السبت، يناير 31، 2009

ثوار دارفور والمجتمع الدولي من خيّب من ؟ - 27-2-2008م

الإهتمام الذي حظى به قضية إقليم دارفور من الأسرة الدولية بكافة مكوناتها التنظيمية الرسمية وكافية أجهزتها الإعلامية لم تحظَ به قضية أخرى على الكرة الأرضية مطلقاً ، ذلك لعدة إعتبارات أولاها فظاعة المأساة ووحشية الممارسات بحق المدنيين العزل ، وثانيها تزامن الجرائم من ثورة الإتصالات وثالثاً تواجد أعداد واعية من أبناء الإقليم الذين يعانون التهميش منذ المفاصلة بالخارج ورابعاً تكرار المأساة بعد فترة وجيزة من وقوعها بمنطقة البحيرات وسط أفريقيا وشعور الأسرة الدولية بوقز الضمير الناتج عن سلبيتها تجاهها وأخيراً الإهتمام اليهودي بالقضية بقصد التثبيت والترويج لواقعة الهلوكوس.

ورغم كل هذا الإهتمام الدولي بالقضية إلا أنها لم تتخذ إجراءات عملية فاعلة لوقف ممارسات النظام الإجرامي بحق المدنيين كما أنها لم تقدم مشروع سياسي عادل لحل القضية ، فقد تركت الأسرة الدولية عملية مراقبة الميدان وتقديم التقارير للإتحاد الأفريقي عديم الخبرة والكوادر النزيهة كما أن إفتقار محادثات ابوجا للوساطة الدولية المحايدة والواعية بمطالب الثوار نتج عنه سلق مشروع أقل ما يوصف به أنه أضحوكة.
حقيقة الأسرة الدولية بعد أن أصبحت أحادية القطب عبارة عن قاطرة تجرها الولايات المتحدة الأمريكية وسوء تقديرات قادتها بتجاوزهم الشرعية الدولية خلال حربها ضد الإرهاب في أفغانستان والخليج أفقدتها المهابة والمصداقية والتردد على الإقدام ، فقد إنهزمت الدبلوماسية الأمريكية أمام المشروع النووي الإيراني والكوري ، وتحدتها نمور من ورق أمثال فنزويلا وسوريا والسودان وقد إنعكست كل ذلك على الهيبة الدولية وفاعلية قراراتها ، والكل متابع إنتظار نظام الخرطوم السيد لويس أوكامبو الذي بل قراراته الخاصة بإيقاف هارون وكوشيب ان شرب (مويته كمان) ولم يندهش أحد من إلتماس قادة العالم من الخرطوم السماح بدخول قوات الهجين وهي أكبر قوة دولية تكون بقرار من جلس الأمن الكيان الأعلى دولياً.

إستطاع نظام الخرطوم اللعب على المتناقضات الدولية وتشابك مصالحها الحيوية ، فالولايات المتحدة وبعض حلفائها من الدول الأوربية لن يجدوا في القرن الأفريقي نظام يخدم مصالحهم الأمنية أفضل من نظام الخرطوم ذو الصلاة بقادة الإرهاب في فترة من الفترات ، و الصين التي تعتبر واقعيا قطباً مضاداً للولايات المتحدة الأمريكية وهى وراء الكثير من إخفاقات خططها كقوة إقتصادية وصناعية وهى السند الحقيقي لكافة الدول التي تعاديها وتزودها بالسلاح والمفاعلات النووية و التقنيات الصناعية الضرورية وفوق كل ذلك تحمى حلفاؤها داخل مجلس الأمن بإستخدامها حق الفيتو ، فلولا الصين لم يستطيع نظام الخرطوم من توفير المال والسلاح لحرق إنسان دارفور وإفلات قادتها من الإدانة المباشرة.

إن كانت كل هذه الحقائق غير غائبة عن قادة ثوار دارفور لا يمكننا القول بأن المجتمع الدولي قد خيب أملهم بل أنهم قد أساؤا التقدير وسط الإهتمام الإعلامي المكثف بالتأويل التام على الروافع الدوليه والإقليمية كآليات لحل القضية وعدم الإكتراث أو الإلتفات لخيارات بديلة ، فقد أضاع قادة الثوار فرصة الإستفادة من التعاطف العالمي بالقضية في إنتزاع الحقوق العادلة لشعبهم في وقت وجيز ، وعدم إغتنام الفرصة كانت نتيجة حتمية لإضاعة الوقت في مسائل إنصرافية باعدت بين الحركات منها منطلقات أيدلوجية وخلفيات قبلية فمنذ إندلاع الثورة كان الخلاف سيد الموقف ولم نسمع يوما ما أن القادة قد إتفقوا على أجندة تفاوضية ، ومنذ مؤتمر جبهة الخلاص بأسمرة وحتى الآن لم نسمع أن أحد القادة قد اجرى إتصالا بزميلة من أجل التشاور بشأن مستقبل القضية حتى مؤتمر اروشا ولقاء جوبا لم يحضره القادة الحقيقيين للحركات وكانت ملتقيات لكوادر أجنحة ما بعد ابوجا ، رغم إدراك الأسرة الدولية والإقليمية إفتقار نظام الخرطوم للمصداقية وإحترام المواثيق وفشلها في إرغامها علي وقف تجاوزاتها الإنسانية فقد خاب أملها في قادة الثوار بالتشظي المتنامي والرفض المطلق للحوار وقد تحفظ البعض منهم على دخول قوات الهجين وضاعت مجهوداتها في محاولات متكررة لتوفيق بين قادة الثوار بدلا من الضغط على نظام الخرطوم لتقديم تنازلات يستحقها أهل الإقليم.

وإذا إفترضنا أن رخم الميديا العالمية شكل غشاوة وحجب واقع المجتمع الدولي عن قادة الثوار ، فخيبتهم في الأسرة الدولية بلا شك تتمثل في الطريقة البهلوانية التي عرضت بها إتفاق ابوجا وعدم إصدار قرارات أكثر فاعلية من أجل حماية المدنيين كحظر الطيران فوق سماء دارفور ، ومحاصرة النظام دبلوماسيا وإقتصادياً لتسليم المطلوبين دوليا ، و تباطؤ السيد أوكامبو في كشف القادة الحقيقيين للمجازر البشرية وإعلان أسماء المطلوبين بالتقسيط ، والتساهل مع النظام في أمر تشكيل ونشر وقوات الهجين وعدم مقاطعة أولمبياد بكين وإعتزام الرئيس بوش حضور إفتتاحياتها ، في ظل التصعيد العسكري لنظام الخرطوم بالإقليم وإستمرار مراوغته بشأن تكوين وإنتشار قوات الهجين وعرقلة إنتشار القوات الأوربية بشرق تشاد أيضا ، على الأسرة الدولية فرض حظر الطيران فورا فوق سماء دارفور وتنفيذ سياسة النفط مقابل الغذاء فلا يعقل أن يغيث المجتمع الدولي نازحين ناجين من حملات إبادة منظمة تشنها عليهم دولتهم التي تتبجح ليل نهار بقوتها الإقتصادية ولم تتوقف عن التصنيع والعروض العسكرية وإستيراد الأسلحة الفتاكة من حليفتها الصين التي تتفاخر هى الأخرى بأن جعلت من السودان قوة إقتصادية كبرى بأفريقيا ، كيف يسمح لهذا النظام الفاشي من تسخير ثروات شعبه في إبادته والتخطيط المستمر لزعزعة وإسقرار دول الجوار كيف؟

بعد كل هذه الخيبات الكبيرة للأسرة الدولية ، الواجب يحتم على قادة الثوار إستشعار المسئولية وتجاوز الخلافات الإنصرافية وبما أن وسطاء الخير قد فتروا فلم يتبقى سواء المبادرات الشخصية المباشرة من القادة أنفسهم إن كان من بينهم من يستشعر كبر النفس وعِظم المسئولية فمجرد التصافي القيادي يبعث الأمل لأهلهم المنكوبين ، وثمة أمر أخر يجب عدم إغفاله في هذه المرحلة الحرجة وهو الإهتمام بالتواصل الداخلي مع كافة مكونات دارفور وخاصة الذين لهم مواقف من الثورة وكذلك التنظيمات الوطنية المناهضة للنظام وبذل المجهودات الكافية لمنع إجراء الإنتخابات قبل رد إستحقاقات أهل الإقليم ، ففي تقديري أن قوى الهامش بالداخل أكثر تأثيراً على النظام وأكثر إخافة له من الأسرة الدولية المتناقضة والمهزوزة ، يجب فتح قنوات تواصل مباشرة وفاعلة معها وعدم وضع جميع البيض في سلة المجتمع الدولي الذي إنعدم الحيل وإفتقر الفاعلية سيما وأن النظام يخطط بدقة لسرقة الشرعية بعدة وسائل بعدها بلا شك أن الأسرة الدولية المتثائبة الآن سوف تنزع يدها عن فمها.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: