الأربعاء، ديسمبر 05، 2012

ماذا تتوقع الجبهة الثورية من المؤتمر الشعبي؟


ماذا تتوقع الجبهة الثورية من المؤتمر الشعبي؟


بمقتضى العدالة والإنصاف كل إنسان يستحق الفرصة الثانية، وبما اننا بصدد تناول مواقف حزب يرفع شعار الإسلام وارتكب كبائر في حق الشعب السوداني فأن هذا الاستحقاق له استحقاقات حددها محكم التنزيل في سورة الفرقان بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، والتحقق من ذلك في شقة السياسي متروك للرأي العام وجماهير الشعب.

لسنا بصدد رصد الشواهد وتدبيج الأدلة على نفاق قيادات حزب المؤتمر الشعبي، فقد اصبح ذلك في حكم المعلوم بالضرورة للمتابع للمشهد السياسي السوداني، والآن بات العالم بأسره يرتاب في إيمان حركة الإسلام السياسي العالمي بالديمقراطية، ومن السذاجة اعتقاد أن حزب المؤتمر الشعبي قد بدّل عقيدته السياسية لمجرد أن أمينه العام الدكتور على الحاج وجه اعتذار وطلب السماح من الشعب السوداني في سبتمبر 2008 حيث قال لصحيفة الوطن: " سجّل على لساني أنا الدكتور على الحاج .. إننا كنا مخطئين وتبنا الان وراجعنا موقفنا"

وبما أن الجبهة الثورية السودانية تمثل بشكل او بآخر، الواجهة السياسية لقوى الهامش العريض، ومظلة لدعاة اعادة الهيكلة فمن الضروري عدم إغفال وجهة نظر التيارات الشعبية والأقلام غير الرسمية فيما يتعلق بالتعامل المستقبلي مع حزب المؤتمر الشعبي كشريك أصيل في التآمر على إجهاض حكومة شرعية وما ترتب على انقلاب يونيو 89 المشؤوم من انتهاكات في حق العباد والبلاد. ذلك كون رموز حزب المؤتمر الشعبي قد اجبرت على مغادرة قطار السطلة في رمضان 99 لا يعني أنها اصبحت بريئة موثوقة مسموح لها بالجلوس مع الشرفاء والمشاركة في الزحف على جحافل النظام هكذا دون احتراس وقبل حلول موعد المحاسبة والتطهر من رجز المشاركة في جريمتهم النكراء.

لقد اجتمعت في رموز المؤتمر الشعبي كافة علامات النفاق، من الكذب وإخلاف المواثيق وخيانة الأمانة، وإظهار خلاف ما يبطنون، وسيظلون في نظر الشعب السوداني سرّاق ومنتهكي حرمات إلى أن يحاكموا وينالوا جزائهم ويثبوا حسن نواياهم. وفي شأن هؤلاء عندما يتعلق الأمر بمواجهة الخصوم ودفع الأعداء،  قال فيهم المولي عز وجل في سورة براءة: } لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين {

قادة المؤتمر الشعبي ليس فيهم رجل نظيف، ومن لم تتلطخ يداه بدماء الأبرياء، تلطخت مواقفه بالتخطيط والتآمر على إرادة الشعب، والتستر على الجرائم التي ارتكبت في حقه، وجميعهم شركاء في تشريد الأسر السودانية وإزلال المواطن مع سبق الإصرار والترصد وتسخير مقدرات البلاد في خدمة جماعات اجنبية أساءت إلى سمعتها، وما برحوا يوالون تلك الجهات وما بدلوا تبديلا، فما شأن قوى الهامش بهؤلاء؟ لهم دينهم ولنا دين.

وقد تابعنا كيف أنهم اعتذروا للشعب السوداني عام 2008 وشاركوا في انتخابات 2010 ، لإطفاء شرعية لسارقي السطلة تحت ظروف انتخابية غير متكافئة، كما لم نسمع لهم حس أو خبر خلال الانتفاضة الأخيرة، ولا يمكننا تصنيف هذه المواقف والممارسات كعمل صالح. ونعتقد جازمين أن حزب المؤتمر الشعبي ليس لديه شيء يذكر ليقدمه للجبهة الثورية، بل أن التقارب معه يعتبر خصما عليها، فالكيزان هم الكيزان أينما كانت مواقعهم في الحكومة او المعارضة ومهما تبدلت مسمياتهم، شيمتهم الخيانة وديدنهم الغدر.

صحيح أن جحافل الجبهة الثورية لم تصل مشارف الخرطوم بعد، ولا نعتقد أن حزب المؤتمر الشعبي سيساهم في ذلك قيد أنمله، وليس من الصعوبة التوصل إلى أن افضل ما ينتظرها قياداته، إنتصار التيارات المناهضة لجناحي البشير وعلى عثمان لتتحالف معها في مرحلة ثالثة من حكم الإسلاميين، واي سيناريو غير ذلك يعني محاسبة عسيرة وتندر لتجربتهم، ونظام حكم ليس في صالح النخبة المركزية التي يمثلون رموزها وسدنتها.

في قناعتنا أن المعاداة الظاهرة من حزب المؤتمر الشعبي للمؤتمر الوطني ليس مبدئيا يدلل رفضهم لسطوة المركز ضد الهامش، او كفرهم بالاستبداد الايدلوجي او تنازلا عن شعورها بالوصاية الدينية على الشعب السوداني، ومجرد ترشيح الأستاذ عبد الله دينق نيال لمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات هزلية لا تمت بصلة لمشروع إعادة الهيكلة، والمطلوب الاعتراف بالتنوع والتخلي عن الوصاية الدينية والإبتعاد عن السخرية الفكرية والإعتراف بالمظالم التاريخية الممنهجة الواقعة على الشعوب المهمشة والولاء للشعب السوداني اولاً واخيراً. الحقيقة البينة أن مرد هذا الخصام غبن سياسي بحت سرعان ما ينقشع مع تبدل قيادات المؤتمر الوطني وليس بمستبعد أن يستقوي المؤتمر الشعبي بفلول النظام ضد الجبهة الثورية بعد زواله، ومن البداية قد تركوا الباب مواربا للمتململين منهم.

لا شك أن مذكرة التفاهم الموقعة من قبل الجبهة الثورية مع المؤتمر الشعبي مؤخراً قصد بها تكبير الكوم السياسي، وإطفاء المحورية للجبهة، بيد أننا نستغرب لماذا تصد الجبهة الثورية معارضي جبهة الشرق وترحب بالمؤتمر الشعبي؟ ونتساءل أن كانت هذه الخطوة تعبر عن هوي شخصي للسيد ياسر عرمان الأمين العام للجبهة أم هي رغبة حقيقية لقيادة تحالف كاودا، ومرد هذا التشكيك أن تحركات السيد عرمان يكتنفها الكثير من التخبط والشوفينية لاحظنا ذلك في ابوجا والدوحة ومواقف كثيرة مماثلة، وثمة مؤشر آخر على عبثية الخطوة الأخيرة، وهي أن الصورة التي التقطت بمناسبة توقيع البيان المشترك، أكثر وضوحا وأبلغ دلالة من نصه الفارغ مضمونا.

وقياساً على هذا التهاون لم نستغرب إن تمكن صلاح قوش من النجاة من المقصلة أن يهرول السيد عرمان فاتحاً ذراعيه مرحباً به في الجبهة الثورية!! وما فتئ الأمين العام للجبهة الثورية يمارس اللعبة السياسية وفق الأسس القديمة، وهذا ما يشعرنا بالإحباط والقلق، ذلك أن تحالف كاودا قائماً في الأساس على مطالب شعوب تأذت من ضيم الحكومات المركزية بشكل عام وواجهت الفناء من مخططات الإسلاميين على وجه الخصوص، لهذا ليس من حق أحد أن يتساهل بأسمائهم مع جلاديهم، وهم ليسوا مغيبيّ الوعي كما يعتقد البعض، يراقبون كافة التحركات التي تدار تحت يافطاتهم، وليس لديهم ما يخسرونه إن تمسكوا بحقهم في النفور والاحتراس من البراغماتيين، والارتياب من تجار الدين والسياسية.

من رأينا من مصلحة مستقبل السودان ألا يكون للمؤتمر الشعبي نصيب من شرف إزالة النظام، وإن عدمت الجبهة الثورية المباصرة في تحقيق هذا الهدف، إلا بمعاونة الأخير، فكأنها من يستجير من الرمضاء بالنار، ذلك أن الثابت ما دخل زعيم الشعبي تحالفا إلا خانه، وما انضم إلى جماعة إلا شانه، قولوا لهم لم تخرجوا معنا ابدا ولم تقاتلوا معنا عدوا، عليهم ان يخرجوا من صوب وانتم من صوب ويكون الملتقى عند القصر الجمهوري، فإن ابلوا بلاءً حسنا فإن ذلك قد يخفف عنهم القصاص عند الشعب.

يجب على الشعب السوداني الإخلاع عن التسامح المجاني المضر، وهو ما اوصلنا إلي ما نحن فيه الآن من متاهات سياسية تهدد كيان البلاد، وليس من حق القيادات السياسية التسامح والتراخي في محاسبة منتهكي حقوق الشعب بأية حال من الأحوال، كان ذلك يتكرر بسبب هيمنة النخبة المركزية بكافة السلطات، بعيدا عن ممثلي الشعب طليقي الإرادة السياسية، وبسبب تعقيد العلاقات بين كافة رموزها.

ومن وجهة نظرنا أن مجرد إعطاء وجه لقيادات المؤتمر الشعبي لم يحين موعده بعد، وإن التمسوا المشاركة في كفاح النظام ينبغي أن يتلى عليهم قوله تعالي } فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مره فاقعدوا من الخالفين{ التوبة. وإن لم نكن صارمين ومكشرين الأنياب في وجوه أمثال هؤلاء، لاستسهل قوم آخرون الإقدام على جرائم مماثلة في حق البلاد والعباد. ومن رأينا لأن يستمر نظام الإنقاذ لربع قرن آخر، مع ضمان بناء دولة المواطنة "البنحلم بيهُ" على أسس راسخة، لهو افضل من الاستعانة على إزالته بجهات لا عهد لهم ولا ذمة تمثل خميرة الانتكاسة وبذرة العكننة.  ونتمنى ألا تتعدي العلاقة مع المؤتمر الشعبي هذه المرحلة من باب الحيطة والحذر من خبال المنافقين والخوالف.

ابراهيم سليمان/آفاق جديدة/ لندن

ليست هناك تعليقات: