الخميس، سبتمبر 03، 2009

للحلب والعبيد أيضا أُسَر ... تعليقا على إفادات صديق محيسي

للحلب والعبيد أيضا أُسَر ... تعليقا على إفادات صديق محيسي

المتابع حوارات مثقفي المركز ، ينتابه الشك أن هنالك فئة لديها مصلحة في تأجيج نيران التمييز الطبقي ، وتزكية النعرات العرقية ، وسط المجتمع ، بإصرارهم على إفتعال معارك قميئة في غير معترك ، كأنهم يتلذذون بنبش مفاهيم تجاوزتها الأجيال ، وتخطتها الزمن ، ومما يعزز هذه الشكوك ، وجود منفعة لهذه الشريحة ، في إستمرار التمييز الطبقي لقدامى ساكني المركز ، والإبقاء على الحواجز الإجتماعية ، بين وارثي السلطة ومقومات الثروة من المستعمر ، متمثلة في أن إزالة هذه الحجب الإجتماعية ، يضيق عليهم الخناق المعيشي ، ويسحب عنهم الأضواء ، في هذا المقال نجلي الغطاء ، عن مزاعم للأستاذ الصحفي صديق محيسي وفي مقالات لاحقة إن أمد الله في الآجال ، نتطرق لمساجلات د. عبد الله على إبراهيم ، وشطحات د. الطيب زين العابدين.

في إجابته عن سؤال وجهه له الأستاذ صلاح شعيب ، عن أزمة الهوية السودانية ، قال الأستاذ صديق محيسي: "... وهنا يصاب الموضوع كله بالإرتباك المفهومي فيؤدي إلى أغرب تمييز بيولوجي (عب مقابل حلبي) و إلى عهد قريب كانت الأسر ترفض تزويج بناتها للعبد (أسود) أو للحلبي (أبيض)" ما يفهم من حرفية هذا الكلام ، أن السود والحلب ، ليست لهم أسر ، ولكن من سياق حديثه ، يقصد بالأسر (الذوات) ، والواقع يؤكد أن لكل مجتمع ذوات ووجهاء ، يتصاهرون فيما بينهم ، ولكن صديق محيسي لخلل في تفكيره ، يبتسر هوية السودان كله ، في المجتمع العاصمي ، ويعتقد أنهم معايير للوجاهة ، وإن لم يزوج وجهائها بناتهم للعوام من السود أو البيض ، فإن ذلك تصبح أس أزمة الهوية السودانية ، وببساطة أن المجتمع العاصمي ، في العهد الذي أشار إليه الاستاذ محيسي ، ذي غالبية عربيه ، والعرب العاربة حُمر ، والمستعربة خُضر ، لذلك يعتبر تحفظهم على السواد والحُمرة الزائدة ، شئ عادي وطبيعي بمنطق ذالك الزمن ، ولا شك أن محيسي يعلم أن لكل مجتمع تحفظاته ، في معايير الزواج ، حتى داخل القبيلة الواحدة ، وهذه المسألة لا غضاضة فيها ، إلا لبعض مثقفي المركز ، أصحاب الغرض ومتلقطي الحجج ، ولكن يبدو أن محيسي يريد أن يشيع أن مجتمع المركز هو المعيار ، لأصالة بقية المجتمعات ، وهذا يجافي الواقع ، وليس بإمكان (ناس قرعيتي راحت) من مجمع المركز ، الزواج من بنات الأسر في مناطق الحلب والعبيد بأطراف الهامش ، حسب توصيفه الذي يحلق العبودية بكل أسود والحلبية بكل أبيض.

كلمة عب لا تعدو أن تعني (أسود) وكذلك كلمة حلبي لا تعدي أن (أبيض) كما اورده السيد محيسي ، لكن لماذا يتعمد قرانها بأهلية المصاهرة ، وحسب المجتمع العاصمي ، الأم تطلق على جنى حشائها الأكثر سُمرة من أشقائها كلمة عب ، وقد تكون هي سبب السُمرة ، وفي هذا السياق ، الأسبوع الماضي ، وعلى هامش مراسيم تشيع جثمان الدكتور محمد شريف عليه الرحمة ، أحد رموز مؤتمر البجا بلندن ، تجاذبنا أطراف الحديث مع أخ كريم من مدنية نوري ـ الولاية الشمالية ، وتناولنا موضع إقالة الفريق صلاح قوش ، قال لي هذا القوش حوّل جهاز الأمن ، لشركة خاصة بالشوايقه ، وأعلن على الملأ ، أنه لا يريد عب شايقيه في هذه الشركة ، فتقاطر أهله من كل حدب صوب ، ومن كانوا على عجلة من أمرهم أتوا (كداري) من مدني ، لسنا بصدد التثبت من صحة هذا النداء ، ولكن ما يفهم من هذا الفرز ، أن المستثنين من دخول هذا الصرح القلبي العظيم ، هم الشوايقه السُمر.

ومن واقع المجتمع ، توجد شواهد تؤكد ، أن أبناء الحلب والعبيد متى ما إمتلكوا السؤدد من مال أو سلطة أو معرفة ، فتحت لهم أبواب الحيشان الكبيرة ودخلوها بالمزيكة.

وموقف آخر ذات صلة ، ذات مرة ، ضمن مشاوير البحث عن العمل بالمملكة العربية السعودية ، لاحظت أن المدير التنفيذي الذي سيجري لي المعانية ، شديد السُمره ، رغم نعومة شعره ، هدى بي تفكيري ، أن أكسر الحاجر بيني وبينه ، قبل البدء في المعاينة ، فإبتدرته قائلاً : سيادتك من وين من الغرب ، كردافي ودارفوري ، رد قائلاً : لا أنا شايقي من كريمه ، قلت له مناطقكم جميلة جدا ، وأهلكم كرام ، قضينا أمتع رحلة طلابيه بين الكاسنجر وعصوم والقورير، ثلاث أسابيع رمضانية ولم يتركنا الأهالي لتناول الإفطار بالمعسكر ، قدر لي التوفيق في تلك الوظيفة دون ، محاباة من الشايقي الأسمر ، وعملت تحت إدارته المباشرة ، والشهادة لله ، الرجل من أنبل ممن عرفت من السودانيين ، وحتى اللحظة أنا مدين له بالسماحة والخلق الكريم ، وأسمه محمد عثمان عبد الكريم.

ويبدو أن الأستاذ محيسي ليس متفقها ، ولا يعلم أن بعض مشايخ السنة ، ومنهم الإمام ابو زهرة ، يعتبرون التكافؤ ، شرط صحة لإتمام عقد النكاح ، وقبل أسابيع أفتى أحد المطاوع السعوديين ، ببطلان زواج المُدرسة من سائقها الخاص ، بسبب إنتفاء التكافؤ ودعاوى أخر ، وحتى وقت قريب مجالس المجتمع الخليجي تلوك ، موضوع خطبة الفنان الخليجي الأول محمد عبده ، من إحدى الأميرات السعوديات ، وقد رُفض طلبه لأن أصوله يمنية ، ولم تكتفِ عائلة الأميرة بالرفض ، بل هددت الفنان بالقتل ، لم يشفع للفنان الألمعي محمد عبده نقاء أصله الذي ترجع إليه أصول العربية جمعاء.
لا أبالغ إن قلت أن مثل هذه الأوصاف ، ما عادت تستفز أحد ، وقد افرغت من مقصده ، سواءا كان تحقيرا أو إستفزازا ، وكما يقولون العارف عزو مستريح ، وأصبحت في التجمعات السودانية الواعية والمنسجمة ، لم تستل السكاكين ، أو تحفز الخناجر ، لسماع كلمة حلبي أو عب ، أو خاساوي ، أو تكروني أو عربي مطرطش ، وحكاية د. على الحاج مع أحد كوادر الحركة الإسلامية ، والذي يروى أنه أتي إليه يغلي من الغيظ ، وعندما علم أن مرد ذلك الغضب ، أن الشيخ الترابي قال له يا عب ، ضحك الدكتور على الحاج ، وقاله أنا على الحاج محمد ، ما في حد قطع وجهي ، من الأولية حتى كلية الطب ، وأنا الكادر الرقم في الحركة الإسلامية ، لم يتوان الشيخ في إن يقول لي مثل ما قال لك ، يا اخي العب من الشيخ لا يزعل ، فهدأ روع الرجل.

وعن الحلب ، وذات دُغش يوم صائف ، توقفنا عند قهوة بين كسلا وسنكات لتناول شاي الصباح ، معي الزوجة والأطفال ، قدم إلينا ثلاث شُفع حلب ، بنتان وولد ، لم يتجاوز أكبرهم سن الخامسة أو السادسة ، تقول ما شاء الله ، وتصلى على الرسول من النضارة رقم الغجرية البائنة على محياهم ، القهوة خالية من المسافرين ، لأن شرطة المرور تمنع عبور السيارات الخاصة والبصات لمدنية كسلا بعد الخامسة عصرا ، لذا إنتابنا القلق والشفقة على عدم ظهور مرافق لهم ، وبعد تقديم ما فيه النصيب ، ظلوا على مقربه يتبادلون النظر من طفلينا ، لأنهما في أعمارهم تقريبا ، سألتني أم العيال ، انت الحلب ديل جنسهم شنو؟ ليست من الرجولة أن أقول لا أعرف ، فقلت لها لأن أصولهم ترجع لمدينة حلب السورية. هنا ردت البنت الكبرى ، لا نحن جعافره!! إندهشت لفصاحتها وحدة إنصاتها ، فقد كان حديثنا خافتا ، الأمر الثاني ، لو أنني سألت إبني الأكبر ، الذي يماثلها في السن ، عن جنسه ، أنني على يقين أنه لا يفهم ماذا أقصد ، دعك عن معرفة جنسه ... ليسوا ألئك ، أطفال الحلب الذين يعنيهم صديق محيسي ، والناس موثقون في أنسابهم ، كان ذلك خلال مشوار العودة إلى السعودية ، في آخر إجازة قضيتها بالبلد 2004م

في ذات الحوار المنشور بسودانايل ، الأستاذ محيسي ينكأ جراحات الماضي ، لزيد عوار الحاضر ، حيث يذكر إن السيد محمد أحمد المحجوب عليه الرحمة ، كان ينظر بإستخفاف لنواب دارفور ، وذهب به الإستعلاء مذهبا ذم فيه بطريقه إستفزازية أحمد إبراهيم دريج ، وسخر منه لأن الأخير كان ينطق كلمة القروض بقوله (القرود) والعهدة لمحيسى ، عمنا أحمد إبراهيم دريج موجود بين ظهرانينا ، وأُجريت معه عدة حوارات ، ونشر الكثير من ذكرياته البرلمانية ، ولم يتطرق لهذه الإستفزازات ، ولم يذكر المحجوب إلا بالخير ، وأن الأجيال الصائدة تكِن له كل الورد والإكبار ، ومما يشكك في إدعاء محسي ، أن السيد دريج دخل البرلمان مستقلا ، ثم إنضم بطوعه لكتلة حزب الأمة ، وأصبح زعيما للمعارضة ، وكان على قاب قوسين أو أدنى ، من رئاسة الوزراء حسب إفاداته ، وإن كان المحجوب كما يصفه محيسي ، وهو رئيسا للوزراء ، ممثلا لحزب الأمة ، ما الذي يدفع السيد دريج للإنضمام لحزبه؟ لماذا لم يتطرق لها السيد دريج؟ أم أن السيد دريج بلع الإهانة حرصا منه على السلامة الإجتماعية ، لأنه أكبر عقلا من محيسي وأمثالة ، ولمصحة من يثير مثل هذا التحريض ؟ لم يكتفِ محيسي (بالتهريش) بل تقمص وجدان ثوار دارفور ، وأكد أنهم سيطالبون بتقرير المصير ، في أية مفاوضات مقبله مع الحكومة.

حسبك ، ثوار دارفور يعرفون ما يريدون ، وفي غنَ عن أي تحريضٍ مريب ، وما تناوله الاستاذ ، قد لا يلامس حتى قشور أزمة الهوية السودانية ، وأعتقد أن المسألة أعمق من الختان والزواج ، والإحتفاظ بالوضع الذكوري لمعتنقي الإسلام.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: