر وحده خلال الأشهر الأخيرة ، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة، قد تجاوز المائة وخمسون قتيلاً حسب تقديرات سلطات ولاية شمال دارفور، ناهيك عن عشرات النزاعات القبيلة المتكررة خلال أكثر من عقد من الزمان، والتي لا تقل عدد ضحاياها عن عشرات الآلاف، ليس من شك عندنا أن مراسل البي بي سي عربي بالخرطوم هو احد منسوبي النظام، وإن كان مذيعي البي بي سي لا يعرفون هوية ضيف راتب لديهم يقيم معهم في لندن، لا نستغرب عدم معرفتهم بمندوب قناتهم المقيم ما وراء البحار.
بعض مقدمي برامج البي بي سي عربي يوحون للمتابع أنهم حريصون على تقديم برامجهم والسلام، أي "عدي من وشّك" لا يجهدون أنفسهم في الإعداد، ومنهم من تجده شارد الذهن، عليهم أن يعلموا أن المشاهد السوداني شديد الإهتمام بتفاصيل ما يخصه، وهم كغيرهم يفترضون أن مقدمي البرامج على قدر كافٍ من الإلمام بما يحاورون ضيوفهم حوله، حاضري البديهة ومستعدون للاستدراك، وإن كانت هذه الضرورة المهنية مرهقة لمقدمي برامج البي بي سي، بإمكانهم أن يعهدوا الشأن السوداني للصحفي القدير عمر العمر و يا دار ما دخلك شر. أراهن ان الجميع سيقولون له من أمام الشاشة كل مرة "ينصر دينك يا عمر"
في بعض الأحيان تستضيف قنوات التلفزة ضيف اوحد ، ويتقمص المذيع دور الطرف الأخر ، وهنا يحدث إلتباس للمشاهد، هل ما يقوله مقدم البرنامج ضرورة مهنية لخلق التوازن، ام رؤية القناة في الموضوع محور النقاش، من وجهة النظر الاحترافية البحتة، الإفضل تقديم تقرير "مُدنكل" ومتوازن عن الموضوع، بدلا من إستضافة طرف واحد والإجتهاد في خلق التوازن على حساب سمعة القناة. وهذا بالطبع يحتاج لجهد، والأسهل منه الإتصال على ضيف قد يكون "شليقا" يهرول إلى الاستديو على حسابه الخاص.
مشكلة البي بي عربي انها ورثت جمهور تربي على ما تقدمه القسم العربي من هيئة الإذاعة البريطانية سابقا "هنا لندن" على مدى عقود، على لسان فاروق الدمرداش، ايوب صديق، حسام شبلاق، ورندا حبيب ورفاقهم "الأعلام" الأماجد، في مجال الأخبار والسياسية والثقافة، مسلمين على أنها لا يأتيها الباطل من بين طياته، وتغنى عن البحث عنها من مصادر آخرى، تحول هذا الجمهور من مستمع حصيف إلى مشاهد جاد، وما نراه الآن بعض مقدمي برامج هزليون ليسوا على قدر مستوى "هنا لندن"، ومرد ذلك في رأينا إفتقار القناة للتنوع lack of diversity  فالملاحظ ان معظم مذيعي القناة من جنسية عربية بعينها، سيما وأن بعض منظري الإعلام يرون أن القائم بالإتصال هو قارئ النشرة او مقدم البرنامج فقط، وهنا تمكن ضرورة تنوع الكادر البشري لقناة دولية موجهة لجمهور عريض تجاوز المائي مليون مشاهد عربي، وما نلاحظه كنتيجة طبيعية لتماثل طاقم البي بي سي عربي، تماثل محتوى تقديم برامجها من حيث "الكلفته" والابتسار يلاحظه المشاهد بجلاء.
قد يسأل سائل طيب "العاصركم شنو" على مشاهدة القناة، ونقول هي نقطة ضعفنا، هرباً من قنوات اخرى منافقة ولم تخف تحيزها ضدنا، سطحيتها ارحم بأعصابنا من نفاق الآخرين، وآملنا أن تجتهد إدارة القناة في تجويد ادائها إحتراماً لمشاهديها الأوفياء. ما تقدمها حتى الآن تبسط النظام ولا ترضي المعارضة.

للإطلاع على المقالات السابقة:


//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: