الجمعة، يوليو 01، 2011

التحرير والعدالة ... وقوة الرأس والعين

التحرير والعدالة ... وقوة الرأس والعين
على الرأي القائل ليس بعد الكفر ذنب، كذلك في الشأن الدارفوري ليس بعد التوقيع الثنائي مع النظام حسنة، وتجريب المُجرَب عناد و(قوة رأس) قد يكون دوافعه التشفي والكيد الثوري اللامسئول ونتيجة مثل هذه الخطوة معرفه وواضحة كالشمس في رابعة النهار يحس بها حتى فاقدي البصر والبصيرة، والمسألة ليست تجريب حظ في هكذا قضية فيها دماء شهداء وتخص الملايين من مهجرين ونازحين لم يستأذنهم أحد في إشعال نار الحرب ولم يمنحوا تفويضا لجهة بعينها للتحدث نيابة عنهم.
بالنسبة لإتفاق ابوجا كانت كافة الفصائل مشاركة بوفد تفاوضي موحد، وكانت أمريكا حاضرة بكامل ثقلها وكذلك الأمم المتحدة، بالإضافة أن السيد مني الموقع على الإتفاقية كان القائد الميداني الفذ وقتذلك وينتمي إلى أكبر بطون قبيلة الزغاوة ذات الثقل الثوري الأكبر والملتزمة عشائرياً والإتفاق تم توقيعه في عاصمة أهم دولة افريقية ووقتها كان لويس أوكاميو خارج الشبكة الإنقاذية.
أما الدوحة فلا يزال الكثيرون ينظرون إليها بعين الشك والريب، وأمريكا جهرت بتحفظها على التوقيع الثنائي المرتقب ورموز التحرير والعدالة (تكلوا) البندقية منذ زمن والكثيرون منهم لم يزور الميدان قط وغالبيتهم مفصولون من حركاتهم، والقائد العام وأركان جيشهم قد نأيا بنفسيهما عن الطبخة الليلية ومع ذلك هم يصرون على الغرق أو العودة للخرطوم حازمون قراطيس تحتوِ وعود وردية بجبر خواطر أصحاب المصلحة من التسوية الثنائية بالطبع.
محتوى وثيقة سلام دارفور ليس بذات أهمية لأن المكتسبات مقابل المظالم شيء نسبي وعين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تُبدي المساوئ، وليست هنالك مشكلة إن كان النظام قد إلتزم بتنفيذ إتفاقية أبوجا بحذافيرها، والناقصة قد تكلمها وثيقة الدوحة وهكذا إلى أن يرتضي الجميع عبر إتفاقيات تكميلية ولكن بكل أسف إتفاق ابوجا ذهب أدراج الرياح لسبب جوهري لأنه لم يجلب السلام في دارفور.
يبدو أن النظام ليس مستعداً بعد لتجاوز الآثار النفسية لعملية "الذراع الطويل" وقبول حركة العدل والمساواة في متون دواوينه الحكومية وصفوف قواته المسلحة، والحركة ذاتها تبدو اصلب من المشاركة في مسرحية هزلية على شاكلة سلام الدوحة، ومع ذلك لو اجتمعت الحركتين على قلب رجل واحد فإن فرصتهما لتحقيق سلام شامل ومستدام في دارفور تكاد تكون صفر كبير نتيجة للمياه الكثيرة التي جرت تحت الجسور، فما بالك بواحدة تعتبر الحلقة الأضعف ميدانياً والأحدث عمرا!!!
لذلك نستغرب كيف لقادة التحرير العدالة تصديق أنفسهم بأن النظام بين عشية وضحاها تحول إلى حكومة راشدة تدفع لرافعوا الرايات البيضاء ما عجز عنه رافعوا البندقية؟ هل أعلن رأس النظام بتأكيد د. نافع على نافع وإسناد ماجد سوار: الذين يريدون الحصول على حقوقهم كاملة غير منقوصة عليهم إلقاء السلاح ونحن من يجهل هذا التحول؟
حركة التحرير والعدالة وجدت فيما عرفوا بأصحاب المصلحة ضالتها رغم أن المصطلح برز على طاولة التفاوض ضمن أدبيات الاستراتيجية الجديدة وهو من بُنات أفكار غاري صلاح الدين، وبذلك أتت الدوحة بما لم يأتِ به الأوائل في نيفاشا وأسمرا وأبوجا، فقد قبلت الحركة بمشاركتهم الديكورية غير آبه بالتأثير الحكومي على رؤاهم قائلة لنفسها رُب ضارة نافعة لتستعيد بهم نفور الحركات الثورية لذلك فهي لا تبالي من دغمسة مباركتهم للوثيقة رغم عدم اطلاعهم عليها.
وفي ذات السياق نرى الحركة تضرب نصائح الخبراء الوطنيون الذين استشارتهم عُرض الحائط، وتسترشد بآراء الخبراء الدوليون مدفعي الأجر، والوساطة الآن تطوف المنابر الإقليمية والدولية لتسويق الوثيقة بصورة دعائية ناسية أن دور هؤلاء كالمأذون الذي ليس من حقة الإعتراض على المهر ومؤخر الصداق والفارق العمري بين الزوجين حتى وإن إتفق الزوجان سراً أو جهراً على عدم الإنجاب فإن ذلك لا يخصه، والحكومة تخجل من الإقرار أنها ثيب ولا تزال في ذمة أبوجا الفار بجلده، وفي الآونة الأخيرة أصبحت المؤسسات الدولية والإقليمية "أية كلام"، والجميع شاهد نفاقها في نيفاشا وأبوجا إلا التحرير والعدالة فيما يبدوا واخيراً تابعنا تصريح عمرو موسى الرَبك في الشأن الليبي مما يؤكد أن ليس كل لامعٍ ذهب وليس كل ما يتفوه به امين عربي او أممي بالضرورة صحيحا.
صرح رئيس حركة التحرير والعدالة أن النظام إن نكث على عقبيه فإن البديل سيكون نيران سلاح الحركات خارج الإتفاقية، وهو بذلك يستخدم سلاح الثوار الحقيقيون كفزاعة لإجبار النظام على الإلتزام بمضمون الوثيقة، أي انه يريد قبض ثمن المقاتلون نيابة عنهم، و تجيير نضالهم لصالح حركته التي لم تعد مناضلة بسحب الكثيرون، وهو يصرح لقناة الشروق مؤخراً بأن الإتفاقية بعد مراجعتها لغوياً أصبحت مرضية للجميع، وهو بذلك يلغي الآخرين وكان الاجدر به أن يقول للطرفين (حركته و النظام).
وإن كان رئيس الحركة الموقر متجرداً كما كنا نحسبه، هل بإمكانه عدم الترشح لتولي أي منصب دستوري بموجب الاتفاقية المزمعة التوقيع عليها وترك هذه المناصب للذين عرضوا أنفسهم للمخاطر وأصابهم الرهق من ويلات الحرب وحرموا عن اسرهم وطيب العيش باعتباره الأقل أذية والأقل تضحية في هذا الخصوص، وعلى الأقل إقناع المشككون في نواياه إيزاء جر الحركة إلى محرقة الخرطوم لشيء في نفسه بأنه برئ ما يظنون، وبصراحة الكثيرون حتى اللحظة غير مصدق أن د. سيسي قابل للبيع. ويكون مفيداً أن يتفرغ لقتل شيطان تفاصيل الوثيقة سيما وأنه الخبير الأممي المحنك ليته يفعل.
حسب المعطيات الحالية، التفاوض كوسيلة لحل قضية دارفور في حد ذاته لم يعد محل إجماع فقد تنامى الراديكالية وسط الثوار والنشطاء السياسيون نتيجة تطرف النظام ومكر قياداته، وحركة العدل والمساواة نفسها أظن أنها غير مقتنعة بها ووجودها في الدوحة قد تكون بدافع الغيرة السياسية بإعتبارها المؤسسة لهذا المنبر التفاوضي، وحركة التحرير والعدالة من حققها أن تختلف مع الآخرين في كيفية الحصول على الاستحقاقات العادلة لأهل الإقليم وإحلال السلام وقد تكون صائبة في منهجها، وليس لأحد أن يلومها بتفاوضها منفردة مع النظام إن انكفأ الآخرون، ولكن بكل أسف لا تستطيع وحدها الحصول على المطالب المرجوة وتحقيق السلام المنشود، لأن النظام حقرت بالتي هي أشد منها عدة وعتادا، لذلك الكثير من المواقف المنطقية تجده نتائجها غير منطقية وهي تدرك ذلك لولا قوة الرأس والعين.
ولنفترض أن جهة محايدة استفتت أهل الإقليم وتوصلت إلى أنهم بالإجماع يرفضون الثورة من أجل رفع الظلم عن كاهلهم، هل هذا الأمر كافياً لإلغاء المشروعية الثورية وإحلال السلام كما يتوهم (الفشِل) د.غازي صلاح الدين ويصدقه قادة التحرير والعدالة، بالطبع كلا وألف كلا، السلام لا يمكن إحلاله بدون إقناع ومشاركة كافة حاملي السلاح في أية تسوية سياسية، وفي هذا الخصوص ليس مطلوباً من مسئول ملف دارفور إكتشاف الذرة فالتجارب الإنسانية ماثلة، ولا أظن هنالك إنسان سوي يستمرئ لعبة الموت إلا مجبراً، فالحرب ليس خياراً اعتباطيا للثوار كما يزعم الأفاكون.
كلمة أخيرة العقلاء وحدهم لا يقللون من حُجج الذين يختلفون معهم في الرؤى، يستمعون لها بعقول مفتوحة ويعيرونها الإهتمام اللائق، وأكثر المتعثرون هم الذين يسمعون أصداء أنفسهم، ومن الملاحظ أن قوة الرأس بالضرورة تجر صاحبها إلى قوة العين وهي صنعة إنقاذيه خالصة وماركة حكومية مسجلة نتمنى ألا تنافسها فيها حركة التحرير والعدالة.
*نقلا عن أجراس الحرية
ebraheemsu@gmail.com

ليست هناك تعليقات: