الجمعة، سبتمبر 30، 2011

التحرير و العدالة "تجقلب" والشكر لحاج آدم


التحرير و العدالة "تجقلب" والشكر لحاج آدم


لا شك أن رموز التحرير والعدالة يضربون كف بكف هذه الأيام من مقلب المؤتمر الوطني ومكر قادته ومن المؤكد أن تعين د. حاج آدم يوسف نائباً للرئيس ليس خبراً ساراً لهم إن لم يكن صدمة قد يصيب إتفاقهم في مقتل فالإرهاصات تشير إلى انهم قد ضمنوا غيبيا هذا المنصب بحسابات ابوجا وكافة الإتفاقيات المماثلة مع النظام، هذا الحدث يذكرنا بمقدمات نمطية للدراما المصرية تبدء بهذه العبارات المتشائمة "القوازه دي مهببه، ما هو باين من أولها، دا انتو داخلين على طمع" وهذا "الهباب" لا يفيد الثوار القابضون على الزناد في شيء والعكس تماما فإن الفشل المرجح للإتفاقية لهو تأكيد الخسارة لقادة كبار الثورة في مسيس الحاجة لمساهماتهم مهما تواضعت، كما لا يضير الثوار شيء إن ذهبت مليارات الدوحة لمواطني الإقليم دون ان يكون ذلك ثمناً لجرائم النظام في حقهم.

والداخلون على طمع في سيناريو إتفاقية الدوحة للسلام هم حشود ما عرفوا بإصحاب المصلحة وهم في الحقيقة أصحاب المؤتمر الوطني والذين تحت مظلتهم دخل د. حاج آدم القصر  نائبا للرئيس، تلك الحشود أنقذت محادثات الدوحة من الإنهيار في ظل نفور الثوار مؤسسي المنبر، والآن إتضحت للتحرير والعدالة كم كانت تلك "الفزعة" مكلفه.

لولا الدوحة لما قام لحاج آدم قائمة، ولم يتصور احد أن يتجاوز طموحاته منصب والي جنوب دارفور، ومنذ ان قدم ملفه لشغل منصب مدير مشروع الجزيرة  منبطحا، لم يشكل ردته عن المؤتمر الشعبي مفاجأة لأحد وكان ذلك متوقعا قبل الإنتخابات وليس بعده. ولولا قلة حيلة قادة التحرير والعدالة لما تبخر منهم هذا المنصب، لقد طالبوا به على إستحياء رغم الهيام البائن به خشية فضح نواياهم السلطوية تاركين هذا الأمر لذوق المؤتمر الوطني ومتوسمين تعاطفهم معهم، ناسين أن الراقص لا ينبغي عليه أن يغطي ذقنه ولكن يبدو أن ضغط الكرم القطري أيضا سلبهم الجرأة على الإصرار على ضمان هذا المنصب.

نؤكد مرة اخرى ان الثوار لن يفيدهم فشل إتفاقية الدوحة بيد انهم سيتضررون من الذين يحاولون إختلاس مجهوداتهم وابتسار مظالم الأهالي في مناصب، وشبهة الاختلاس تطال كلا الرجلين، فدكتور السيسي كان عليه طرح تأكيد الثقة في قيادته من الذين كلفوه بها متوسمين فيه الخير بعد الإنشقاقات الكبيرة والإنسلاخات المتتالية التي طالت التحرير والعدالة إلا انه آثر الزحف نحو القصر على أكتاف حفنة من الثوار، ود. حاج آدم يعلم في قرارة نفسه أن الإنسلاخ من المؤتمر الشعبي والإنضمام  للمؤتمر الوطني المجرم ليس عملاً بطولياً وليس مسعىً نبيلاً يستحق عليه المكافأة، وأن نضالات الثوار هي التي أثمرت تخصيص منصب نائب الرئيس لدارفور والذي تبوؤه دون إستحقاق، وإن كانت الظروف طبيعية والمعيار الكفاءة فإن السيسي قد لا ينازعه أحد في المنصب ولكن بالنظر لكافة الإتفاقيات المماثلة نجد أن معيار مثل هذه المنح والخبطات الوظيفية هو الرصيد النضالي إذن فالرجلين كليهما غير مستحق للمنصب.

توقيت إنشقاق د. حاج آدم يشير بوضوح أنه ضمن المنصب في غلفة من حركة التحرير والعدالة وبناءاً على هذه الصفقة "المدغمسة" صيغت البنود الخاصة بتقاسم السلطة وفصلت قميص المنصب على مقاس الرجل في إتفاقية الدوحة، والدليل على ذلك خطبته العصماء في حشود الطلاب المتجهين إلى دارفور مطالباً إياهم التبشير بالإتفافية محملاً جحافلهم نُسخ منها لنثرها بين الأهالي ولا نظن أن ذلك قد تم  بعلم وإستحسان من التحرير والعدالة .

وحاج آدم وأمثاله من ربائب الوطني والشعبي لا يرجى منهم خيراً لإنسان دارفور وعموم الهامش ولن نتوقع إن يكون حاج آدم افضل من على الحاج ويمنع مد يد الرئاسة لمليارات الدوحة الممنوحة لأهالي الإقليم، وها هو الوزير دوسه قد سخّر كافة إمكانيات وزارته لتبرئة ساحة الوالي كبر من مؤامرة سوق المواسير ضد أهله بشمال دارفور كألوية عديله، والوزير على محمود يخرج آخر ما في جعبة خزائنه لتجهيز باخرة "مدنكلة" وإرسالها إلى جياع الصومال في حين يستغيث نازحي جبال النوبة بدولة جنوب السودان الشقيقة ويتقاسم نازحي النيل الأزرق الإغاثة مع الأحباش.

سبب امتعاض التحرير والعدالة وشعور قادتها بالإحباط قد يكون مرده أن هذه الخطوة فيها مجافاة لما جرت عليها العادة في الإتفاقيات المماثلة بأن يتولى أعلى قيادي في الطرف المتصالح من النظام أعلى المناصب ويبدو أن الذي تغير هو حجم التحرير والعدالة ومدى خطورتها على النظام، ومن الواضح أنها لم تحسن "الجقلبة" ولم تجيد المراوغة لذلك بحث المؤتمر الوطني عن متسابق آخر، وكان عليها أن تبدي الممانعة وإن كانت راغبة في التوقيع بأية كيفية، وكان عليها أن تهيل أُبه على رئيسها بإبقائه بعيداً عن مياه الخليج في كيب تاون مثلاً، حينها سيستمر المؤتمر الوطني في الإعتقاد بأن تحت قبة السيسي فكي ومن ناحية أخري فقد حجّم وجود السيسي الدائم بالدوحة قدرات بقية قيادات الحركة لدرجة أصبحت التحرير والعدالة هي السيسي والسيسي هو التحرير والعدالة.

وهزال "جقلبة" التحرير والعدالة تمثلت في تقديمها لتنازلات جوهرية مجانية للمؤتمر الوطني، فقد تخلت عن مطلب الإقليم الموحد كخط احمر معلن من قبلها دون مقابل، وكان بإمكانها المساومة بكرت عدم التوقيع الآحادي وتدرك أن النظام في أمس الحاجة للحدث لتصرف بها الأنظار عن خزي فصل الجنوب، ثم قبلت بمبدأ فصل نائب الرئيس عن رئاسة السلطة الإقليمية الإنتقالية دون الحصول  على ضمانات بأن تؤول المنصب حصرياً لها و"الدقسه" هنا كانت فاضحه وقاتله، وطالما منصب نائب الرئيس هو الأعلى في التسلسل الهرمي، بالكلمة الأخيرة بشأن الإتفاقية من المتوقع أن تكون لحاج آدم وليس للسيسي وليس من المتوقع ان يكون التعاون بين الرجلين سلساً، ومن المنتظر أن يحرص د. حاج آدم على إرضاء ولي نعمته وليس السهر على تنفيذ إتفاقية الدوحة ذات النسخ المتعددة خاصة إذا تبدلت الظروف على أرض الواقع.

والغبن حاصل، فالتحرير والعدالة ظلت تفاوض المؤتمر الوطني لثلاثين شهراً لتتوج مجهوداتها بتعين قيادي غير مبدئي بالمؤتمر الوطني لخطف "ثمرة" تقاسم السلطة بناءاً على طلبهم غير المكيّف ومواقفهم الفضفاضة وركونهم على حسن نوايا المؤتمر والوطني، ولا يقللن احد من أهمية المنصب وقيمته اللوجستيه للتحرير والعدالة إذ يعتبر في حد ذاته ضرورة لضمان تنفيذ الإتفاقية ومجرد "التايتل" قد يزيل الكثير من العقبات التي تضعها صغار موظفي الدولة في طريق تنفيذ بنود الإتفاقية، ومجرد " التايتل" يرغم ولاة الولايات الإلتزام ببروتكولات ومراسيم إستقبال نائب الرئيس في حله وترحاله بطريقة ترضى غرور الخبير الأممي سلسل السلاطين، ولا شك كان ضمن حسابات التحرير والعدالة ان من شأن فخامة ووجاهة المنصب أن يغري الكثيرين على الاصطفاف للتسجيل في حزب السيسي المرتقب.  اما رئاسة السلطة الإقليمية الإنتقالية فهو منصب تنسيقي ليس إلا، لا يأبه به أحد يقع شاغله تحت رحمة الحكام " المنتخبون" وبالنسبة لدكتور السيسي هذا المنصب يعتبر downgrade ومن الجائز أن يزهد فيه ويتركه لبحر أبو قردا.

لماذا يشكر المؤتمر الوطني د. حاج آدم على "جقلبة" التحرير والعدالة؟ من الجائز أنه توصل إلى أنها أقل من أن تضرب بحجر من هذا الحجم، وقدر أن تصطاد أكثر من طائر بهذه الرمية، فالمنصب محسوب ضمن إستحقاقات إتفاقية الدوحة للسلام، وتعين حاج آدم ينسجم  مع روح استراتيجية السلام من الداخل ويتماه مع توجهات الإنتباهه، وفيه ضرب موجع في رُكب المؤتمر الشعبي، ويحسب ضمن حصة شباب المؤتمر الوطني في الجهاز التنفيذي.

قصدنا من هذا المقال تسليط الأضواء على جوانب قد تكون مخفية من إتفاقية الدوحة التي تمخضت عنها تعين د. حاج آدم يوسف نائبا للرئيس باسم الثوار ونيابة عن أهل دارفور ولا أظن أنه يمثل سواء نفسه والمؤتمر الوطني فليهنأ به ولا يفوتني الإشارة إلى أن إتفاقية الدوحة للسلام تعتبر بكل أسف محرقة لقادة كنا نذخرهم لمعركة فاصلة لكن يبدو انهم جروا وراء السراب، فقيادي بقامة السيسي وثوري من وزن ابو قردا لهو خسارة أن يحرقا نفسيهما هكذا "سنبلة" بعد ما أحمّر جبل ثمرة النضال الثوري وإكتملت حلقاته.

تقاسم السلطة مع نظام شمولي عشائري لا طائل منه، وقبل ذلك ينبغي الإتفاق على كيفية الحكم ووضع الأسس السليمة والعادلة لهياكل الدولة حينها تكون للتقاسم ذات فاعلية في إعادة التوازن.

ومن لم يثور ضد الظلم ذلك شأنه ومن لم ينهض لنجدة أهله نحترم خياره بشرط عدم التطفل على موائد الثوار عندما تأتي أُكلها، هذا تصرف رخيص لم يغفل عنه التاريخ.

آفاق جديدة / لندن

ليست هناك تعليقات: