الاثنين، سبتمبر 14، 2009

من يصدق د. الأفندي؟

من يصدق د. الأفندي؟
من ثنايا كتاباته ، ليست هنالك ما يشير إلى أن سلامة مواطني دارفور، تعني د. عبد الوهاب الأفندي في شئ ، بيد أن هنالك عدة قرائن في أطروحاته ، تؤكد مصلحته في سلامة حكومة الإسلاميين ، وإستمرار النظام الحالي ، ومن هذه المنطلقات يجوز النظر في كتاباته بعين رضاه الخفي عن النظام ، وسخطه المعلن عن ثوار دارفور ، وكراهيته للناشطين من أبناء الإقليم ، وعليه ليس بمستغرب محاولاته المحمومة هذه الأيام للذود عن الجناة ، وتعمده تجريم أهالي الضحايا ، رغم خداع ذاته بتمثيل عنصر الحياد في قضية إنسان دارفور العادلة ، والتي أقحم نفسه فيها ، دون خلفيه معرفية بالإقليم ، أو أخلاقية تؤهله لهذا الدور.

ففي مقالته الأخيرة المنشورة بصحيفة سودانايل بتاريخ 2 سبتمبر 2009م بعنوان : "عن الحرب حول الحرب في دارفور" هرب الإمام بتقديم إفادات مغلوطة ، وإنتقاء معلومات في ظنه أنها تنزه النظام من التهم المنسوبة إليه ، وإستنتاجات غير منطقية ، لإبعاد شبه توجيه تهمة الإبادة الجماعية لرئيس النظام ، وهو يعلم وقعها على مرتكبيه.

يزعم د. الأفندي إن إختطاف الرهينتين من عمال اليوناميد مؤخرا ، ربما قصد به تسجيل النقطة المضادة وهي أن الحرب في دارفور قد تكون إنهت ، ومن خلال المتابعة يتضح إن حالات الإختطاف ظهرت كآثار جانبية لحمى تقديم مذكرة التوقيف لرئيس النظام ، الأمر الذي يشير بأصابع الإتهام لأعوان النظام بتنفيذ هذه العمليات ، خاصة مع ملاحظة تقاعس السلطات في الوصول إلى الخاطفين . أولي هذه العمليات كانت العام الماضي ، بعد أسابيع من صدور مذكرة التوقيف ، حيث تم إختطاف رهينة فرنسية ، وكانت ضمن شروط الإفراج عنها مقابلة وفد فرنسي رسمي ، لرئيس النظام.

ويذكر أن الإختطاف يتم من مليشيات كانت في السابق تؤيد الحكومة ، وهذا دليل على أن هذه الجرائم تتم بإيعاز من النظام ، كما إن صياغة هذه الإفادة فيها مجافاة للحقيقة ، حيث أن المليشيات التي يعنيها د. الأفندي هي من صنيعة النظام ، تنظيما وتمويلا ، وليست مؤيدة له.
كما أورد إن الحالة الحالية ، تشبه إلى حد كبير ، حالة ما قبل الحرب في دارفور ، وهو لا يعلم أن دارفور قبل إندلاع الثورة ، لا توجد بها مليشيات تأتمر بأمر النظام ، والآن قوات حرس الحدود (الجنجويد سابقا) تتربص بالنازحين الراغبين في العودة إلى ديارهم ، التي ملكتها النظام لقبائل النيجر ، وحين يختزل الوضع في دارفور ، في إستمرار المعارك ، أو توقفها ، يكشف عن وجهه الغير إنساني ، بعدم الإلتفاف لثلاث ملايين نازح ومهجر قسري ، من أهالي الإقليم ، حوالي ثلاث سكان الإقليم تحت الإقامة الجبرية بالمعسكرات ، ومع ذلك يشبه الوضع الآن بما قبل الحرب ، إي بهتان هذا؟

أول أيام هذا الشهر المبارك ، إندلعت مواجهات ، بين قوات حرس الحدود ، وقوات الإحتياطي المركزي ، بمدنية الطويشة شرقي دارفور ، إستمرت ثلاث أيام ، أجبرت الأهالي ، على تناول إفطارهم على وضع (ساتر) ، خلفت ورائها عدد من القتلى والجرحى ، وإحترقت على إثرها ، كافة المقاهي والمحال التجارية والمنازل القابلة للإشتعال ، والتي وقعت في مرمى نيران القوات النظامية المتقاتلة في قلب المدينة ، ليس هذا وضع دارفور قبل الحرب ، ويعتبر قوات حرس الحدود الأمنية التي شبت عن الطوق ، أكبر تحدى لأمن الإقليم ، في والوقت الراهن والمستقبلي ، وهي صنيعة النظام ، وسبب الفوضى الخارجة عن السيطرة ، يجب حلها ، وإعادة مرتزقتها إلى حيث أتوا ، وهو شرط أولى ، لإحلال السلام في دارفور.

أورد د. الإفندي تصنيف للقتلى ، حسب تقارير اليناميد الأخيرة ، وذكر أن معظم ضحايا العنف هم من أنصار الحكومة ، وثلثهم كانوا من القبائل العربية ، دون أن يبدِ أسفه على ذلك ، وهنا نود التنويه إلى أن القبائل العربية المشار إليها ، هى قبائل دارفورية أصليه ، وضحاياهم جزء لا يتجزأ عن ضحايا الإقليم ، وأن جميع الضحايا ، هم سودانيون ، عدى المرتزقة بالطبع ، ومأسوف على أرواحهم ، التي لم تتوانَ النظام في إزحاقها بدم بادر ، وأن الذين يمرون على هذه الأحداث المؤسفة ، دون أن ترف لهم جفن ، لا يستحقون الإلتفاف إلى مزاعمهم الفجة.

يعزي د. الأفندي تراجع المعارك العسكرية ، وتناقص إعداد القتلى إلى نجاح اليناميد ، وإذا علمنا إن الغالبية العظمي ، من ضحايا دارفور هم مدنيون ، لقوا حتفهم على أيدي قوات النظام الجوية ، ومليشياته البرية ، فالصحيح أن هذه العمليات تراجعت ، بفعل الضغط الدولي ، المتمثل في توجيه سبع تهم ضد الإنسانية لرئيس النظام ، الأمر الذي أشغل حكومة المؤتمر الوطني بورطة رئيسه ، وهدى بقادته إدراك خطورة ما إغترفت أيدهم ، أما اليوناميد ، فلم تتعدى دورها المشاهد الراصد للإحداث ، ولم تكترث لها النظام ، قبل إصدار مذكرة توقيف الرئيس ، والشاهد على ذلك معارك مهاجرية الأخيرة ، حيث أنها فتحت معسكرها للنازحين وإكتفت بالتفرج مع المفرجين ، وإدعاء الأفندي أن قوات اليناميد ترصد حالات العنف ضد الحيوان بسوق نيالا ، ما هو إلا هراء ، يصعب تصديقه.

يشير د. الأفندي إلى دقة تقارير اليناميد ، التي تضم نتائج الرصد الحكومي أيضا ، على حد زعمه ، من يصدق إن النظام تقذف الأبرياء ثم تسارع إلى رصد الضحايا لرفع إحصائياتها إلى اليناميد؟ لو كانت الحكومة على هذا القدر من المسئولية ، لما إندعلت الثورة أصلا ، وبما إنه إستشهد بحالات فردية ، منها مصرع الصبي الذي إلتقط قنبلة حيه ، ومصرع عنصر من الأمن ، ما كان له إن يتجاهل تصفيه عمدة معسكر أبو شوك وزوجته في وضع نهار ، لولاء التحيز والإنتقائية.

لا يرى د. الأفندي مبررا للحديث عن حالة الطوارئ الدولية ، التي نشرت بموجبها أكبر قوة حفظ السلام في العالم ، ويسلم بأن المعاناة في الكنغو أكبر من دارفور ، وهو لم يرَ الكنغوا ولم يزر دارفور في عمره ، ولا أعتقد إن أهالي الإقليم يتشرفون بزيارة أمثاله ، نعم قد يكون صادقا إن عدد الضحايا في الكنغو أكبر من دارفور ، لكنه يتغاضى عن الجرائم النوعية التي إرتكبتها قوات النظام ، ضد الأبرياء العزل من أهالي الإقليم ، حرب الكنغوا حرب نظيفة ومتكافئة ، ليس فيها إستهداف ، لإثنيات بعينها كما في دارفور ، ولم يستهدف فيها المدنيين ، ولم تسجل فيها حالات إغتصاب ممنهج ، ولم تحرق فيها القرى ، ولم تدمر فيها المنشآت التي يرتفق عليها الأهالي ، لو كانت ضحايا دارفور ، من الثوار القوات الحكومية ، لكان المسألة عادية ، ولكن الأسرة الدولية لديها الدلائل الدامغة على النظام يستهدف أهالي الإقليم مع سبق الإصرار والترصد ، هذه مبررات حالة الطوارئ الدولية التي لم تراها أعين د. الأفندي.

يستنتج د. الأفندي أن ما يجرى في دارفور ليس بالفعل شر مطلق ، وإلا لما كانت هنالك مفاوضات ، لأن الشر لا يتم التفاوض معه ، وهنا دعنا نتساءل ، هل هنالك خيرية يراها الفلسطينيين في دولة إسرائيل ، التي إغتصبت أرضهم وسلمتها للمهجرين اليهود من كل حدب وصوب ، ويُقتل أبناءهم ليل نهار ، وتغلق عليهم منافذ الإغاثة ، الشئ نفسه تفعله حكومة الإنقاذ ، بل وأبشع من ذلك ، فهل تفاوض الحكومة الفلسطينية والجامعة العربية مع دولة إسرائيل تصبغ عليها الخيرية.

يبدو أن د. الأفندي يعتقد ، إن تهم الجرائم البشعة الموجه للنظام في شخص رئيسه ، يمكن دحضها ، بإستناجات واهية ، ناسيا أو متناسيا أن هنالك دلائل دامغة ، وشهود عدول ، إنبنت عليها تلك التهم ، وأن التقارير التي تصله ، من زملائه بالقنصليات الحكومية ، تحتوى معلومات مضروبة ، لا تقوى على الصمود إمام الحقائق الميدانية.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: