الخميس، أغسطس 20، 2009

إقالة قوش وتصريحات قرايشن ... ما الرابط؟

إقالة قوش وتصريحات قرايشن ... ما الرابط؟

إذا عُرف سبب إقالة الجنرال قوش المباغته ، بطل العجب؟ وفي حال عدم التعرف عليه ، يصبح العجب صالحا أو صلاحا (ما في فرق) ، وكافة التأويلات محتملة ، وحيث أن معرفة المسببات ، والكشف عن إرهاصات القرارات المفاجئة ، ليست من أدبيات الأنظمة فاقدة الشرعية ، والقصور القمعية ، التي تدار بشكل دكاكيني ، من تحت (كاونترات) معتمة ، ما دام ذلك كذلك ، فإننا في هذا المقال نحاول التمعن في قماشة الحدثين ، وتتبع الخيوط الرابطة بينهما ، عسى ولعل أن نسهم في رفع معاناة التعجب ، عن كاهل المراقب السياسي المرهف.

علاقة النظام الحالي ، أي الإنقاذ ما بعد المفاصلة ، مع الولايات المتحدة الأمريكية ، علاقة أمنية محضة ، بسبب إتهامه بالضلوع مباشرة في أنشطة إرهابية ، ومساندة تنظيمات الرعب الدولية ، اُدرجت إسم السودان ضمن قائمة الدول الدائمة للإرهاب ، وصنفت من دول الشر ، تبع ذلك حظر إقتصادي وعسكري للنظام ، ورغم ذلك لم تتوان جهاز الـ c.i.a ، من فتح قنوات تواصل أمني مع النظام ، وكان الجنرال قوش رأس الرمح في هذه العلاقة ، ولو لا تلك الرحلة الخاصة على متن تلك الطائرة المخابراتيه المخصوصة ، لكان حجم الجنرال أقل بكثير مما هو عليه قبل إقالته ، مكنته تلك الخبطة الأمنية ، من ممارسة إبتزاز غير معلن لجهات عدة ، وأكسبته مكانة ما كان يحلم بها ، لدى بعض القيادات الأمنية بدول الجوار العربي والأفريقي.

ولا شك أن خياشيم الجنرال قوش قد إمتلأت ، لسماعه الجنرال قرايشن ، يتحدى مجلس الشئون الخارجية بالكونغرس ، بتقديم ما يثبت أن السودان لا يزال يدعم الإرهاب ، لجهة أن هذا التحدي يعتبر شهادة نجاح لمهامه التي كلف به ، بعد إعادته لرئاسة جهاز الأمن الوطني ، على أثر تداعيات إحداث 11 سبتمبر وتأزم العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

نجح الجنرال قوش في تحويل نظامه إلى شاهد ملك ، وتمكن من تجنيب البلاد غزو أمريكي كان محتملا ، ولعل مرؤوسيه قد إطمأنوا على سلامة رقابهم ، ونجاة نظامهم ، فطفقوا يتساءلون عن ثمن بيع أعراض إخوانهم المسلمون للأمريكان ، وربما ذهبت بهم الظنون ، أن الـ c.i.a قد إعتبرت تعاونه اللامحدود شخصي ، وإحتفظت بالمكافأة له كفرد ، وغلبتهم التكهن بفحواها ، ومن الجائز أنهم يرونه قد فشل في إقناع جميع صقور الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، وحتى الجنرال قريشن قد تراجع عن مواقفه الداعمة للنظام مؤخرا ، لذلك فهو أي قوش قدم كل ما عنده ، ولم يعد يرجى منه شئ ، سواء إنتظار إستلام المكافأة!!!

بمعنى أن قوش ما كان ليقال لولا تصريحات قريشن الإيجابية عن النظام ، أو تراجعه السريع عنها ، ومن الجائز أنه حسبها خطأ ، وما كان عليه كشف جميع أوراقه لقريشن ، لإثبات أن النظام أصبح مسالما ، وكان يلزمه للبقاء في منصبه ، نسج خزعبلات لإبقاء على علاقات متوترة مع الإدارة الأمريكية ، وحالة توجس مستمرة بين نظامه والـ c.i.a ، في تلك الحالة ، سيظل جنابه فقط ، عُراب علاقات النظام مع الأمريكان ، أما الآن بعد أن بردها ، نط فيها الأصولي المتطرف ، وعلي نفسها ، جنت بُراقش.

أم أن إقالة رئيس الجاسوسية ، من مطلوبات سياسات قريشن الملتوية ، وقد تطال جميع رموز الإسلاميّن ، بما فيهم دكتور نافع ، لتبيض وجه المؤتمر الوطني الدميم ، لدى خصوم قريشن ، وتنقية (الزفار) الأيدلوجي من جسد النظام ، سيما وأن مطلوبات قريشن ، تستلزم بوضوح عمل New look لقوام الحكم بالبلاد.

أم أن قوش فشل في إقناع قريشن ، والوفود الأمريكية المتتالية للسودان ، لتخطي حواجز قرارات محكمة لاهاي ، ومقابلة الرئيس البشير ، المقاطع دبلوماسيا من أمريكا والغرب ، ولم يقابله أية شخصية رسمية منذ مارس الماضي ، بإعتبار أن قوش لديه خط ساخن ، مع معظم دول الغرب ، خاصة أن قريشن ، خلال تصريحاته المرتدة ، ذكر أنه لم يعارض قرار توقيف الرئيس البشير.

وربما إماطة قريش اللثام عن غموض الغارة الإسرائيلية على قوافل بشرق السودان بداية هذا العام ، قد أضرت بمنصب الجنرال قوش ، وتسببت في إقالته بتلك الكيفية ، إذا قدر أنه تعاون مع الموساد من وراء ظهر الرئيس البشير، الأمر الذي جعله يشتط غضبا ويعجل إقالته ، مثلما فعله مع مستشاره الصحفي ، حسن فضل ، جراء إجابته على أسئلة موجهة له دون علمه؟ إذا علمنا أن الجنرال قريشن ، رغم خلفيته العسكرية ، يفتقر للدبلوماسية ، التي تعصمه من نشر معلومات قد تضر بالعميل ، وإلا كيف يفسر مثل هذا التفلت؟.

خلاصة هذا التتبع ، تشير إلى أن تصريحات قريشن ، نتجت عنها تراخٍ ، ثم شد مفاجئ لخيوط التواصل بين الطرفين ، الأمر الذي سمح بسقوط قوش من بين فتحاتها المتسعة ، جراء تضعضع وتيرة الشد والجذب ، بين القصور الحمائم من الجانبين ، وكما سقط قوش نتيجة للتراخي ، من المتوقع إن يطير قريشن من الساحة ، مع بداية أول موجة شد أخرى للقماشة في المنظور القريب.

نسأل الله يرينا آياته في كل من بغى وتجبر ، مصاصي دماء الأبرياء ، مهشمي عظام الأطفال الرضع ، مفجري أدمغة الشيوخ الركع ، منتهكي شرف العذارى الأطهار بدارفور الجريحة ، وعموم الهامش ، ونسأل جلت قدرته إن يخزي مّدلسي الحقائق ومناصري الجبابرة والطغاة ، وليس ذلك على الله بعزيز ، وما من ظالم إلا سيبلى بظالم.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: