الجمعة، أبريل 15، 2011

إفتراءات البحارة على الغرابة

إفتراءات البحارة على الغرابة

قبل فترة سلمني الاستاذ عبد العزيز الصاوي نسخة من أطروحته "معا نحو عصر تنوير سوداني، إطـار عام لإستراتيجية معارضة مختلفة" للإطلاع وإبداء الملاحظات وحينما سنحت الفرصة لم أجد ما يستوجب التوقف ولعلمي أن اسلوب العسكر "كل شي تمام التمام يا فندوم" ليس ما يتطلع إليه الدبلوماسي الحصيف، لذلك لم أجد البد من التشبث بعبارة أوردها في متن أطروحته المتكاملة تتكون من كلمتين أثنين وهي "مجاعة دارفور" في خضم تناوله لداعيات إنهيار الهياكل الإقتصادية لنظام مايو البائد.

مما نأخذه على أخوتنا البحارة (أولاد البحر) تعمد إلصاق كلما هو سالب بالغرب الجغرافي ونعتقد مرد ذلك، التمادي في التقليل من شأن أبناء الغرب في ظل الصراع المزمن والخفي بين البحارة والغرابة وفي تقديري الشخصي أن التصنيف في هذا الإطار الجغرافي العريض مهضوم إلى حدٍ ما لأن الله إن شاء جعل الناس أمة واحدة ولكن لا يزالون متخلفين وحتى المهاجرين والأنصار يمكن تصنيفهم في هذا الإطار ورغم المؤاخاء ظلوا كذلك. والتقليل من شأن الآخرين سياسية إستعمارية ذي إبعاد سلطوية محضة.

الآلة الإعلامية لأوروبا الإستعمارية ودول الغرب عموماً ما فتئت تلصق جبين القارة السمراء بيافتات الجهل والفقر و المرض ولم تفوت أية فرصة لتصوير شعوبها وهي اما تحترب أو تختلس أو ترقص، والبعد الإستراتيجي لهذا الحيف الإعلامي تبرير وصايتها على شعوب القارة لسلبيتها وضآلة مشاركتها في الموروث الحضاري الإنساني حسب إدعائهم، وفي هذا السياق، يلاحظ الجهود المضنية لعلماء التاريخ الغربيين في سبيل نفي أن الحضارة الفرعونية بدأت في جنوب الوادي ثم إنتقلت شمالاً، ضمن محاولات يائسة لإثبات أنها إنتقلت إلى مصر من الجانب الأوروبي. وأحفاد الفراعنة يكتفون بأن مصر أم الدينا بغض النظر إلى اي الشعوب تنتمى حضارتها.

الشي نفسه يفعله (البحارة) منذ إنهيار الدولة المهدية وإلي يوم الناس هذا، كانوا أصفياء المستعمر بموجب خدماتهم له والذي بدوره ورثهم المناصب المفصلية في الدولة المستقلة بفضل ما سنحت لهم من تعليم نظامي حديث وأشياء أخر، وبما إن البون التعليمي بين البحارة والغرابة على وشك التتلاشى، في تقديرنا أن كان هنالك لزوم للمزايدة فليكن حصص المشاركة في بناء الدولة السودانية الحديثة سواءاً كان في مجال الموارد البشرية التي ضحت من أجل تشكيل وبناء الدولة الحالية أو الموارد الطبيعية والثروات الرافدة لخزانة الدولة وفي هذا لفيتنافس المنافسون.

وإن كانت الأفضلية البيئية مجال التندر، يحق للإستوائيّن التطاول على الجميع بقولهم "مجاعة بتاع شُمال أو مجاعة كارتوم" ولا شك أن مثل هذا القول مستفزرا لكل شمالي، ولتبيان خطل إنتساب مجاعة الثمانيان إلى دارفور فالمعلوم أن تلك المجاعة اللعينة قد ضربت بأطنابها كافة ربوع البلاد ورغم أنها قد داست بكلكلها بقسوة على مناطق الزاعة المطرية الواقعة على المناطق شبه الصحراوية بشمال دارفور وشمال كردفان إلا شرق السودان ومناطق البطانة أيضا قد تأثيرت بشدة من جراء تلك المجاعة وإلا لما سارعت وزارة المالية بتعويض أهالي البطانة المتضررين منها قبل غيرهم، والصحيح أن جبل مرة والمناطق المحيطة بها في غرب دارفور وكذلك مديرية جنوب دارفور الواقعة بأكلمها في حزام السافنا كانت تأثيرها أقل من تأثير مواطني المدرية الشمالية، والاتي وثقن لتلك الكارثة في أدبيات غنائهن بقولهن: ريغن والصليب طردو الجفاف بعيد ليست نساء دارفور بأي حال من الأحوال. وبناءاً على هذه الحقائق الثابتة ينجلي بوضوح أن إلصاق تلك المجاعة بدارفور تحديداً لا يخلو من غرض سلطوى مكشوف.

بالرجوع إلى الوراء قليلا فقد كان الخليفة عبد الله التعايشي معروفا قبل المهدية بـ عبدالله ود تورشين ومن ثم أصبح يلقب بخليفة المهدي أو عبد الله الخليفة، ولكن يبدوا أن المستعمر وأعوانه من المؤرخين لم يروق لهم "الخليفة عبد الله ود تور شين" لشئ في أنفسهم لذلك نسبوه إلى قبيلته وتم تسويق هذا المدلول للأجيال، والدليل على أن اسم (عبد الله التعايشي) غير متداول خلال فترة المهدية أن جميع حملة الرايات وكافة أمراء المهدية ليس من بينهم من نسب إلى قبيلته.

ليس لدي أدني شك أن الأستاذ الصاوي قد اورد تلك العبارة (مجاعة دارفور) بعفوية دون تعمد التقليل من شأن اهالي المنطقة بأنهم في فترة ما كانوا جياع دون سواهم من أهالي السودان لكن عبارته تندرج ضمن ملاحظات على العوام من أهلنا البحارة والواضح أنها طفحت إلى أن وصلت لدى المستنيرين منهم لذا لزم التصدى لها لتوضيح أنها فرية مغرضة ليست إلا.

ebraheem_muhamad@yahoo.co.uk

ليست هناك تعليقات: