الأحد، فبراير 01، 2009

ليس باليد حيله سوى الذراع الطويله -23-5-2008م

أما من حيث المبدأ فاللجؤ للقوة لتحقيق أية غاية مرفوض ، إلا لدفع الظلم ورد العدوان من دون بغي ، ولا مراء إن نظام الإنقاذ قد تمادى في البغي والتعدي على السواد الأعظم من الشعب السوداني وعلى أهالي دارفور على وجه الخصوص ، بشهادة العالم أجمع ومنذ أكثر من خمس سنين ولا تزال مليشياتها الرعناء تنكل بالمواطنين العزل شر تنكيل قبل أن تزهق أرواحهم ، تحيك المؤامرات من مخابئها بالخرطوم ومن الموقع عينه تقلع طائراتها لتدك أكواخ الأهالي بمن فيها وبما فيها.

راوغ النظام وإلتف حول كافة المساعي الجادة لإيجاد تسوية سلمية بخصوص الإستحقاقات العادلة لأهالي الإقليم وظل سادراً في غيه ولم تحيد عن عنجهيته قيد أنمله ، مذكراً الجميع في كل سانحة وبدونها بأنهم سادوا بالقوة ومن لديه حق يطلبه فليجأ إليها ، مع هكذا غطرسة يصبح عملية الذراع الطويلة التي نفذتها ثوار دارفور في العاشر من مايو الجاري واجب تمليه ضرورة الدفاع عن العرض والأرض والثأر لشرف أهاليهم الجريح ، هذه العملية الملحة تبررها كافة الشرائع والأعراف ، ومن المنطلقات تلك وجد ثوار دارفور الأشاوس أنفسهم مضطرين لإستهداف المواقع العسكرية وأوكار الأجهزة الأمنية فور إنتهاء النداء الأخير للمبادرة الشجاعة منهم بالجلوس للتفاوض من موقع قوة لإيجاد حلول سليمة للمعضلة وقد تلقتها مغروري النظام بالإزدراء والتهكم.

لقد إختار قادة النظام العنف وسيلة وحيدة للتفاهم وليست هنالك ثمة منطق يحدد فواصل لميادين المواجهة كما أن منطق الحرب لا يعرف (عوّرتني) أو (أرحميني يُمه) ، وفق هذه المنهجية القميئة تعتبر مرابض الطائرات الهجومية ومقار القوات العسكرية وأوكار الأجهزة الأمنية ، تعبر تلقائياً أهداف إستراتيجية للثوار ما استطاعوا إليها سبيلاً ، من أجل شل قدرات النظام على تنكيل وسحل إنسان دارفور المسالم ، لو أن عملية الذراع الطويلة قد نفذت خلال هدنة إلتزمت بها قادة النظام أو أنهم قد جنحوا للسلم ، حتى لو أن أجهزتها قد آثرت سلامة المدنين في قراهم ومعسكراتهم وراعت حرمة أعراضهم بالإقليم ، لو إنهم تحلوا بالطهر والشجاعة لمواجهة الثوار ميدانياً فقطً ولم يتعرضوا لأهاليهم الأبرياء لكان اللوم كل اللوم على الثوار ولم يحدث شي من هذا القبيل بكل أسف ، ومع ذلك فقد تسربل الثوار بالنبل والشهامة خلال العملية في العاشر من مايو وبشهادة عدول فقد إلتزموا بعدم مساس أسلحتهم و أيديهم بأمن المواطن أو ممتلكاته والعالم أجمع شاهد على مرحات الخراف التي حشرت في أجواف طائرات عسكر النظام الجبناء وإغتصاب طالبات مدرسة طويلة لم تبرح المخلية إلى الأبد ، وإطلاق النار عشوائياً على الأهالي بقري دارفور وحرق المنازل من الحي إلى حي وحسكنيته أصبحت مزاراً عالمياً للوقوف على وحشية النظام ، كل هذا لم يحدث خلال العملية الذراع الطويلة ، إستدعيت هذه المشاهد البشعة لعلمي أن ذاكرة الشعب السوداني تدوين مآسي أهل الهامش بقلم الرصاص الباهتة الخطوط.

الذراع الطويلة أجلت حقيقة بصورة واضحة أن قيمة المواطن السوداني في الهامش ليست هي ذاتها في المركز ، لذا فقد غض الشارع السياسي الطرف عن إنتهاكات أجهزة النظام لحرمات إنسان الهامش لسنين عددا ولكن عندما أرق لعلعة السلاح مضاجع أصحاب البطون المنتفخة والأوردة البارزة اعتبروا أن ذلك خطاً أحمر غير مسموح تجاوزه ، لدوافع شتى طوّل الجميع أعناقهم للتعبير عن مشاعر الإستهجان والشجب والإدانة ، ما يمكنني قوله بكل ثقة في الماضي قد إستهتر أهل المركز بمأساة أهلنا ولكن بعد العاشر من مايو لا يستطيع كائن من كان إحتقار ثورتنا أو إزدراء ثوارنا.

تغاضى الأكثرية عن بغي نظام الإنقاذ وإفساده في الأرض ظانيين أن دفن الرؤوس في الرمال كفيل بتوفير السلامة و العيش الهانئ لهم ولكن هيهات فقد أخطأوا ، وإتضح جلياً أن نظام البشير عاجز عن توفير الطمأنينة لأحد والعيش الكريم لغير القلة من عشائر منسوبيه ، والشعب السوداني يتابع عن كثب كيف أنه يجر عليه الويلات مع مطلع كل يوم جديد ، أهل المركز قادرون على منعه من القتل المستمر لأهالي دارفور وبيد أنهم غير راغبين في ذلك كما يبدو لدواعي غير مفهومة وفوق ذلك يحلمون بالعيش الهانئ من فتات ما تجود بها خزائنه وذلك محال.

يذكر أن جوبلز وزير دعاية هتلر قد خاطب سكان باريس بعد محاصرتها خلال الحرب العالمية الأولي قائلاً : (لقد علمت أنكم تحبون مدينتكم الجميلة باريس ويعّز عليكم رؤيتها تنهار أبنيتها الزاهية أمام ناظريكم ، وأنتم على يقين من مقدرة جيوش قائدي الفوهلر على ذلك إن إختارت جيوشكم المواجهة) فهم الباريسيون الرسالة فإصطفوا أمام قوات دولتهم لمنعهم من المواجهة وبذلك إستطاع هتلر من دخول باريس دون إطلاق رصاصة واحدة و سلمت مدنية النور من التدمير وسلمت أرواح سكانها ، مع فارق المقارنة وطالما أن أهل المركز حاكمين ومحكومين في حالة إنسجام إلى حد التلاحم ولا يرغبون أو عاجزون عن إزاحة نظام البشير عن سدة الحكم فإنهم بلا شك قادرون على منع طائرات النظام عن الإقلاع من الخرطوم لقتل أهالي دارفور العزل وحرق قراهم وذلك واجب يمليه الضمير الإنساني وتفرضه موجبات السلامة العامة حفاظاً على سكنية مضاجعهم وصوناً لأبنيتهم الفخمة.

على الرغم من نبل ثوار دارفور وانضباطهم الرفيع في العاشر من مايو فقد إستهدفت أجهزة النظام أبناء الهامش بالعاصمة على أساس عرقي فج ومارست التشفي بحق الأبرياء بل لم تراعِ حتى حرمة الموتى فقد مثلت بالجثث فالنظام الأرعن تقذف الثوار بالحجارة وتعلم أن بيته من زجاج هش ، نصيحتي لشباب دارفور بالعاصمة الأرحم لكم من الموت المجاني ببيوت الأشباح دون جريرة ، الإلتحاق بثورتكم المباركة كيفما إتفق ، ففي أوكار أجهزة الأمن تمتهن رجولتكم ويسومونكم سوط عذاب من أجل سنحاتكم وإنتمائكم الجغرافي فسحب ومن الرعونة الإنتظار تلكم الساعة ، مع التذكير أن حملات الكشه التي مارستها أجهزة نظام مايو البغيض بالعاصمة في الثمانينيات والتي إستهدفت أبناء الهامش في الأساس كانت من أقوى دوافع إلتحاق شباب مقدر من أخوتنا الجنوبيين بالحركة الشعبية ومنهم من هو في الصفوف الأمامية لها في الوقت الراهن.

غداة العاشر من مايو هرع الجميع لتدبيج خطب الشجب والإستنكار والتخوين بعد أن وطئوا الجمرة التي تقف عليها أقدام أهالي دارفور لأكثر من نصف عقد من الزمان ، الكثيرون كتبوا متشددين من باب التقية وكان المطلوب المرونة فالتحامل على طرف دون الآخر لم يدع مجالاً للتفكير السوي ، تصريحات الأمام الصادق المهدي العجلة كانت بجد مخيبة لأهالي دارفور المباركين لثورتهم المشروعة في مجملها وإن إختلفت إنتماءاتهم الثورية ، فقد حرص الإمام على مهادنة النظام ضارباً بمشاعر مريده من أهل الهامش عرض الحائط ، ليت شعري أن يتحلى الكبار بالحكمة وترك الهاشمية والإندفاع لسواهم ، ولإن إنجرفت قيادات التنظيمات الوطنية العريقة في أتون العنصرة فقد تتلاشى الأمل الضئيل في أعادة رتق ما إغترفه نظام الإنقاذ المشئوم من تمزيق للنسيج القومي مستقبلاً ، حتى في ظل التعددية سوف تطل الجهوية والعنصرة بقرونها في كل منحى ، مطالبة الإمام أجهزة نظام الإنقاذ الغاشم إنزال أقصى العقوبات على الغزاة التشاديين على حد تعبيره ، أدهشنا جميعاً ، منذ متى كان نظام الإنقاذ عادلاً وهو مغتصب الشرعية من شخصه المبجل بليل بهيم ، لقد (شال) الإمام وجه القباحة بمحض إدارته دون ثمن وهو لا يناسب ملامحه الواضحه ، تلك التصريحات قد مثلت غطاءاً معنوياً لإرتكاب تجاوزات بحق أبناء دارفور بالعاصمة وعلى الإمام تحمل تلك الأوزار ، وما كان لزعيم في مقامة ومكانته من توجيه التهم على عواهنه لدولة ذات سيادة وجارة معتبرة سيما وهو الأمل المرتجى ، ففي نظر قوى الهامش يعتبر حزب الأمة القومي آخر حيطة تتكئ عليها هذه الفئة الغالبة من دعاة اللبرالية والحكم الرشيد ، بيد أن أحداث الذراع الطويلة قد كشفت أن هذا الحائط يبدو مائلاً وساعة الجد سيلفى الجميع أنفسهم في العراء مكشوفي الظهر.

ما حدث في العاشر من مايو لا يساوي شروي نفير بالمقارنة بما يحدث في دارفور المائر بالمكائد والمؤامرات من صنع النظام ومع ذلك لا يمكن أن يكون الإنتصار على طاغية هدفاً نهائياً لثوار نبلاء ، عرفوا الحقيقة فطفقوا يبحثون عن الحق ولا ريب أنهم بالغوه وأن طال مكوثهم على ظهور الخيل ، فالذي عرف الحقائق المؤلمة لم تلين عزيمته وقد شاهد الجميع خلال العاشر من مايو كم فئة قليلة مظلومة إخترقت فئة كثيرة ظالمة والحل مهما كابر وغالى الطغاة تكمن في التوزيع العادل للثروة والسلطة ، فقد ولى عهد الوصاية هرباً بعد أن كسرت قوى الهامش حاجز القنوع فتعاقب الأجيال حري بوقف حدٍ للتجاوزات المزمنة.
مواقف صعبة.

منذ أن أعلن وزير دفاع النظام أن كافة أراضي دارفور خارج سيطرة قواته تعتبر أهداف عسكرية يعيش الجميع في الزمن الأضافي ، ومن أنتهك عرضه وأهينت كرامته لا يهاب الثبات في وجه خصمه ، يقاتل الثوار من أجل حق مسلوب ودفاعاً عن العرض والأرض ، بينما تقاتل قوات النظام لإخضاع الثوار لسلطة هم سارقوه ، يعتبر الحرب سجال وعقلية النظام عاجزة عن التنبؤ بكيفية المعركة القادمة وتحديد مكانها وأوانها والأرحم لهم أبعاد نافع والجلوس بعقول مفتوحة للتفاكر في حل المسألة ، فإن وجدت الإرادة وصدقت النوايا فحل المسألة أبسط مما يتصوره الجميع رغم أنه مكلف للمجرمين ، وإن إنقاد النظام لنافع فإن نافعا سوف يوردهم الهلاك لا محالة.

إحتار قادة النظام في توصيف عدد وعتاد الثوار ، إن صغروه هزأ منهم المواطن وتندر بغفلتهم ، وفتح شهية الطامعين للتفكير في الإستيلاء على السلطة ، وإن هم ضخموه وقعوا في طائلة الدعاية المجانية للثوار.

إن نسبوا الهجوم لحركة العدل والمساواة الثورية الدارفوريه وضعوها في مقام ندن متفوق على القوات المسلحة تكتيكا وتنفيذا وإنضباطا ، إن إتهموا دولة تشاد ألصقوا العار بتاريخ القوات المسلحة الباسلة الذي لم ينال منه دولة أجنبية منذ نهاية القرن التاسع عشر.

تحدثت قيادات من القوات المسلحة عن تحيد الجيش خلال مواجهة الثوار وذكروا أن المعركة كانت معركة قوة الإحتياطي المركزي والأجهزة الأمنية ومع ذلك وزير الدفاع المتعثر وظيفياً يتلقى التهاني بالإنتصار في عقر دار قواته ووسط جمهوره ... تنافض

أن مات أبناء الهامش بالوكالة يصفهم أهل المركز بأنهم أبطال وأشاوس ، وإن ماتوا بالأصالة ينعتوهم بالعمالة والإرتزاق ... خليل معايير.

إسناد عملية التصدي للإحتياطي المركزي وقوات الأمن تعني ضمنياً احد أمرين إنعدام الثقة في القوات المسحلة أو أن قادة النظام إعتبروا الثوار مجرد قطاع طرق ومثيري شغب ... إستهتار وتحفظ

أعلنوا أن القائد الثوري دكتور خليل مختبئ داخل الخرطوم وبعد فضح مزاعمهم تمادوا في التضليل بأن تشاد وفرنسا قدمتا له المساعدة على الهروب ، ربما بطائرة عمودية هبطت ثم أقلعت من قلب العاصمة في ظل الكسل والتراخي الأمني ... الهروب إلى الأمام.

نسأله الرحمة والمغفرة للشهداء من الطرفين كل حسب نواياه وعلى رأسهم الأستاذ الشهيد جمالي حسن جلال الدين ، والموتى كذلك ممن غرر بهم ، وكلنا حسرة على الجميع فإنهم أبناء الوطن الواحد والملة الواحدة ، فقد كان نظام الإنقاذ نذير شؤم على البلاد والعباد ، بمجيئه دخل الوطن في دائرة جهنمية ولن يتجاوزه إلا برحيله ، نتمنى صادقين أن تكون واقعتي البقعة وابيبي آخر المواجهات ، وإذا ضاقت تفرج وليس ذلك على القادر بعزيز.
ibrahimbasham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: