الجمعة، نوفمبر 02، 2012

أبشروا.. الإنقاذ ساقط ساقط بانتفاضة وبدونه


أبشروا.. الإنقاذ ساقط ساقط  بانتفاضة وبدونه

أطمأنت حكومة الإنقاذ إلى ضعف قوى المعارضة المدنية، بعدما ادخلت رموزها التقليدية في جيبها السري، وأفلحت في فصل الشعب السوداني بعد فصل الجنوب إلى فسطاطين، فسطاط لناس المركز حكومة ومعارضة، وفسطاط لناس الهامش ثوار ومجتمع مدني، وهناك نفر من الانس سيوفهم مع المعارضة وقلوبهم مع النظام، تعرفهم من لحن القول، وهنالك لفيف من الجن قلوبهم من المعارضة وسيوفهم مع النظام تعرفهم بسمائهم في نواصيهم، ولو لا دفع هاتين الطائفتين بعضهم لبعض، لسقط الإنقاذ من زمان.

تركيز النظام على تهديدات معارضيه، بناءً على فرضية عدم وجود فجوات بين صفوف منسوبيه، نتج عنه تفاقم الأزمة التنظيمية للحزب الحاكم، وتورم شبح مفاصلة رمضان 99 والذي بات واضح المعالم في الأفق السياسي، وتعالت حالة انعدام الثقة بين العسكرين والمدنيين، نتيجة انكماش الجهاز التنفيذي وحتمية خلافة الرئيس، وضرورة تجاوز نائبه، وباتت القيادات مهمومة بالحفاظ على مناصبها فقط، والاجتهاد في قراءة اتجاه الرياح السلطوي، لبلورة ولاءاتها في والوقت المناسب.

فالمدنيون يفكرون جهراً في سيناريو الاغتسال من خطايا النظام برأسه العسكري وحسه الأمني، كتوطئة لارتداء جلباب المرحلة، والعسكريون لا يخفون تزمرهم من كابوس الصواريخ الإسرائيلية الذي ورطهم فيه العاطفة الايدلوجية وتهور المدنيين، الخلاصة الطرفان ينظران لبعضهم شذر مذر، ولابد من المواجهة والمفاصلة، والنسور الخاطفة تترقب مشهد الكائن الهرم بطيء التنفس من علُ.

ذكر إبن خلدون في مقدمته: سقوط الدول تبدأ بما حققه من رخاء ورخوة وتبذير وإسراف. حقق الإنقاذ الرخاء "الحرام" لمنسوبيه، الأمر الذي أدي إلى رخوة في أجهزة الدولة، ومن مظاهرها عملية الذراع الطويلة، واحتلال هجليج، والغارات الإسرائيلية المتكررة، ولم يعد النظام قادراً على صد أية عملية هجومية موجهة ضدها، وخطوط دفاعاتها في تراجع مستمر بسبب الدعة وما صاحبتها من خمول في اجهزة الأمنية والعسكرية. وللإسراف اوجه متعددة، منها مخصصات رموز النظام، وإدمان عقد المؤتمرات، وتنظيم المهرجانات فيما لا طائل منها، ودعم المنظمات الدولية، حماس، جيش الرب، والمعارضة التشادية، والإغداق في شراء الذمم، وخلاصة التبذير والإسراف، الفلس المالي، والإفلاس السياسي، والاستعداد لبيع مقدرات البلد وثوابت الأمة، والسمسرة على دول الجوار.

ومن اوجه الإسراف والتبذير الكفر بالنعمة وغمط الحق واحتقار الناس وظلم الضعفاء ومحاباة الأقوياء والإسراف في الفسق والفجور والغرور بالغني والثروة. وأخطرها الإسراف في الديماغوجية، ورفع سقوفات الوعود الخرافية في تثبيت دعائم شرع الله نصا وروحا. ونتيجة لهذا الإسراف، النظام يسدد الآن شيكات قديمة في بنك الضياع.

دخل مالك إبن دينار على حاكم البصرة للأمويين فقال له الحاكم: أدع الله لي فقال إبن دينار: ما ينفعك دعائي لك وعلى بابك أكثر من مائتين يدعون عليك. ولنا أن نتساءل كم مليون مظلوم ومكلوم ومغموم يدعو على النظام ليل نهار، وليس بينهم وبين الله حجاب؟

تنامي ظاهر تمرد قطاعات الشباب في الأحزاب الطائفية الكبيرة على زعمائها، وانهيار الاتفاقيات الموقعة مع النظام، ابوجا، الشرق، والتجمع، ترجح كفة دعاة إعادة الهيكلة، في ذات الوقت، استهداف مصانع تجميع الأسلحة من قبل إسرائيل بما كسبت ايدي النظام، وحصول الثوار على اسلحة متطورة، ترجح كفة التغيير المسلح، يضاف إلى ما سبق، تضعضع الغيرة على تراب الوطن في ظل تراكم الأزمات الداخلية وإحكام الحصار الدولي، تعطي الغلبة لدولة جنوب السودان في صراعها الحدودي مع النظام، فقد تنازلوا ضمنا عن نصف منطقة ابيي وسكتوا عن سماحة، وهذه المسالة ستفتح عليهم أبواب جهنم من اهالي المناطق الحدودية.

لقد حان ولات ساعة تغيير رأس النظام، لأسباب دبلوماسية وصحية، فمنذ أكثر من عامين، فصل موريس أوكامبو رأس النظام عن جسده، والمتابع يترقب سقوطه بعد عدة خطوات، ولا نظن بإمكانه الاستمرار هكذا في السير بدون جسد أكثر من هذا، وإذا أخذنا في الاعتبار، أن معظم الأنظمة الدكتاتورية مختزلة في شخوص رموزها، من المستبعد تماماً صمود نظام الإنقاذ بعد البشير، خاصة أن نائبة على عثمان، قد أحترق بفصل الجنوب، واصبح مكروهاً من كافة الأوساط، ومعزولاً في أوساط الحزب الحاكم، وهو الآخر يداري المرض و يغالبه بالزيارات الراتبة لتركيا، وهو لن يتنازل مطلقا لنافع على نافع، وعبد الرحيم حسين الموثوق من قبل رأس النظام والمطلوب دولياً هو الآخر، لن ينصاع لبكري حسن صالح، الأوفر حظا في الخلافة من المنظور العسكري، وصلاح قوش لم يختف تماما من المشهد، ومعروف سيفه المدفون مع على عثمان، وقد يجد السند من الأمريكان، في ظل التنامي الأصولي في المنطقة. الخلاصة انعدام الثقة، وصراع رموز وأثنيات خرجت من السر للعلن، ولا وقت ولا مجال لتداركها، والبلاد "تخرج من حفرة لتقع في دحديره" والغريق قدام.

حتي بعد استئناف ضخ دولارات بترول الجنوب في شرايين خزائن النظام المرتقب في خضون أشهر، ليس من المتوقع أن يجدوا بُداً من زيادة أسعار السلع الضرورية مجدداً، رهاناً على تسامح الشعب السوداني، في المرة الأخيرة، واستغلالا للاستهداف الإسرائيل للمقدرات العسكرية السودانية، وهذه المرة ستسيئ السلطات تقدير ردة فعل الشارع الساخط على توريط بلدهم الهامشي في العالمين العربي والإسلامي، في تحالفات ايدلوجية باهظة الثمن هو في غنى عنها، فقد أكتسب الشارع الجماهيري خبرات حديثة في التظاهر، ومزقت حواجز الخوف من أجهزة النظام، وأدرك الوجهة التي يسوقه إليها الشمولية الإسلامية.

بقاء النظام واستمرار حاكميته مبنية على رهانات خاسرة، وقائمة على تحالفات مع دول منبوذة إقليميا ودوليا، في مقدمتها إيران عدوة دول الخليج والمخنوق اقتصاديا من الغرب، والصين التي ذهبت مصالحها مع الجنوب، وسوريا الأسد الماضية في سيناريو القذافي، أما دولة قطر من الواضح أن د. عبد الوهاب الأفندي قد استطاع "أكل رأس" أميرها لتيمم وجهها شطر شيخ الترابي وبقية الإسلامين "العقلانيين والمعتدلين" الذين انفتحت رؤوسهم ونأوا بأنفسهم عن ترهات الإنقاذ في وقت مكبر، ومن المتوقع أن تغلق أبوابها وخزائنها في وجه النظام قريبا، ولتزداد عزله قاتله.

النظام قد فارق الحياة، ويتكئ منذ فترة على عصاة مسوسة، ينتظر دابة أرض "بريئة" تأكل منسأته ليخر صريعا، ومن يريد أن يتثبت، فليدنوا منه ويصفعه عدة صفعات، نحن على يقين انه لن يجب إلا كما يجيب عجل بني اسرائيل، خوار آلي لا يضر ولا ينفع، نظن أن هذه الدواب بدأت الزحف من عدة محاور، ورائحة العصاة المدهونة تزيد التنافس حدة لانتزاع شارة الانعتاق والحرية.

بذات معايير سقوط الأنظمة الاستبدادية عبر التاريخ، فقد نظام الإنقاذ مقومات التقدم والاستمرارية، ومسيرة انحداره نحو الهاوية قد انطلقت منذ فترة، هم أنفسهم يقولون نحن ماشين بالبركة، والشعب السوداني موعود بارتطام أشلاء نظام متهالك بقاع الهاوية في أية لحظة فترقبوه.

تعدد الأسباب والسقوط واحد.


ابراهيم سليمان/آفاق جديدة/ لندن

ليست هناك تعليقات: