الجمعة، أبريل 30، 2010

خطر الهظار مع مالك عقار

خطر الهظار مع مالك عقار
للكابتن ممدوح فرج مقدم برنامج الضربة القاضية بقناة النيل الرياضية المصرية عبارتان يتخيرهما إن عجز من إيجاد وصف مناسب لمصارع قوي وهما "هذا المصارع مافيش معاه هظار" والأخرى "هذا المصارع ما لهوش حل" أي غير الفوز ، ونحسب أن الفريق مالك عقار رجل النيل الأرزق مصارع قوي وذكي في الساحة السياسية ، يعرف كيف يوظف ثقله السياسي داخل الحركة وكاريزميته الطاغية وسط أهله ، ولا يمكن لشخصيات نكرة أن تنتزع منه نصرا حتى أن تواطأ معه الحكم ومدير الحلبة نفسه.

من خلال إندغامه الفاعل في صفوف الحركة الشعبية عام 1985 إستطاع تحديد أبعاد قضية إنسان النيل الأزرق بوضوع ووضع أُطر لحلولها ، وفي فترة وجيزة من توليه مقاليد الأمور في ولايته نجح في إعادة الإعتبار لها ولفت نظر الساحة السياسية لأهميتها بتعزيز الموروث الثقافي الثر الخاص بإنسان المنطقة وتوطيد صلتها بدول الجوار ، وبذلك تمكن من جعل ولاية النيل الأزرق ولاية جاذبه للمستثمر والكادر الوظيفي ، ومن الملاحظ أنه يتصرف تصرف الملك العضود الحريص على كسب قلوب مواطنيه.

بيد أن إندثار حلم السودان الجديد وتلاشي النزعة الوحدوية لقيادات الحركة الشعبية بلا شك قد أربك حسابات الرجل ، الأمر الذي قد يضطره إلى إعادة ترتيب خياراته وليس مستبعدا أن يفك الإرتباط بين ولايته والحركة الشعبية حاكمة دولة جنوب السودان المرتقبة في القريب العاجل.

خطورة الفريق عقار تكمن في ثوريته المتجددة وإرتباط قضية إنسان النيل الأرزق بتلابيب شخصه وإستناده على أثر تاريخي أصيل تحفل به منطقته (سلنطة الفونج ) ولعل هذه الخلفية التاريخه وراء شموخ الرجل ورأسه المرفوع على الدوام.

لكل ما سبق يعتبر الهظار مع الفريق عقار في ساحة جدية كحلبة الإنتخابات أمر بالغ الخطورة على الخصم والمشهد السياسي بأسره ، وليس عقار من يُسرق أحلامه بخفة يد أو شراء ذمم ، فالذين يحرسون أصوات ناخبيهم داخل مراكز الإقتراع وخارجها بجيش عرمرم لا تصلح معهم لعبة الصناديق الطائرة والمراكز الخفية.

لا يشك أحد في أن المؤتمر الوطني قد شرع في إرسال الصناديق الطائرة إلى النيل الأزرق ، وإلا لماذا حشدت السلطات قوات أمنية على حدود الولاية؟ ومن يصدق أنها أرسلت لردع مؤيدها أن ثاروا ضد عقار حال نيله ثقة أهله الذين إعاد لهم الإعتبار بعد طول تهميش ؟ كيف يفسر تسريب بعض التنفيذين معلومات تفيد فوز مرشح الوطني بمنصب الوالي كجس للنبض؟ وعلى اي أساس تم إعادة فرز الأصوات دون إعلان نيتجة الفرز الأول على أعقاب زيادة السيد على عثمان لجوبا ، كل هذه القرائن تشير إلى أن الشروع الفعلي في التزوير قد حصل وحصل التراجع عنه بسحب الصناديق الطائرة عندما تيقن قادة المؤتمر الوطني أن الفريق عقار ليس معزولا عن قيادات قطاع الشمال بالحركة الشعبية كما توهمت وإن إختلف معهم في موقف المشاركة في الإنتخابات من عدمه ، وأن زيارة الفريق سلفا المفاجئة لأديس أبابا ليست لها تفسير سواء توطئة للحرب إن تلاعبت مفوضية المؤتمر الوطني بنتيجة الإنتخابات في النيل الأزرق ، حينئذ إستدرك صانعي القرار أن ولاية النيل الأزرق ليست وزارة الطاقة وإن الفريق سلفا قد يفعلها هذه المرة حتى دون مقدمات.

في الغالب ، البسطاء من بالناس يميلون إلى من بيده السلطة والمال ، ومن الصعوبة إقناع الناس للتصويت ضد الحاكم الفعلي لحظة الإقتراع ، ومن هنا تكمن ضرورة إجراء الإنتخابات في ظل حكومة قومية إنتقالية إن كانت هنالك نية صادقة في نزاهتها وشفافيتها ، وما كان للفريق مالك عقار أن يفوز بمنصب الوالي بسهوله إن لم يكن والياً لحظة الإقتراع ، لأن الناس على دين ملوكهم ، والناخب السوداني يوصف دائما بقصر الذاكرة ، ومن حسن طالعه كانت فرصته الأخيرة في تداول السلطة خلال الفترة الإنتقالية ، الأمر الذي أتاح له فرصة تفادي سلبيات سلفه ، والعمل على إنعاش ذاكرة الناخب أثناء الإنتخابات ، ولكن السؤال كيف فاز عقار بمنصب الوالي بينما سقط مرشحي الحركة في الدوائر النيابية الولائية؟ من الجائز أن تكون التزوير قد طال صناديق البرلمان الولائي والإتحادي ، خاصة ليس هنالك ما يفيد إعادة فرز محتويات هذه الصناديق أيضا وإذا إفترضنا أن الإنتخابات تم إعادة نزاهتها على كافة المستويات تحت تحديد السلاح فليس مستبعدا تضرر مرشحي الحركة من تضعضع النزعة الوحدوية لقادتهم ، لأن إنسان النيل الأزرق رغم تهميشه من قبل المركز ليس هنالك أدنى شك في إمتعاضه عن الإنفصال ، حتى الفريق عقار عندما لوح بخيار الإنضمام إلى أثيوبيا ظل كلامه مفهوما في إطار تثبيت مقام الولاية والتنبيه إلى خطورة محاولة الهظار من قائدها الفذ وتعمد الإستمرار في تهميش المنطقة.

ومن نافلة القول الإشارة إلى أن ولاية النيل الأزرق تمتعت بحكم شبة ذاتي منذ بدء تنفيذ إتفاق نيفاشا عام 2005 إلا أنها لم تحظ بالثروة التي تمكنها من نسيان لسعة التهميش ، واية محاولة لإعادة سيطرتها من قبل المركز بعد إنفصال الجنوب سيعيد الوضع إلى المربع الأول قبل إنضمام عقار للحركة الشعبية عام 1985م ويفجر الوضع من جديد ، ولأن قضية التهميش بالمنطقة إرتبطت بشخصه الثائر فمن المؤكد أن سلامته الشخصية ما بعد الإنفصال سيكون في خطر عظيم ، سيما وأن المؤتمر الوطني لن يدخر جهدا في محاولة شراء ذمم النواب ترغيبا وترهيبا من أجل تزوير إرادة أهل المنطقة لحظة إجراء المشورة الشعبية وليس مستبعداوإعادة إنتاج سيناريو جنجويد دارفور بالضغط على الوتر القبلي وهذا الأمر آخر ما يحتاجة السودان في المرحلة المقبله ، لذا يعتبر تكرار محاولة إبعاد الفريق مالك عقار أو التخطيط لسحب البساط من تحت قدميه يعتبر عمل مجنوب ومحازفه بالغة الخطورة يجب على كل عاقل الإحتراس منه والتفكير ألف مرة في عواقبه ، فالرجل محبوب وسط أهله ومخلص لهم وملهم لتطلعات اهل الهامش خلفا لقائده الراحل جنون قرنق.

نزجي هذه الكلمات لعلمنا أن هنالك كمين آخر منصوب للرجل داخل أروق المشورة الشعبية وما أدراكما المشورة الشعبية ، فقد تم تعريفها في اتفاقية نيفاشا بإجراءين الأول تكوين لجنة التقرير والتقويم لنيفاشا من المجالس التشريعية في جبال النوبة والنيل الأزرق بحيث تقوم المجالس برفع تقارير عن تطلعات الناس بكل منطقة كما ورد في الفقرة 17 من الإتفاقية: "أ. في حالة اعتماد المجلس التشريعي الولائي اتفاقية السلام الشامل باعتبارها تلبي تطلعات شعب الولاية تعتبر الاتفاقية تسوية نهائية للنزاع السياسي في الولاية المعنية وتحيل حكومة الولاية الأمر إلى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بهذا الشأن." وهنا مكمن ضعف الإتفاقية ومكان زرع الألغام بالمنطقة ، وحسب رأي المختصين يعتبر المشورة الشعبية إجراء روتيني تُمكن النخب من تقرير مصير المنطقتين.

ولكن ما هي خيارات الفريق عقار إن صادق نواب المجلس التشريعي للولاية الذين جلهم من المؤتمر الوطني على صحة وإتمام تطبيق نصوص إتفاق نيفاشا الخاصة بالمنطقة وإعتزموا رفع تقرير لرئاسة الجمهورية مطالبين بإنهاء التسوية السياسية وطي ملف القضية ، هل ينتصر لذاته ويركب قطار المؤتمر الوطني حفاظا على وضعه القيادي أم يركب الصعب بإعادة إنتاج المطالبة بالحكم الذاتي التي يتح له مساحة واسعة للتواصل مع حكومة جنوب السودان؟

الدروس المستخلصة من الهظار الإنتخابي مع قائد النيل الأزرق أن الذين لا يملكون جيوشا وليست لديهم صوارم يجلونها عند اللزوم ، لن يفوزوا بمقاعد إنتخابية حتى داخل منازلهم ، والخيار الأمثل في ظل ممانعة النظام من تشكيل حكومة قومية إنتقالية تشرف على العملية الإنتخابية من الألف إلى الياء هو توفير سيوف تحمي المراكز الإنتخابية من الصناديق الطائرة ، كيف ذلك السؤال موجه للسيد مبارك الفاضل والأستاذ فاروق أبوعيسى . هذا الدرس يجب أن يفهمه أحزاب المعارضة وحركات دارفور الثورية ، ذلك أن المثالية لا تفهمه قادة المؤتمر الوطني والضغط العسكري هو الضامن الوحيد لتوفير الشفافية والنزاهة الإنتخابية المفضية للتحول الديمقراطي ، أما قادة المؤتمر الوطني أن قدروا بعد فصل جنوبنا الحبيب أن النيل الأرق وجبال النوبة في إعداد الغنم القاصية كليهما حلال على الذئاب الضارية عليهم إعادة النظر في هكذا تقدير ، ويكفيهم إجراما في دارفور أرض الحفظة والتوحيد ، ليتهم جميعا يفهمون.
___________
رابط المقال بصحيفة أجراس الحرية:

ليست هناك تعليقات: