الثلاثاء، يناير 29، 2013

رداً على آدم جمال ... إما القنوع وإما القتال


رداً على آدم جمال ... إما القنوع وإما القتال

كتب الأستاذ آدم جمال من سدني مقالةً بعنوان "قضية جبال النوبة على مفترق طرق .. والنوبة بالحركة لا يملكون قرار!!" في مجملها متماسكة الطرح، رغم ما جاء فيها من تثبيط لهمم الثوار، والغمز واللمز في قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال، والتجهم في وجوه قيادات الجبهة الثورية ومناصري قوى الهامش الذين احتموا بمغارات جبال كاودا التي ظلت وستظل بإذن الله عصّية على رأس النظام ان يصلي فيها حاضراً.

لسنا على دراية بخلفية الأخ آدم السياسية ولكن من محتوى طرحه في مقالته المشار إليها يمكننا القول انه يتفق قلبا وقالبا مع الجنرال دانيل كودي والدكتورة تابيتا بطرس ، وبما أنه تناول قضايا مهمة بجرأة شديدة تمس مسيرة نضال أهلنا في جبال النوبة، رأينا أن مقالته تستحق الوقوف عندها وألاّ تمر مرور الكرام، ومن منطلق إهتمامنا بقضايا عموم الهامش سنتناول في ردنا هذا على مقالته ثلاث نقاط وهي جدوى الإستمرار في الحرب كخيار للحصول على المطالب المشروعة، وهيكل الحركة الشعبية قطاع الشمال ثم نعرج إلى آثار تمركز قوات الجبهة الثورية في جبال النوبة إن صح هذا الزعم على إنسان الجبال، ومن ثَم نختتم بتبيان العائد المنتظر من الحروب الدائرة الآن في الهامش ضد المركز، مع التنويه إلى عدم صلتنا بالجبهة الثورية.

في البدء اتفق مع الأخ آدم جمال أن قيادات أبناء النوبة بالحركة الشعبية قد ارتكبت حسب تقديرنا خطاءً فاضحاً بثقتها العمياء في الحركة الشعبية، رغم أن هذه الثقة كانت في محلها في ظل قيادة الراحل د. جون قرنق، أما فيما بعده، كان الأجدر بهم الإعتصام بجبال كاودا في وقت مبكر عندما إتضح لهم إنكفاء الحركة الشعبية على نفسها تحت قيادة الفريق سلفا كير، إذ كان بإمكانهم بقليل من الجهد في التوقيت المناسب الحصول على ما وردت في إتفاق نيفاشا للسلام الشامل C.P.A.

وطالما ظلت المطالب المشروعة قائمة، والمظالم لا تزال تراوح مكانها، بعد كافة التضحيات الكبيرة بأرتال الشهداء ، من وجهة نظرنا الأفضل الإستمرار في الحرب مع تصحيح المسار والإستفادة من تجارب الماضي، ومبرر هذا الخيار، دعنا عن نظام الإنقاذ الذي أعلن بوضوح أن من لديه مطالب ويريد الحصول عليها، عليه أن يحمل السلاح، والواقع قد برهن انهم يعنون ما يقولون، دعنا من هؤلاء بل ان كافة الحكومات الوطنية السابقة ولا نظن اللاحقة ستعير قضايا الهامش الإهتمام اللائق بدون "دشمان"، ببساطة لانهم جميعا مركزيو النزعة، يتوجسون من صحوة أبناء الهامش.

على هذا الواقع المؤسف، فإن مسألة إلقاء السلاح والجلوس مع النظام الحالي للحصول على المطالب عبر التفاوض بعد رفع سقوفاتها، يعتبر حيلة يائسة، اللهم الاّ إن كان الاستجداء ينفع مع اللئام، بالطبع هذا ما ينبغي فعله متى ما سقط النظام، وقف إطلاق النار مع الإحتفاظ بالبارود جافاً، فالحرب الحالية مفروضة على الجبال وكافة ربوع الهامش وليست مجرد نزوة اعترت قياداتها، ولا نعتقد إن ألقى أبناء النوبة السلاح سيسلمون من الإستهداف بوسائل اخرى لا تقل فتكاً عن القصف اليومي بالصواريخ، نقول هذا ونحن دعاة سلام ولسنا مروجي حرب، وقديماً قيل احرص على الحرب توهب لك السلام، واحرص على الموت توهب لك الحياة الكريمة.

وإن كان التفاوض يجدي نفعا مع الإنقاذ لنفذت سلطاتها الجزئية الخاصة بجبال النوبة الواردة في إتفاقية السلام الشامل عندما خمدت قعقعة السلاح لخمس سنوات، كان بإمكانهم تنفيذ طريق الجبال الدائري من واردات بترول الجنوب وليس من الخزانة العامة، لكنهم لا يرون أن أبناء النوبة يستحقون ذلك، ولتقديراتهم أنهم أصبحوا يتامى بموت الاستاذ يوسف كوه مكي ورحيل د. جون قرنق، وعلي أبناء النوبة أثبات عكس ذلك.

وهذا ما يقودنا إلى هيكل الحركة الشعبية قطاع الشمال. حسب علمي من بعض عضوية الحركة، فإن الوضع الحالي انتقالي وهم بصدد عقد مؤتمرهم العام متى ما خّف الإستهداف الحكومي لأهلهم العزل، لإختيار قيادات بديلة، ومن رأينا من الضرورة أن يُطعّم الهيكل المرتقب بقيادات واقعة خارج تأثير أدبيات الحركة الشعبية، وإن كنت في محل الأستاذ ياسر عرمان لإكتفيت بمنصب أمين العلاقات الخارجية للحركة ولأفسحت منصب الأمين العام لقيادي "فرش" من أعالي جبال النوبة او الأنقسنا، ومن الأهمية بمكان التفاكر خلال المؤتمر المزمع للحركة الشعبية في جدوى فصل القيادة السياسية عن القيادة العامة للجيش من اجل خلق التوازن في إتخاذ القرار، في تقديرنا أن مثل هذه المسائل لم تعد حقاً حصرياً على عضوية أية حركة ثورية.

اما إتهام الأخ آدم جمال الصريح للشخصيات القيادية بالحركة الشعبية بما فيهم الراحل الأستاذ يوسف كوه مكي بالتخطيط والتورط في تصفية أبناء النوبة حيث قال: " فلذلك لا بد أن نؤكد لابناء النوبة بالحركة الشعبية أن عبدالعزيز الحلو وياسر عرمان هما غير مكترثين لمعاناة أهل جبال النوبة أصلاً ، بل هما وُظِّفا من قِبل الحركة الشعبية للقضاء على قيادات النوبة والذين يحملون هموم أهلهم ، فقد تم القضاء عليهم لصالح أجندة الجنوبيين وأجندة غير نوبية ، فقاما بهذا الدور بشكل ممتاز على مدار أكثر من عشرين سنة ، فقد كانا الذراع الأيمن ليوسف كوة وقرنق في إستغلال أبناء النوبة فى القتال لصالح الجنوب". نعتقد أنه القى الكلام على عواهنه ورمى التهم جزافاً، وإلا كان عليه تقديم الشواهد وإيراد القرائن على مثل هذه الادعاءات الخطيرة، لأن الكثيرين بلا شك قد اندهشوا على هكذا إتهام، كما تحامل على الأستاذ ياسر عرمان بقدر من الفظاظة والقسوة، فأهله أهلنا جميعا، ونحسب انهم بالصرار يعانون قدراً من التهميش، يشربون من الترع ويعانون البلهارسيا المزمنة، وإن اكتوى أهلنا في دارفور والشرق والنيل الأزرق بنار الحرب المفروضة عليهم، نتمنى لهم صادقين السلامة، والحرب ظلت مستعرة في جبال النوبة قبل أن يلتحق ياسر بالحركة الشعبية.

كاودا أصبحت "أيكونة" في العمل الثوري بلا جدال، إما إتخاذ قوات الجبهة الثورية من جبال النوبة منطلقاً لها حسب زعم الأخ آدم جمال، أعتقد أن المسألة تحتاج إلى مراجعة من واقع العلميات العسكرية التي تعلن عنها الفصائل المكونة للجبهة. وإن صح هذا الزعم، فإن إنسحابها منها لن يوقف القصف الحكومي للمنقطة اللهم إلا في حال إستسلام أبناء النوبة. وفي تقديرنا ان رمزية كاودا في ثورة الهامش، ومركزية الجبال للعمليات العسكرية أن صحت، يمكن النظر إليها من زاوية اخرى، فقد وجد اهالي الجبال من يتضامن معهم من كافة مكونات الشعب السوداني الثوري والمدني، عوضاً عن أنهم كانوا يشيلون شيلتهم وحدهم، والآن وجدوا من يشاركهم الهم والمصير، يضاف إلى ذلك إن إنسان الجبال اصبح مديناً لجميع الثوار بالكثير، وسيحصلون بالتأكيد لاحقاً على هذه الإستحقاقات، فقط عليهم إطالة البال.

ولتصحيح وضع السودان المائل، ووقف محاولات تزييف هويته، أما أن يركز الجميع ليتحقق ذلك الآن، وإما فلا للأبد، ومن فقد هويته، فقد وجوده، وإن كان الأخ آدم جمال ومن يشايعونه طرحه في أن وضع الذُل وحياة المهانة المفروضة على هوامش السودان مع سبق الإصرار والترصد، هو موضع مريح ومقبول، وهم يحنّون لحال جبال النوبة المحاصرة بالجهل والفقر المفتعل والمرض، وتردي الخدمات الضرورية، وفرز أبنائهم المؤهلين في الوظائف العامة والدستورية، رغم مساهماتهم المقدرة في رفد الخزانة العامة، والتضحية من أجل سيادة السودان عليهم هم أيضاً التصافي من أنفسهم ومراجعتها.

إن كان ذلك الوضع البائس قمة طموحاتهم، أعتقد أنه يتحدث عن نفسه وليس عن إنسان الجبال الذي أنجب أمثال البطل على عبد اللطيف، وعباس برشم والأب فلب عباس غبوش والأستاذة جليلة خميس، وإن كان من زمرة هؤلاء عليه مناصرة حاملي السلاح من أجل العزة والكرامة، وإن جنح النظام للسلم، بعد التأكد أنه ليس بالمخادع، يجب أن يقال له واليد على الزناد: ضع جميع المسروقات ارضاً ثم أرحل ويدك مغلولة إلى عنقك.

أبناء الجبال كغيرهم من أهالي الهامش، عارفين أن مواردهم الذاتية تكفل لهم الحياة الكريمة، ناهيك عن نصيبهم المشروع من الموارد القومية، ومن الأفضل أن يضحي الجيل الحالي من أجل رفاهية الأجيال القادمة، بدلاً من أن يرزح الجميع إلى الأبد تحت معاناة مفروضة عليهم من نخبة أنانية استمرأت مص دماء الآخرين، وتصر على توريث هذه العادة الظالمة لأجيالهم، وليس صحيحا أن كفاح ابناء الهامش موتاً مجانياً كما يرى الأستاذ آدم جمال، هذا كلام عديمي العزيمة.


//آفاق جديدة//

ليست هناك تعليقات: