الجمعة، يوليو 16، 2010

دارفور ما بعد إنفصال الجنوب

دارفور ما بعد إنفصال الجنوب
مصير الجنوب إنعرف، إنفصال إنفصال، كيفيته لست ذات أهمية، الأهم إفرازاتها، مكونات جمهورية السودانية المتبقية: نظام الإنقاذ في نسخته (الإنتخابية) المعارضة، ثوار ومواطني دارفور الكل يحسب حسبته الخاصة، في هذا المقال نحاول إلقاء الأضواء على المصادر التي قد تشكل قلقاً للثوار والعناصر المتوقعة من عملية الإنفصال ذات التأثير المباشر وغير المباشر على مسار قضية دارفور ومآلاتها.

إنسان دارفور من دون الناس يتطلع إلى إغلاق ملف الجنوب من قبل النظام والمجتمع الدولي بأسرع ما يمكن ليتفت الجميع بزهنية مفتوحة إلى مأساتهم المزمنة، ذلك إن إعادة فتق جراحات البلاد في أطرافها الجنوبية من شأنه التشويش على جهود السلام الجارية حالياً بسلحفائية والذي من المحتمل أن تتوقف في محطة ما على مقربة من موعد الإستفتاء، بيد أن عملية فرز العيشة بين الشمال والجنوب قد يستغرق زمناً أطول مما يتوقعه إنسان دارفور المتلهف للسلام.

بإنفصال الجنوب يحل مواطنى دارفور بالتضامن مع أهالي جبال النوبة والإنقسنا تلقائيا المرتبة الرابعة في سلم إهتمامات المركز والتي كان يشغلها الأخوة الجنوبين، هذا إذا إستمر السودان القديم بنفس تصنيفاته الكريهه، وعليه ليس من المتوقع أن يهدر النظام طاقاته في مشروعات تنموية في مناطق لا طائل منها حسب توصيات مثلث حمدي، ولكي ترتقي هذه المناطق ذاتيا لا خيار أمامها سوى المطالبة بالحكم الذاتي بغية التحكم في مواردها وثرواتها والتصرف بعيداً عن قبضة المركز في المساعدات الدولية المتوقعة تدفقها عقب إحلال السلام.

خلال فترة حضانة المجتمع الدولي لدولة جنوب السودان الوليدة، إذا تمت العملية بالأيدي دون الحاجة إلى إستخدام الأسنان، قد يتوقع البعض إنكباب النظام إلى إبرام تسوية سريعة لقضية دارفور مستفيدة من المناصب التي كانت تشغلها قيادات الحركة الشعبية، ولكني أتوقع أن إنتهاء العملية بالتي هي أحسن قد يكسب النظام قوة معنوية تغري قياداته على التبجح بخيبة أمل المراهنين على إندلاع الحرب مجدداً، كما أن تسليم النظام الجنوب للحركة الشعبية والعودة سالماً إلى الشمال ليس من شأنه الدفع به لإبداء المرونة والإستعداد لتقديم التنازلات الكافية لتعجيل إحلال السلام في دارفور، والسلوك المعهود لقيادات الإنقاذ في مثل هذه الحالات محاولة تصوير هذا العمل المخزي كإنجاز تاريخي ولن تفوت فرصة إستثماره في التعبئة السياسية تصوبها لعدة جهات، ومضمون الرسالة المحتملة توجيهها لثوار دارفور، من أراد البقاء ضمن جمهورية شمال السودان ليتفيأ ظلال المشروع الحضاري فأهلا به وسهلا، ومن يعجبه سيناريو الجنوب فليرينا عرض أكتافه.

فيما يتوقع إن ينتهج الثوار المناورة بالجلوس مجتمعين مع النظام والإلتفاف إلى المجتمع الدولي، وخلال هذه المرحلة المعطيات تشير إلى تجاوز الحركات مرحلة التشظي وتقوية صفوف الثوار وتقارب المسافات الفاصلة بينها، حيث بات من المرجح عودة منى أركو مناوي إلى الميدان، ونزول عبد الواحد نور من عليا باريس إلى سطوح المفاوضات، بينما مفعول الظروف المحيطة بحركة العدل والمساواة ستلين نظرتها واسلوب معاملتها للحركات الأخرى، وكل هذه المعطيات تسهم في ترسيم خط إستواء للثوار وتصب في صالح القضية.

وكما يستفيد النظام من طي ملف الجنوب، سيستفيد الثوار من مذكرات التوقيف الصادرة بشأن رأس النظام وقوائم التهم المثقلة الموجهه له، خاصة بعد إضافة تهمة الإبادة مؤخراً، بالإضافة إلى تصاعد التوتر بين السودان ومصر من طرف والسودان ولييبا من طرف آخر، وتمثل تصريح الناطق باسم الجارجية الأمريكية فيليب كراولي مؤخراً أقوى الكروت التي يؤول عليها الثوار، وفحوى هذا التصريح ضرورة إمتثال رئيس النظام في لحظة معينة إمام محكمة الجنائية الدولية لمحاسبته، اللحظة المعينة في الغالب بعد استنفاذ غرضه بالإطمئنان على صحة المولود الجديد دولة جنوب السودان.

قد يسئ الثوار التقدير إن ظنوا أن قضية دارفور ستجد نفس الإهتمام التى حظيت بها قضية الجنوب من المجتمع الدولي، رغم بشاعة الجرائم التي إرتكبت في حق مواطنيه، وذلك لعدة إعتبارات لا مجال لذكرها، ومن رأينا ألا يفرط الثوار في الضغوطات المتوقعة من المجتمع الدولي على النظام وألا يؤؤلوا عليه كثيراً كضامن للإتفاقيات التي يتم توقيعها معه مستقبلاً وقد رأينا عينة من سلوك الأسرة الدولية خلال وفيما بعد إتفاق أبوجا.

حذر الخبراء من مغبة تدهور إقتصادي مريع في الشمال ما بعد إنفصال الجنوب، وعليه من المتوقع أن تتخلى أجهزة النظام عن الكثير من مليشياته القبلية في دارفور وتعجز عن الإيفاء بإستحقاقاتها المالية، ومن الوارد إن تستهدف هذه المليشيات ممتلكات الدولة ومؤسساتها المالية للحصول على مخصصاتها، وعموماً التدهور المالي ينعكس سلباً على الوضع الأمني بدارفور ويشكل تهديداً لتدفق المساعدات الإنسانية للنازحين.

إندلاع الحرب بسبب الإنفصال ليست في مصلحة أحد، ولكن إن حصل هذا لا سمح الله، فإنه سيصرف قوات النظام وطائراتها من شن عملياتها على مواطني دارفور، ولكن من شأن الحرب إجهاض التفاوض وعرقلة جهود إحلال السلام بالإقليم وإطالة عمد ماساة مواطنيه، وهناك من يقول عسى أن تكرهوا شيئا وهو خيراً لكم ويرى أن الحرب سيعجل رحيل النظام، لتحل السلام ربوع البلاد بأسره تلقائياً.. في حال إندلاع الحرب بين الطرفين مجدداً، يجد النظام نفسه في صندوق مغلق، الحركة الشعبية وثوار دارفور كل من جهة والمجمتع الدولي بقيادة أمريكا والمعارضة الداخلية كل من جهة.

ولكن من المؤكد إندلاع (مجابدة) بين الطرفين قد تنتج عنها تهشيم بعض الأثاثات ولكن ليس من مصلحة أي طرف المبادرة بإعلان حرب، النظام بمكره المعهود قد يلجأ إلى الحرب بالوكالة عبر المليشيتات والتيارات الجنوبية الموالية له، وفي ظل الحماية الأمريكية الأفضل للحركة خوض حرب مباشرة مع النظام من توترات داخلية تحركها حكومة الشمال لتسوقها آلته الأعلامية على أنها حرب قبلية.

هنالك قضايا تخص إقليم دارفور تثيرها إنفصال الجنوب، أولاها وضعية منطقة حفرة النحاس، وبما إن مواطني الإقليم يطالبون بمبدأ إعتماد حدود مدريات السودان عام 56 لترسيم حدودها مع الولاية المشالية، من المنطق قبول هذا المبدأ في وضعية منطقة حفرة النحاس التي ضمها نظام الفريق عبود لجنوب دارفور في الستينيات، المهم في الأمر أن قضية حفرة النحاس قد يقرب أو يباعد بين الثوار ودولة الجنوب، والحكومة قد تسعى لمقايضة هذه المنطقة بمنطقة اخرى على خط التماس بين الشمال والجنوب، فهو لا يستطيع التمسك بها إن تنازل عنها أهل الإقليم، ولا يمكنها تسليمها للجنوب بدون مقابل ولكن إن كان هنالك ثمن يجب أن يقبضه إنسان الإقليم وليست الحكومة المركزية.

الأمر الثاني والأهم ميلاد دولة جوار جديدة تمثل ملاذ أكثر من آمن لثوار دارفور، ومنهم من إستثمر علاقات طويلة المدى مع الحركة الشعبية، ومنهم من يقتدى بمشوارها الطويل والناجح ثورياً، فدولة الجنوب المرتقبة بلا شك ستمثل أفضل وسيط من وجهة نظر الثوار حسب قراءة الكثيرون منهم، وأنسب مكان لإستضافة المحادثات، لعدة إعتبارات لا مجالا لذكرها، وتأسيا على محادثات نيفاشا بكينيا ليست بالضروة أن تكون الدولة المضيفة غنية ذات وجاهه دولية او إقليمية ودولة الجنوب المرتقبة جزء مننا وفيها ملامحنا.

على أية حال، سيظل قضية إقليم دارفور أكثر مناطق السودان عرضة للتأثر بإفرازات عملية إنفصال الجنوب لأنها واقفة في طابور إنتظار الحلول منذ توقيع إتفاق نيفاشا يناير 2005 وأي إجراء إضافي من شأنه تطويل الإنتظار وزيادة الإحتقانات المزمنة، فقد يتغيرالوضع في دارفور بصورة دراماتيكية على عقب إنفصال الجنوب مباشرة، إلى الأحسن أو الأسوء، وربنا يجيب العواقب سليمة، ورب ضارة نافعة.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: