السبت، يناير 31، 2009

حسن الظن من حسن الفطن ولكن - 1-1-2008م


تعقيب على أطروحة د. حسين آدم الحاج
دياجي السلبية القاتلة وعتمة اللامبالاة للمستنيرين من أبناء دارفور تبددها شعاع أطروحات د. حسين آدم الحاج القيمة ، هذه القامة السودانية السامقة لا تفتر همته العالية من أجل إيجاد حلول عادلة لقضية أهله المنكوبين بدارفور ، يحمل سراج التنوير ويجوب به في إصرار لينير كافة الأزقة المظلمة ، ينادي بصوت جهور ليخترق بحور صمتهم المطبق وسلبيتهم القاتلة ، لم يكتفِ بشحذ عقله النير وتقديم أطروحة تلو الأخرى لشق الطرق المفضية لحلول القضية بكل حياد ، بل تعدى ذلك بطرق باب كل من توسم فيه الخير وإستأنس فيه الأهلية والفاعلية لتذكيره بقضية أهليه ومعاناة ذويه ، حاول بعناد توحيد المنبرين ودمج الحركتين وإستنطاق الواقعين في المنزلة بين المنزلتين ، زاده في هذه المساعي علمه بحب الجميع له وثقتهم فيه لحياده وكبر عقله.

أطروحته الأخيرة قيمة كما عهدناه إلا انه مشروط بصدق النوايا كما أوضحه في مقدمتها وهو شرط غير متوفر من جانب قادة نظام الإنقاذ الممسكون بتلابيب قضية دارفور على وجه الخصوص وبلاوي السودان عموماً ، سوء نية نظام الإنقاذ تجاه أهل الإقليم منذ إستيلائها على السلطة مروراً بمنعطفات القصر والمنشية وحتى إندلاع الثورة المسلحة في 2003م تسندها عدة شواهد واضحة لا تحتاج لتأويل نذكر منها

أولاً : إختلاسات مؤسسة الرئاسة لأموال طريق الإنقاذ الغربي وهم ليسوا في حوجة ماسة لها كما يعتقد البعض وإنما القصد منها إجهاض هذا المشروع التنموي لإبقاء أهله في مربع الفقر والتخلف وإبطاء رفع مستوى الوعي لدى أبنائها الذين يهددون سيطرة المركز على مقدرات الإقليم.
ثانياً : بعد المفاصلة بين القصر والمنشية ابعد معظم أبناء الإقليم من السلطة وزج بهم في غياهب السجون ولا يزالون بإفتراض أنهم جميعا من مناصري المنشية حتى الذين إختلفوا مع الشيخ.

ثالثاً : شرع النظام في بناء سد مروي كمشروع قومي لتوليد طاقة كهربائية مائية رخيصة تقدر ب/ 2,225 ميغاوات وإذا علمنا أن الشبكة القومية قبل إنشاء مصفاة الجيلي تولد حوالي 600 مغاوات فإن طاقة سد مروي يمكن توصيلها لدول غرب افريقيا على المحيط الأطلسي ، إلا إن النظام قد بخلت بها على أهل غرب السودان في حين أنها تعاقدت من شركات آسيوية لتمديدها شرقا إلى أثيوبيا وقد شرعت هذه الشركات بالفعل في تركيب الأبراج والمحولات حتى قبل إكمال تشيد السد.

رابعاً : الطرق الوحشية والأساليب اللاخلاقية التي إنتهجتها أجهزة النظام القمعية في إخماد الثورة المسلحة من إتباع سياسات الأرض المحروقة وتسليح المليشيات القبلية وإرتكاب إنتهاكات الشرف وتمليك قبائل لحواكير قبائل اخرى وإستجلاب قبائل من دول أجنبية وتمليكها أراضي النازحين ، كل هذه الوسائل القذرة من اجل تدمير النسيج الإجتماعي وخلق فتن يصعب معالجتها في المدى القريب.

خامساً : النظام مدرك لإستحالة هزيمة أبناء دارفور عسكرياً و المبالغ التي بدده في العمليات العسكرية وشراء الذمم وتسليح المليشيات القبلية وشراء البارد لحرق قراهم وتدمير بنياتهم التحتية على تواضعها ، والمبالغ التي دفعته لأغراء القبائل من دول غرب افريقيا للإرتزاق في حرب دارفور والإستيطان بها تكاليف هذه العمليات التخريبية كافية لتشيد مشروعات تنموية قد يدفع اهل لدارفور بحسن طويتهم حسن الظن بالنظام وإستغفار الله في سوء ظنهم به ولكن هيهات فهو لا يزال يصر على القضاء على الأخضر واليابس وحرق الزرع والضرع.

هذه الشواهد لا تترك مجالاً لأفتراض صدق النوايا من جانب قادة النظام حتى هذه اللحظة ، ومن خلال المتابعة لمسيرة الإنقاذ لم نشهد لها مجرد الإلتفات للمبادرات والأطروحات الوطنية على كثرتها وصدقيتها بل أصبح قادة النظام يسخرون منها جهاراً ، حتى مفاوضات نيفاشا لم يجلس لها النظام لولا الضغوط الميدانية والداخلية والدولية ، فقد توحد أبناء الجنوب بعد فشل إتفاق فشودة تحت قيادة واحدة وحتى الآن هم كذلك بإستثناء رياك قاي وقلواك دينج وفتحت الحركة جبهة تحالفية مع التجمع طوقت الشرق ولو لا حسابات أمريكية قد يغامر الكماندر باقام اموم والعميد عبد العزيز خالد بإقتحام الخرطوم ليلاً أو نهاراً ، وداخليا أفتى عُرابهم بأن الذين يموتون في الجنوب "فطايس" وقد تمكن من تثبيط همم قوات الدفاع الشعبي وبادر حزبه بتوقيع إتفاق تفاهم مع الحركة الشعبية في فرانكفورت ، ودوليا إتكأت دول الإيجاد على الولايات المتحدة ، رغم تلك الضغوط الآن النظام تحاول الإلتفاف والتنصل من إتفاق نيفاشا بعد رحيل قائد المهشمين الأسطوري الدكتور جون قرنق ولا شك سوف تشعل نظام الإنقاذ الحرب مرة اخرى في الجنوب للتنصل من نيفاشا من اجل البترول الذي رهن إقتصاد البلاد به ، صدق النوايا غير متوفرة لدى النظام في كافة الإتفاقيات التي وقعها ناهيك عن دارفور التي تضمر لأهلها الحقد الدفين.

ومهما توفرت الضغوط على النظام فإنها لم تلتفت لقضية دارفور بعقل مفتوح قبل إجراء الإنتخابات العامة إذا لم يجدوا منه بد لسبب واضح وهو إخراج حوالي الأربعون دائرة إنتخابية محسوبة بكاملها للمعارضة من اللعبة ، اضف إلى ذلك لا شك أن الإستحقاقات العادلة والمرضية لأهل دارفور سوف تكعبل مسيرة نظام الأنقاذ ، اهل دافور يستحقون اكثر من 28% مشاركة في السطلة التشريعية والتنفيذية مضمنة في نصيب المؤتمر الوطني حسب إتفاق نيفاشا معنى ذلك أنهم سيشكلون إغلبية ميكانيكية مع الحركة الشعبية وقادة المؤتمر الوطني يدركون هذا الخطر ، تصور لو جلس د.خليل وإستاذ عبد الواحد بجوار باقام ودينق ألور ومالك عقار في مجلس الوزراء هل يتجرء د.نافع وزمرته العبث بمقدرات الوطن كما يحلو لهم؟ إستعادة أهل دارفور لسلطتهم الذاتية لا شك سوف تفتح شهية أهل كردفان منتجي البترول ، خروج الجنوب والغرب من سلطة المركز يعني تآكل سلطاته وتقوقع المؤتمر الوطني داخل مثلث حمدي ، تعويضات النازحين والمتضررين من أهل دارفور تحتاجه النظام في الوقت الراهن لتشطيب سد مروري قبل إسدال آخر فصل من حكم المركز المائل وسيطرة نظام الإنقاذ الشمولي الجهوي.

د. حسين آدم الحاج في أطروحته يأمل من شريكي حكومة الوحدة الوطنية إختصار الطريق بتوقيع صفقة (محدودة) مع الحركات الرافضة اي تناول القضية "من آخرتها" على حد تعبيره ، نعتقد أن أهل دارفور قد صاموا دهراً ولا يجدر بهم الإفطار على بصلة محدودة القشور ، فالصفقات المحدودة تعتبر مسكنات ومسح الزيت على الشعر ، ألم تكن إتفاق فشودة صفقة محدودة وكذلك ابوجا وبروتكول القاهرة ، لا أعتقد أن أهل دارفور يقبلون بأقل من حكم ذاتي بصلاحيات كاملة على إقليمهم وكافة أراضيهم ، ولن يتنازلوا قيد انمله عن تعويضهم بصورة عادلة عما دمرته أجهزة النظام لممتلكاتهم ، ولم يتخلوا عن أحقيتهم في منصب نائب الرئيس بصلاحيات حقيقية وكفالة رئاسة أحد أبنائهم للسودان مستقبلاً بالإضافة إلى محاكمة ومساءلة مغترفي الجرائم الإنسانية ، وقبل ذلك كله لجم النظام مليشياتها وسحب أجهزتها الأمنية من الأقيلم ، هذه الإستحقاقات لا أعتقد إنها تقبل صفقة محدودة بأي حال من الأحوال وإن طال بقاء الثوار على ظهور الخيل وإفترش النازحون الأرض وإلتحفوا السماء لسنوات.

لا يستقيم ظل البلاد طلما عوده نظام الإنقاذ المعوج ، يحاول عبثاً رق ثقوبها المتسعة بصفقات وملصقات محدودة الفاعلية لتظل هو العابث بمقدراتها ، وإذا كان الرأي هو الجانب الأفضل من الشجاعة أقول بكل ثقة لا حل لمعضلات البلاد إلا بتغيير نظام الإنقاذ الشمولي الوصولي ووقف حد لتوجهه الأصولي بأي ثمن وبأية كيفية ، هذا هو الحل الوحيد وإن عجز العاجزون من بلوغه ، وما سواه يعتبر مداهنة غير مجدية وحرث في البحر ، الآن تلوح فرصة للتغيير السلمي في سماء البلاد يجب عدم إضاعتها بالسلبية المدمرة والإستعداد لبتر يد من يحاول الإلتفاف عليها.

ليست هناك تعليقات: