الخميس، يوليو 16، 2009

ندوة الدبلوماسين بلندن ... طوقت الحضور بالدهشة والحيرة

أورد المتحدث الرئيسي وزير خارجية الإنتفاضية الدبلوماسي إبراهيم طه أيوب في مستهل حديثه لندوة محضورة أقيمت بلندن يوم الأحد الماضي 12 يوليو 2009 ، أورد توصية عتيقة ، غاية في الأهمية فيما يتعلق بعلاقة دارفور وإستقرار بقية أقاليم السودان ، حيث ذكر أن إتحاد طلاب جامعة الخرطوم قدم دعوة للمؤرخ البريطاني البروفسور آرنولد تويني ، خلال زيارته لجامعة الخرطوم منتصف الستينيات لتقديم محاضرة تُرك له إختيار عنوانها ، فكانت المفاجأة أن إختار دارفور موضوعا للمحاضرة ، وكانت الدهشة ما خلص إليه إن دارفور هي صُرة السودان ، وإن أراد السودانيون الحفاظ عليه ، عليهم الحرص على أمن وسلامة دارفور.

الندوة أعدتها منظمة المجتمع المدني السوداني التي يرأسها الدكتور صلاح البندر بمناسبة مرور عشرون عاماً على إستيلاء نظام الإنظاذ على السلطة ، ويعتبر بحق ندوة الدبلوماسيين ، تقديما ومشاركة ، حيث شارك فيها عدد مقدر من عمالقة (مرافيت) الدبلوماسية السودانية ، إن جاز التعبير ، المحالين للصالح العام ، أدارها بحنكة وإقتدار السفير (م) فاروق عبد الرحمن عيسى ، الوكيل الأسبق لوزارة الخارجية ، ومحدثها الرئيسي وزير خارجية الإنتفاضة السفير إبراهيم طه إيوب وشارك فيها السفير محمد بشير أحمد (عبد العزيز الصاوي) والدبلوماسي الحارث إدريس ، وختمها بعد مداخلة ثرة السفير والشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم بقصيدة أكتوبر الأخضر ، وشارك فيها أيضا سياسيين من الوزن الثقيل ، الدكتور علي الحاج ، الأستاذ محجوب عروة ، والدكتور جبريل إبراهيم ، كماندر الإستخبارات هاشم بدر الدين ، هذه الندوة لم يتخلف عنها أحد من ممثلي التنظيمات السياسية والحركات الثورية بمدينة الضباب.

وقت تقديم نصيحة (تويني) ، أراضي الإقليم كانت في حالة همود تام ، من الناحية الأمنية ، ولعل مكمن تنبيه البروفسور آرنولد تويني المبكر إلى إهمية الحفاظ على إستقرار الإقليم ، مرده إهتمامه العميق كمؤرخ غربي بتفسير التاريخ الإجتماعي للشعوب القادرة على إحداث تغيير وجهة التاريخ ، إستنادا على إرثها السياسي ، وإستجابة لجيناتها الحضارية ، الإنجليز سادوا العالم إنطلاقا من مثل هذه التحليلات ، فقد تمكنوا من حكم شبه القاهرة الهندية و التي تقتنها 300 مليون نسمة بـ 60 ألف جندي فقط ، ولمدة ثلاثمائة عام ، نصيحة تويني ليست نبوءه تحققت ، إنما تحليل علمي ، إنشغل عنه حكام السودان بالسلطة الصولجان.

في منتصف الستينيات نشأت التنظميات السياسية الدارفورية ، اللهيب الأحمر وجبهة نهضة دارفور كثمرات ناضجة لأول جيل من أبناء الأقليم ، سنحت لهم الفرصة الإحتكاك بالطبقة المستنيرة من أبناء السودان ، في بوتقة المراحل التعليمية الوسطى والعالي ، على الفور إستعادوا مقاعدهم النيابية من أبناء المركز وطالبوا بحقوقهم السياسية بمعايير مساهمة مواطنوهم في صنع تاريخ السودان حديثا وقديما ، تلك الثمرة أخذت موقعها بين القوى السياسية المركزية ، وإن لم يلتفت إليها أحد ، إلا أنها إستمرت في التدحرج ، ليلتف حولها كل ناتج جديد من الأجيال ، إلى أن أوشكت سد طرقات الحياة العامة ، وكادت إن تعطل الحياة السياسية في البلاد في الوقت الراهن ، وحسانا تذكر الجيل الذي حضر الندوة ، وأغلبهم في سدة الحكم الآن نصيحة البروفسر تويني تلك قبل فوات الأوان ، قفد أمن على الرواية الدكتور على الحاج الذي كان أكبرهم سنا وقتذاك.

للإبقاء على دارفور ضمن خارطة السودان مستقبلا ، يجب الإتعاظ من تجربة جنوبنا الحبيب ، فقد طالب ساستها الأجلاء بالحكم الذاتي قبل الإستقلال ، وكان شرطهم الوحيد للإنضمام لركب الإستقلاليين ، ولم يحصلوا عليها إلا عبر فوهة البندقية خلال إتفاق أديس أبابا عام 1972 ، ولو لا النكوث عنها لما كفروا بالوحدة ، حينما تمكنوا من فرض رؤيتهم على ساسة الشمال مرة أخرى في نيفاشا 2005م ، تجاوزوا الفدرالية والكنفدرالية إلى تقرير المصير ، الشي نفسه الأرجح تكراره مع دارفور ، لذلك عملا بنصيحة المؤرخ بروفسر تويني، من وجهة نظري ، إن أراد أهل المركز إختصار الأوجاع ، لا أقول أمنحوا الإقليم الحكم الذاتي ، وإنما أقول أعيدوا لإقليم دارفور الموحد الحكم الذاتي ، عبر توقيع تروتكول خاص به ، في إطار الدولة السودانية الديمقراطية الإتحادية ، فقد كانت إمارة مستقلة سابقة للسلطة الزرقاء بـ 45 سنه ، وهو آخر جزء ينضم لخارطة السودان الحالية.

وهذا ما يجب على ساسة دارفور الشرفاء وثواره الأشاوس المطالبة به ، كمطلب إستراتيجي ، لما بعد نظام الإنقاذ المحتضر الآن ، إن قبلوا بالحكم الإتحادي حتى في أبهى تجلياتها ، كما جاء في إتفاق حزب الأمة القومي وحركة العدل والمساواة مؤخرا ، فالمتوقع القيام بعملية ترقيع وصيانة للحكم الإتحادي الحالي ، بتقديم وصفة معممة لكافة أقاليم السودان ، دون مراعاة خصوصيات البعض ، ومنح الأقاليم المزيد من الصلاحيات والطبطبة الوظيفية ، لا يعصم نواب الأقاليم من ضغوطات رؤساء أحزاب المركز وإبتزاز زملائهم من داخل البرلمان ، وفي نهاية المطاف يكتشفون أن الحكم الإتحادي ، it doesn’t work كما يقول الإنجليز ، ولا يرضي تطلعات أهل الإقليم ، مجرد التلميح بذلك يكفي إطلاق شرارة أخرى من التمرد.

الإقليم محتاج إلي إطلاق أيدي أبناءه لترتيب أولوياتهم الأمنية والتنموية ، وإختيار مصادر التمويل المناسبة لتنفيذها ، وتذليل كافة الصعاب في طريق رفاهية مواطنيه ، وإخطار السلطات المركزية للعلم وإتخاذ اللازم فقط ، في ظل الحكم الذاتي ، على سبيل المثال ، السلطات الإقليمية غير معنية بقطع الحكومة المركزية لعلاقاتها الدبلوماسية مع الجارة أفريقيا الوسطى ، ولا ينتظر منها أحد قفل الحدود معها أو منع التبادل التجاري بإغلاق ميناء إم دافوق الحدودي لتتعطل معايش الناس ، الحكومة الإقليمة ليست معنية ، بفض إئتلاف حكومة أو حتى إعلان حالة الطوائ بالمركز ، ليست لدينا الإستعداد للمساهمة في سداد مثل هذه الفواتير الإعتباطية مستقبلا ، الحكم الذاتي نعرفه ويعرفنا ، وهو حق يجب إعادته لأصحابه.

وزير خارجية الإنتفاضة السفير إبراهيم طه إيوب ، قال ( كفاية كِدا ، 20 سنة حكم ، الناس ديل لازم يمشوا) بلكنة محسية محببة ، وشبه الوضع الحالي للبلاد بمرحلة إضمحلال الدولة الأموية ، ولم يبق (ى) سواء قدوم القائد الهمام أبو مسلم الخرساني لإعلان الدولة العباسبة (القومية) ، لم يتفضل سيادته بتفنيد الكيفية ، ولم يوصف لنا ملامح القائد أبو مسلم الخرساني المنقذ المنتظر ، وللعلم القائد الأسطوري التاريخي المعني ، أسمه الحقيقي إبراهيم ، أرسله أبو العباس السفاح للدعوة لدولة بني العباس بخراسان ، قيل أنه كردي ، يعني من الأغلبية المهمشة وقتئذ ، جمع بين البأس والكرم ، إستقبله حشود مهوله عند قدومه ، وزاحم حاشيته ، حاشية الخليفة المنصور في الحج فأسرها له ، ودبر إغتياله وهو في ريعان شبابه ولم يتجاوز الـ 37 عاما.

من مفاجآت الندوة ذكر كوماندر الإستخبارات هاشم بدر الدين ، كأحد قادة الحركة الشعبية الذين نفذوا عملية إحتلال بلدة همشكويب بشرق السودان قبيل أن يجبروا للجلوس لمحادثات نيفاشا على حد قوله ، أن أطفال هذه الخلوة المشهورة ، ليس من بينهم طفل واحد من الخرطوم أو الأوسط أو الشرق ، جميعهم من أطفال دارفور وكردفان ، ومنهم من يقول أنه مختطف ، ما نستنتجه من حديثه أنهم يتعرضون للأدلجة المبكرة ، وأن مشايخ الخلوة يتكسبون بهم ، ويجب إعادتهم لخاوي جبل مرة ، وفي سياق الإتهامات الموجهة لحركة العدل والمساواة بأنها جناح عسكري لحزب المؤتمر الشعبي ، كشف الكماندر مضطرا على حد قوله ، أن شخصيات من حزب المؤتمر الشعبي إلتقت بوفد من الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2002م بجنيف وطلبت منهم تدريب قوات خاصة بهم رفضت من قبلهم ، وقد طالب الدكتور على الحاج بفرصة لتصحيح هذه المعلومة لم تمنح له ، والمفاجأة الثالية أيضا من الشرق ، حيث ذكر ممثل البجا الأستاذ سليمان ضرار ، إن حكومة الإنقاذ منحت مدنية سنكات خمس دوائر إنتخابية ، بينما قدرت مدنية بورتسودان بدائرتين إثنتين فقط ، كشهادة على تلاعب سلطات النظام بنتيجة التعداد السكاني.

شاعر إنتفاضة أكتوبر المجيدة السفير ود المكي ، إستبعد تتحقيق الشرط الازم لحدوث إنتفاضة لإستحالة الإجماع الوطني ، الأستاذ محجوب عروة قرع ناقوس الخطر المحدق بالبلاد بشكل مزعج للغاية ، ونصح بإستعمال العقل بإلحاح ، في حين أن دكتور جبريل إعتبر الرهان على الإنتخابات مضيعة للوقت ، بينما دافع ممثل حزب الأمة القومي الشاب المفوه محمد زين عديلة عن رهان حزبه على الوسائل السلمية ، ممثل الحركة الشعبية السيد مارتن تحفظ على الفراغ الدستوري ... منصة الندوة تركت الحضور وسط هذه الحيرة ، وخرج الجميع كل يده على ظهره ، يتأمل الرصيف ، ويحادث نفسه.

ليست هناك تعليقات: