الثلاثاء، ديسمبر 18، 2012

ولى زمن الإحباط


ولى زمن الإحباط


ما اضيّق الحياة لو لا فسحة الأمل، لذا على السياسي الرهان على الزمن وعدم القنوط من حلول فرصته المواتية، ولكن لا معنى للفجر لمن استمرأ سباته ولم يستيقظ، قال الشهيد الشيخ أحمد ياسين موجها حديثه للصهاينة من علو متن كرسيه المتحرك قائلاً: "من عدالة السماء أن القوة لا تدوم لأحد" وقد صدق، فما كان لدولة فلسطين أن تحصل على مقعد ولو "متفرج" في الأمم المتحدة، لولا اختلال موازين القوى خلال السنوات العشر الأخيرة، هذه الخطوة التاريخية اختصرت وأنعشت أمل تحرير آخر دولة محتلة في العالم لعشرات من السنوات الضوئية، ولولا الخلل الذي حلّ بالدول العظمي بمقتضى عدالة النواميس الكونية، لما توانت دول الاستكبار في رفع الفتيو في وجهة الطلب الفلسطيني والذي من تبعاته المرتقبة، أن يجد راس النظام السوداني في جبهة موحدة مع الرئيس الإسرائيلي لمناهضة محكمة الجنايات الدولية.

ومن الأهمية أن يعي أصحاب المظالم ماذا يريدون على وجه الدقة والتحديد، ويدركون كيفية الحصول عليها دون تعسف، مع التقدير العاقل للذات بدون غطرسة، وإدراك مطلوبات الحاضر، واستشراف ملامح المستقبل المنشود، وعدم إغفال أن تسوية الحقوق والواجبات الوطنية تلزمها انتقاص مكتسبات وزيادة التزامات أناسُ يتوهمون احقيتهم في امتيازات ورثوها من أسلافهم، لذا ثمة ضرورة لقوة منطق وقدر من السماحة والاستعداد لأية "عنكبة" محتملة من أجل فرض قسطاس الحقوق والواجبات على الجميع على قدم المساوة.

يمكننا القول أن اهلنا في المعسكرات قد هزموا مخططات النظام، بصمودهم وتماسكهم، وتوحيد إرادتهم، وطلاب الجامعات السودانية دشنوا تمردهم المتنامي مع كل منعطف، ولن نفقد الأمل في أن تتخطى قياداتنا الثورية والسياسية مرحلة الغيبوبة الفكرية والتوهان السياسي واستعادة الوعي والعودة إلى جذور أزمة الحكم في البلاد، و"الخواجات" يقولون: The time is a hero  قادر على هزيمة الذين يحاولون إعادة عقاربه إلى الوراء، أو يتعمدون إبطاء إيقاعه، والذين يسبحون عكس تيار التغيير هم الخاسرون لا محالة.

نحن نؤمن إيمان العجائز أن دولة الظلم آيلة للزوال لا محالة، وأن الذين ظلوا يعانون الحيف الاجتماعي والسياسي لأكثر من نصف قرن، لن يتهاونوا مطلقا من الذين يريدون إعادة إنتاج الماضي البغيض المتمثل في تكريس إمكانيات الدولة السودانية ومقدرات الشعب لصالح شرذمة شريرة، أو جهة مستعلية ليظل الأخرون أمم مسخرة.

على الشعب السوداني إن أراد الحياة، إن يترك السلبية والانقياد المهين للقيادات السياسية، والانصياع الأعمى للزعامات الطائفية والرموز الأثنية التي لا تعرف الخجل، مثل هذا السلوك هو ما أضاع لنا حصاد انتفاضتين كنا نفاخر بهم الأمم، قال افلاطون: "الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم هو ان يحكمهم الأشرار" والعالم من حولنا يجمع على أننا طيبون، وإن وصفونا باللامبالاة نكابر، ولأن الانتفاضة الثالثة على الأبواب علينا مراجعة سلوكنا السياسي مراجعة شاملة.

على المعارضة مواجهة عجزها عن الفعل السياسي، فالعاجز مضيّاع لفرصته عتّاب لقدره، ولا سبيل لإبدال هذا الفشل الماثل بنجاح إلا بتجديد الأفكار البالية، وتجديد القيادات العتيقة، ولن ندهش إن اصبحنا على إنغام ائتلاف سياسي "فلته" من شباب الأمه، وحركة قرفنا، وقوى الهامش وشباب التغيير كخطوة اولى لسحب البساط من الكبار، مثل هذا الحدث السياسي الهام بات من مطلوبات المرحلة، الذي سينهي الإحباط ويبدد اليأس من إمكانية الانعتاق من قيود الحيشان الكبيرة التي لا ترحم، ولن تتواني في اعتراض سُبل الرحمة.

إن اعترضت مسيرتنا عقبة كؤوده علينا أن نفكر في كيفية تدميرها أو الالتفاف والبحث عن مخرج فلكل مضيق نفق، وألا تلهينا الوسائل عن الغايات، وألا نغتر بنجاح اللحظة ومتعتها، فالشعور بالنجاح هو بداية الفشل، وعلينا أن ندرك أن الاعمال العظيمة تتحقق ليس بالقوة وانما بالإصرار، ومن المهم أن ندرك أن أساس التغيير إيجابا كان أو سلبا هو التغيير الداخلي سواء كان للفرد أو الأمة بمجموعها، وهذا المسلك ضروري لمن أراد أن يتغلب على كثير من الإخفاقات ويتخلص من الإحباط .

يجمع اهل العلم على أن سبب الإحباط هو المكوث على حال واحد وعدم التغيير لفترات طويلة، ويظن أهل الشأن أن هذا هو قدرهم، والواجب علينا أن نتمرد على الواقع وعدم التعايش معه طالما أننا نؤمن أننا نستحق الأفضل منه، ذلك أن الاستلام في واقع الأمر هو ما يسلب قدراتنا كبني إنسان. والحياة مكان للفرص ولن نخسر شيئا أن بحثنا وسعينا الى الأفضل، وتغيير المصير دائما يأتي تبعاً لتغيير التفكير.

ويلزمنا الحفاظ على آمالنا حيّة، فإن هي ذهبت تركتنا هائمين بغير حياة، وعلينا زجر من يحاولون الاستخفاف بطموحاتنا في الحياة الكريمة التي يستحقها الجميع، وينغي أن ندرك ليس بالإمكان ارتياد المجد دون ركوب المخاطر، ومحال على من يقدم المحاذير أن يبلغ المعالي، ويلزمنا جعل السقوف الزمنية لطموحاتنا مرنة وقيد المراجعة، ولابد لمن ينشد النصر أن يتذوق طعم الهزيمة.

إضاءة:

إذا طُعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة.

ابراهيم سليمان/آفاق جديدة/ لندن

ليست هناك تعليقات: