الأربعاء، يوليو 08، 2009

بخصوص إتفاق القاهرة ... لا ينبغي تكسير حراب الأخطبوط

بخصوص إتفاق القاهرة ... لا ينبغي تكسير حراب الأخطبوط
في السياسة ، الديناميكية المشوبة بالفشل ، أفضل بكثير من التكلس والخمول الفكري ، لأن من لا يخطئون لا يفعلون شيئا ، وحسب نظرية ديفيد كولب Kolb’s theory فإن التعلم أو التراكم المعرفي ، عملية دائرية لا نهاية endless loop ، لها أربع مراحل ، مع كل حلقة وفي كل مرحلة يضيف الإنسان لخبراته التراكمية ، وعلى المستوى الفردي ، من الأهمية بمكان ألا يكون الإنسان سلبيا ، يقوم بتكسير حراب الآخرين المصوبة لتنفيذ أي عمل من المرجح أن تكون إيجابياته أكثر من سلبياته ، وإن إعتزم الآخر وتوكل على الوكيل ، الحكمة تقتضي تقديم السند والمدد اللازم لمضيه قُدما ، والتنبيه إلى المعوقات المحتملة لمسيرته ، أو الأنحراف عن هدفه المرتجى.

رغم أن عملية الذراع الطويل قد وضعت حدا للإتفاق السري الموقع في عام 2003م بين حزب الأمة القومي وحركة العدل والمساواة ، ورغم التباعد الفكري والإختلاف التنظيمي بين الحزب والحركة ، إلا أن الإتفاق الأخير الموقع بينهما في بالقاهرة في غرة يوليو الجاري ، فيما يتعلق بالشأن السوداني بشكل عام والقضية الدارفورية على وجه الخصوص ، يعتبر بكل المقاييس تحرك إيجابي يجب دعمه من الجميع ، بإستثناء أعداء الشعب فلا أحد ينتظر منهم ذلك . لا جدال في أن حزب الأمة القومي رغم مشاكله الداخلية يظل الأكثر فاعلية في الساحة السياسية ، ولا تناطح في أن حركة العدل والمساواة رغم كثرة المآخذ عليها تظل هى الأكثر ثورية في الساحة الدافورية ، من هنا يجوز وصف إتفاق القاهرة بأنه إلتقاء قمتان كلٍ من موقعه ، دون إن ينحي أحدهما للآخر ، علماء الجيولوجيا يعتبرون ذلك محال ، أما في السياسية فقد حدث ويحدث مرارا.

بهذا الحدث المباغت شيع حزب الأمة إتفاق التراضي الوطني إلى مثواه الأخير ، وأزال الحاجز بينه وقوى الهامش وتنظيمات المعارضة الوطنية . أشرنا في مقال سابق إلى أن حزب الأمة هو آخر حائط يرتكز عليه قوى الهامش ، وهو مدين لهم بالكثير ولا ينبغي له التعاون مع من يجر الشوك على جلدوهم الملتهبة ، من هنا تجئ أهمية الإتفاق بالنسبة لجماهير حزب الأمة القومي ليس كإختراق موسع للثوار فحسب بل كإنفكاك لقيادات الحزب من حجل الجلاد الغليظ ، وخطوة متقدمة في إتجاه المستضعفين ، ومن المتوقع أن يلطف الجو داخل اروقة الحزب بحرق بعض أوراق تيار التغيير.

الإتفاق يؤكد قناعة الطرفين على حدوث فراغ دستوري إعتبارا من التاسع من يوليو الجاري ، أي أن النظام يفتقد شرعية اخرى ، وبرفضه لقبول حكومية قومية إنتقالية ، أعطى المبرر الكافي والمسوغ الدستوري لتغييره بالوسائل المدنية والعسكرية ، ومن هنا تمكن خطورة الإتفاق على النظام ، إذا اخذ محمل الجد ، ولعل من هذه الزاوية قرأها المؤتمر الوطني فافسد على قادته فرحة مقررات قمة سرت الكرتونية ، وتحليق طائرة الإنقاذ الورقية ، إذا أخذنا في الأعتبار إن الإنقاذيين لا يستبعدون عودة ثوار دارفور إلى المركز ، إن سدت المنافذ في وجوههم ، وهذه المرة لا يجدون من يتصدى لهم إعلاما بالإنابة عنهم ، بل قد تصدر بيانات تأييد من عدة طوابير وخلايا نائمة ، في ظل تشبع الشارع العام بعدم وجود حكومة في البلاد ، والسلطة أصبحت مشاعة للجميع ، وليس مستبعدا إعلان حالة طواري عامة.

حزب الأمة حدد الوسائل المدنية كخيار له لتحقيق السلام ، وحركة العدل المساواة تركت جيمع الخيارات مفتوحة ، وكما يقولون ، السلام بجيب الكلام ، المفضي إلى تغيير النظام ، ليست بالضرورة إن تكون إنتخابيا ، لأنه العقبة الحقيقة لاحلال السلام والتحول الديمقراطي المنشود ، وقد بات واضحا أن الخسارة الإنتخابية المؤكدة ليست مريحة للمؤتمر الوطني ، إذ ليس بإمكان قادته النزول للمعاش الإختياري والتفرغ لإدارة ما تمكنوا من (تهويشه) من قوت الشعب خلال العشرون عاما ، حيث أن مئات الآلاف من أسر الضحايا يتربصون بهم ، وأوكاموا يقعد لهم كل مرصد ، من هنا تكمن ضرورة تناغم الوسائل المدنية والعسكرية لتغيير النظام ، وإتفاق القاهرة يعيد للأزهان قصة التجمع والتحالف الوطني ، نتمى إلا يعيد التاريخ نفسه.

الطرفان يطالبان بإنتخابات وفق مواصفات ... يرفضانها إن تمت تحت إشراف الحكومية الحالية ، ويطالبات بإعادة النظر في التعداد السكاني (المضروب) وهذين فقط يكفيان قادة المؤتمر الوطني لتقديم النصح بلس الكوع ، والتيمم على رمال صحارى دارفور قبل القدوم للبقعة ، مما يعني إن المسرح السياسي السوداني من المتوقع ان يشهد عروض ساخنة للغاية خلال هذا الخريف ، إن كان الإتفاق جدي ، ومما يشكك في جاهزية حزب الأمة للسيناريو المتوقع ، تأكيده مرارا أنهم ضد أي تحالف لهزيمة المؤتمر الوطني ، هذه الجزئية يصعب هضمها وقد يُفسر بإفتقار الحزب للشجاعة السياسية ، كما يفتقر إستحياء قادته مطالبة رئيس النظام بالمثول لدى محكمة لاهاي للوجاهة ، بعد إحالة التراب على التراضي الوطني ببنود إتفاق القاهرة الأخير.

المشاهد للشارع السياسي عرف عن طرفي الإتفاق اللجاجة السياسية الحميدة وغيرها ، الحزب مفتون بتوقيع إتفاقيات ، والحركة هاوية تحالفات ، لكن هذه المرة ، ليس واردا عودة حزب الأمة للمؤتمر الوطني وهو الأهم , ومن المستبعد أن تفرط حركة العدل والمساواة مرة اخرى في ميثاق مع أكبر تنظيم سياسي وأكثرها فاعلية . إن وُفق حزب الأمة في إختراق صخور جبل مرة بتوقيع إتفاق مع الأستاذ عبد الواحد ، إضافة إلى إتفاقياته السابقة مع فصيل الوحدة وحركة مناوي ، وأثمرت حراكه المحموم مع الحركة الشعبية بتوقيع برتكول معتبر ، يصبح حزب الأمة أخطبوط الساحة السياسية بلا منازع ، (يتشتح) فوق الوطن ، وتتشابك أذرعه مع الجميع إلا من أبى ، ولا ينبغي تكسير حرابه.

ليست هناك تعليقات: